رؤى / التمازج بين الرجز والحداء

تصغير
تكبير
| لطيفة جاسم التمار |

تعددت فنون الشعر فكان من بينها «الحداء» أغاني راعي الإبل وأهزوجة الفرسان، ومن المعتقد أن الحداء يعتبر من أوائل فنون الشعر العربي، لبساطة موسيقاه وتعانقه مع الرجز. والحداء لغة: يحدو حدوا أي حدا الإبل ساقها وزجرها، وظهر الحداء بشكل فني غنائي لحاجة ماسة عند العرب لكي يسوقوا الإبل إلى مكانها، مع الحاجة لهذا الشكل الغنائي عند العرب منذ الجاهلية إلا أنهم كانوا لا يعتبرون بحر الرجز من البحور العريقة، حيث كان الرجز غالبا ما يرتبط بالحداء في العصر الجاهلي فقط، ومع أنه من أقل البحور عراقة في نظر الجاهليين إلا أنه في المقابل يعتبر منظما للجانب الاقتصادي لديهم، والاهتمام بالإبل الذي يعتبر من أهم الموارد المادية والاقتصادية التي سيطرت على حياة العرب في الجاهلية.

ومن مميزات ارتباط الرجز بالحداء تحميس الرجال لخوض المعارك من خلال المرأة التي غالبا ما كانت الدافع الأساسي لتفوق الرجل، وهناك بيت شهير كانت تقوله النساء في الجاهلية ويبين مدى ارتباط الرجز بالحداء» نحن بنات طارق نمشي على النمارق» قالت هذه العبارة الشهيرة هند بنت عتبة قبل إسلامها في أحد، استمر التمازج بين الرجز والحداء في عصر الإسلام وعصر النبوة، وكان يقال ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدا له في السفر، كذلك استمر الحداء في عصر الراشدين والعصر الأموي، وهناك بيت شهير للحسين بن علي كرم الله وجه قاله في كربلاء «أنا ورب البيت أولى بالنبي». توالى استخدام الحداء في العصر العباسي حتى أنه يقال ان أحد الحداة «كان يحدو حتى أن الإبل العطشى توقف الشراب حتى ينتهي من حدوه». وهذا دليل على أهمية الحداء الإنسانية والنفسية والاقتصادية والترفيهية، وفي أواخر العصر العباسي دخل الرجز مجالا جديدا بعيدا عن الحروب والإبل، دخل مجالا للتعليم فظهرت الأراجيز مثل ألفية ابن مالك، وأرجوزة ابن سينا في الطب، كذلك في البصريات والفلك والسحر وغيرها من العلوم.

أمسية الأربعاء في رابطة الأدباء، كانت مفعمة بالمعلومات المفيدة التي ألقاها الباحث الأديب إبراهيم الخالدي، الذي أفاض في بحثه الفني بين الرجز والحداء، فنحى الباحث منحى آخر في أهمية الرجز بالنسبة للخيل، ففي عصور متأخرة في البادية بدأ يرتبط الحداء بالخيل، واستحدث شعرا عاميا يعرف بـ «الهجيني» يشبه الحداء يعتمد على الرجز أيضا مع تغير هدفه وهو حث المقاتلين على القتال، مع وجود أهداف أخرى له فيستعمل في الغزل والفرح والحكمة، والمداعبات والشكوى وغيرها من الفنون، ويتميز حداء الخيل بأنه مركز ويقتصر على ثلاثة أبيات فقط.

وفي عصرنا هذا مازال الحداء مستمرا في بعض قصائد للشاعر خالد الفيصل والشاعر حمود البغيلي، فكثير من الشعراء يستخدمون الحداء مرتبطا بمجزوء الرجز لسهولته وجماله. أمسية أكثر من رائعة أخذتنا إلى فن جاهلي قديم، ربما سهينا عنه لفترة، أعاده إلينا الباحث المميز والذي تناول تاريخ الرجز والحداء في الماضي والحاضر مستشهدا بنماذج كثيرة ومعبرة من الشعر القديم من العصر الجاهلي حتى عصرنا هذا. نحن الآن في شوق كبير لكتاب الأديب الخالدي عن تاريخ الرجز وربطه بالحداء، نتمنى أن يكون الكتاب بين أيدنا عما قريب، لينظم إلى مكتبة الكتب الأدبية الكويتية، ليكون دافعا لغيره من الباحثين الكويتيين لكي نرقى بالأدب الكويتي والعربي لإثراء المكتبة العربية.





* ماجستير أدب عربي

Latifa- altammar@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي