نزار شهاب: الذكور لم يتخلصوا بعد من «عقدة الخجل»

«غزو رجالي» في لبنان لعيادات التجميل ... والزوجات «أكبر مشجّع» لهم

تصغير
تكبير
| بيروت - من ريتا عقيقي |

شهدت حقبة التسعينات «فورة» في عالم الجراحة التجميلية طالت حتى بعض الرجال، ما دفع كثيرين الى طرح تساؤلات.

اليوم، نحن في العقد الثاني من الألفية الثانية، وعيادات التجميل تضيق بالرجال والنساء على السواء. فما كان شبه مستحيل قبل نحو عقدين أمسى حقيقة واقعة.

«العدوى» اذاً أصابت الذكور. ورغم أنها لم تبلغ بعد مرحلة «الوباء» الا أنها بدأت تشقّ طريقها للوصول الى ذهن كلّ شاب يشكو من عيوب خُلُقية خارجية. أما المعطيات في لبنان فتشير الى ازدياد اقبال الرجال على عمليات التجميل حتى الضعف في فترة زمنية قصيرة، ولكن من دون أن يشمل ذلك عمليات اصلاح التشوّه الناتج من الحوادث. فما أكثر «المناطق» أو الأجزاء في الجسم التي يرغب الشاب في تحسينها؟ وما أبرز الأسباب التي قد تدفعه الى ذلك؟ وهل تخطّى الشاب العربي «عقدة» عدم الافصاح أن الشكل الخارجي قد يتسبب له بعدم ارتياح نفسي؟ وهل بدأت المجتمعات العربية بالتركيز على صورة «الشاب الجميل» تماماً كما تولي أهمية لجمال الفتاة؟

«الراي» التقت الدكتور نزار شهاب، استشاري جراحة التجميل والعضو في الجمعية اللبنانية والجمعية الفرنسية لجراحة التجميل ونائب رئيس حفل انتخاب ملكة جمال لبنان بغية تركيز الضوء على هذه «الظاهرة» التي بدأت في الغرب ووصلت «تداعياتها» الينا.

يقول شهاب أن ما يقف وراء «تفتح» عيون الشبان اخيراً على عمليات التجميل هو «الاهتمام المتزايد بالمظهر انطلاقاً من متطلبات العمل، وشروط الاندماج الاجتماعي التي لم تكن موجودة سابقاً كانتخابات ملوك الجمال ودخول الشباب عالم الأزياء». ويرفض حصر اجراء عمليات التجميل لدى الفنانين والممثلين ومقدمي البرامج، «رغم ان هؤلاء يولون مظهرهم اهتماماً أكبر كون الكاميرا تظهر العيوب»، فالملاحظ أن «موظفي الشركات ورجال الأعمال باتوا اليوم ايضا في حاجة الى تحسين مظهرهم الخارجي من أجل اطلالة أفضل وأجمل». وعن متوسط سن هؤلاء يقول «يتراوح عمر الرجال الذي يُقدمون على الجراحة التجميلية بين 35 و45 عاماً، لكن هذا لا يعني أننا لا نصادف شباناً يجرون مثلاً عمليات لانوفهم او رجالاً تجاوزوا الخمسين يقصدون جراحي التجميل لاجراء عملية لشدّ الوجه».

يبدو واضحاً ان الرجال بكل فئاتهم العمرية انخرطوا في «عالم» عمليات التجميل الواسع. ووفق شهاب فان نسبتهم في لبنان ازدادت من عشرة في المئة حدا اقصى الى عشرين في المئة، موضحاً ان الطلب يزداد خصوصا على عمليات تصحيح الانف «في موازاة اقبال كبير على شدّ الوجه للتخلّص من الترهّل والتجاعيد، وزرع الشعر الذي شهد تطوراً هائلاً في السنوات الماضية، وشفط الدهون من البطن والخاصرتين والصدر، وهي أبرز المناطق التي يخزّن فيها الرجل ما يعرف بالدهون الجامدة». ويشرح شهاب التقنيات المستخدمة في هذه العمليات كالاتي «تحوّل زرع الشعر من تقنية «الغراف» (Graphe) الى تقنية «الميكروغراف» (Micro-graphe) وصولا في الاونة الاخيرة الى تقنية زرع الشعرة تلو الاخرى. وتقوم الاخيرة على استخراج قطعة جلد من مؤخرة الرأس تحتوي على بصيلات تعيش خلاياها لدى كل فرد أكثر من عمر الانسان. والصفة التي تميز خلايا مؤخرة الرأس عن بقية الخلايا ناتجة من عامل وراثي يسمح عند استخراجها وزرعها في مقدمة الرأس بظهور الشعر مجددا في المنطقة المزروعة، وذلك في غضون شهرين الى ستة أشهر بعد جلسات عدّة تحدّد وفق كلّ حالة».

وعن التقنيات المستخدمة في عمليات شفط الدهون يقول شهاب: «في جسم الانسان عموماً نوعان من الدهون. الأول كناية عن طبقة دهون موجودة في كل مناطق الجسم تحت الجلد مباشرة، ويطلق عليها اسم «الدهون المتحرّكة» أو Metabolic Fat لأن الخلايا الدهنية فيها تزيد أو تنقص بالنسبة نفسها تبعاً للسعرات الحرارية التي نحصل عليها من الطعام. أما النوع الثاني فهو الدهون غير المتحركة والجامدة». ويلاحظ ان «من السهل كسب هذا النوع من الدهون ولكن التخلّص منها عبر الرياضة والحميات الغذائية صعب للغاية. وفي حين تخزّن هذه الدهون عند المرأة في مناطق عدّة كالذقن والذراعين والبطن والخاصرتين والأوراك والأرداف وما بين الفخذين والظهر وداخل الركبة، فانها تتركز عند الرجل في منطقة البطن والخاصرتين والصدر، علما انها لا تنجم عن نمط غذائي معين بل هي نتيجة عامل وراثي أو هورموني. لذا، ينبغي ان تلحظ عملية شفط الدهون ونحت الجسم Liposculpture معالجة للخلل الهورموني في حال كان سببا في اكتساب السمنة الزائدة، وذلك تفادياً لعدم تراكمها مجدداً».

وعن اختلاف التقنيات المعتمدة مع الرجال عن تلك التي تستخدم مع النساء يقول «قد تختلف في بعضها ولا تختلف في بعضها الآخر. ففي عملية الأنف مثلاً قد يسمح الطبيب لنفسه ألا يصغر الحجم كثيراً اذا كان من يجري العملية رجلاً، في حين أنه يعجز عن ذلك مع الفتيات اللواتي يستحسن أن يكون أنفهن صغيراً يتماشى وشكل وجههن. أما عملية شدّ الوجه فتتطلب لدى الرجال وسائل اضافية. فالمعروف ان وجه الرجل يحوي بصيلات شعر تحت الجلد لا نجدها لدى المرأة، وهي تستدعي انتباها أكبر لدى اجراء العملية. كذلك، حين نقوم بشدّ الوجه تصل هذه البصيلات الى أمام الأذن ما يستدعي اللجوء الى تقنية الليزر لازالتها. في المقابل، تتشابه عملية شفط الدهون لدى الرجال والنساء، علما ان المرأة قد تحتاج الى عملية نحت للجسم لا يطلبها الرجل».

ويكشف شهاب وجود تقنية جديدة باتت تستخدم مع كل من خسر أوزاناً كبيرة تتجاوز 40 كيلوغراماً، ويوضح «خسارة وزن كبير امر يضر بشكل الجسم من ناحية البشرة. ونلاحظ أن الرجال بعد اجراء عملية «الرينغ» Ring لتصغير المعدة يعانون هذا الأمر. لذا، لا بدّ من اجراء عملية شدّ البشرة في كل أنحاء الجسم ليتمكن الشاب أو الرجل من خلع ملابسه من دون أي خجل أو قلّة ثقة بالنفس».

وعن البعد النفسي والاجتماعي لعمليات التجميل يقول شهاب «صحيح أن عمليات التجميل باتت تلقى أهمية أكبر في أوساط الرجال، الا أن هؤلاء لا يزالون يخجلون بالأسباب التي دفعتهم الى اتخاذ قرار اجراء عملية ما. فخلافاً للمرأة التي غالباً ما تقرّ بأنها تعاني تشوهات خلقية تفقدها ثقتها بنفسها، وصولا الى أجراء عمليات قد لا تكون في حاجة اليها، فان الرجل لا يعترف بهذا الأمر بل يحاول طرحه في شكل غير مباشر». ويتدارك ان «الجيل الجديد بدأ يتخطى هذه العقدة وبات يجري العمليات بارتياح أكبر، لكن الوضع لا يبدو سهلا لدى الرجال الذين تخطوا الأربعين ولا يزالون يرفضون الافصاح عن الدوافع الحقيقية لخضوعهم لجراحة تجميلية».

ولا ينسى شهاب ان نساء كثيرات رافقن ازواجهن الى عيادته لتشجيعهم على اجراء حقنة بوتوكس للتجاعيد أو غيرها من العمليات، لكنه نادراً ما صادف زبونا ذكراً يحمل معه الى العيادة صورة لممثل او مغن ويطلب تعديل مظهره ليكون شبيها به. اما اذا حصل ذلك، فان التعديل المطلوب يكون جزئياً لا شاملاً. وعما اذا كان امتثل لرغبة هذا المريض او ذاك، يقول «اذا كان التعديل الذي سأجريه يتناسب وشكل الزبون فانني لا أمانع. ولكن في حال وجدت أن ما يطلبه المريض قد يضرّ به فانني أنصحه باعادة النظر في طلبه».

ولكن، هل يسخّر الرجل عمليات التجميل في سبيل أهداف أخرى تتعدّاها؟ يشدد شهاب على «وجوب عدم الخروج عن الهدف الأساسي الذي وجد من أجله هذا العلم»، مؤكداً انني «رفضت اجراء عمليات كثيرة لرجال طلبوا مني تغيير بصمات أصابع أيديهم أو تغيير كل معالم وجوههم».

وفي راي شهاب ان الرجال لا يزالون «اميين» في حقل التجميل، «ليس لان نسبة خضوعهم للعمليات قليلة، بل لأننا مازلنا نشعر بأن لدى الرجل عدائية حيال تلك العمليات. ففي اللحظة التي تعلن فيها المرأة رغبتها في اجراء عملية ما نجد أن زوجها يعترض على قرارها محاولاً ثنيها عن ذلك ومتحججاً بأنه يحبها كما هي وبأن مظهرها ملائم جداً. كما أن عالم التجميل لا يندرج ضمن اهتمامات الرجل التي تطغى عليها الأخبار السياسية وأخبار الرياضة والسيارات وسواها».

ورداً على من يعتبر ان عمليات التجميل تعكس انتقاصاً من ذكورة الرجل يقول «بعيداً من عمليات التحوّل الجنسي، لا تعبّر عمليات التجميل عن الأنوثة. واذا كان الرجل العصري يلجأ الى الجراحة التجميلية فهذا لا يعني أنه يفقد من رجولته، بل على العكس، انه يستفيد من هذا العلم المتطوّر للظهور في شكل أجمل وأرقى، من دون المبالغة طبعاً في الخضوع لهذه العمليات لأن في المبالغة قبحاً وابتعاداً عن الهدف الاساسي، اي جعل الأفراد يبدون أصغر سناً مما هم عليه».

وعمّا اذا كان خوف النساء من التقدّم في العمر هو السبب الرئيسي لايلائهن الجراحات التجميلية أهمية أكثر من الرجال، يقول شهاب: «المرأة رمز الجمال، وتخشى مع التقدّم في السنّ أن تفقد سحرها ورونقها، علما أن الجمال ليس خارجياً فقط ويجب ألا يحلّ جمال محل جمال آخر. أما الرجل فبات يهتم اكثر بعمليات التجميل بعدما كانت امرا ثانويا بالنسبة اليه. والملاحظ ان ثمة نساء يصررن على ان يتمتع ازواجهن بشكل جميل، ما يجعل ازواجهن يرضخون لرغبتهن ويلجأون الى التجميل».

ويتوقع شهاب أن «يزداد اقبال الرجال على الخضوع لعمليات تجميل في الاعوام المقبلة»، ملاحظا ان «هذه الظاهرة تزداد لدى الشباب العرب على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم، وباتت لافتة عند شباب الخليج الذين تسمح لهم امكاناتهم المالية بتجميل انفسهم». ويلفت الى ان «العمليات الأكثر رواجاً عند هؤلاء هي شفط الدهون من البطن والخاصرتين والصدر بسبب السمنة الزائدة التي يعانونها».

نصيحة اخيرة: «على الرجال عدم التعرّض كثيراً للشمس والمحافظة على اجسامهم بالطعام الصحي وممارسة الرياضة». اما اذا قرروا اللجوء الى التجميل فالنصيحة واحدة للرجال كما للنساء: «عدم تجاوز اطار التحسينات الطفيفة التي تستهدف الحفاظ على الشكل الطبيعي، وحسن اختيار الطبيب لان هذا الحقل الواسع اقتحمه كثير من الدخلاء».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي