المصري الذي فقد ساقه بلغم عراقي: لم أحصل على التعويض كاملا

مهاود يتجرّع الظلم ... ولا يهادن

تصغير
تكبير
|كتب عمر العلاس|

مهاود الذي التزم بنصيحة والده التي دعته الى «مهاودة» البشر، لم يكن يعلم أن هناك ظروفا لا تحتاج الى المهادنة، وكلما رجت كلمات أبيه في أذنيه، أغمض عينيه وهو يصرخ ملء** المدى، «كسيح ومقعد يا والدي، ومسلوب الارادة والمستحقات، وتريدني أن أهادن».

وتعود مأساة مهاود الى عام 2005 مع اللغم العراقي اللعين الذي حول حياته الى مأساة، كان يحلم بحياة رغدة، يتوجها برسم الابتسامة على شفاه أطفاله الصغار، وكان يأمل أن يودع الفقر وأيامه، وعندما لاح الأمل، تلاشى وتحول الى سراب، اللغم كتب نهاية لأحلامه، لأن جسده القوي تناثر الى أشلاء، وتناثرت معه آمال أسرته، التي كان قد ترك افرادها بلا معيل، مهاود المجروح عمقت جراحه بعدما شعر أن شركته تماطل في صرف تعويضه الذي قضي له به سلفا، وأن الـ 70 ألف دينار تعويضه الذي حصل عليه من المحكمة، لم يقبض منه سوى 10 آلاف دينار، ربما أنه لن يعيد اليه ساقه التي بترت، لكنه سيعينه وعائلته على قسوة الحياة وصعوبتها للقادم من الأيام.

وبدأت رحلة مهاود مع وصول تأشيرة السفر اليه في شهر فبراير عام 2005، للوهلة الأولى غمرته السعادة، لكن ما ان أخذت أيام السفر تقترب رويدا رويدا حتي طالت ساعات اختلائه بنفسه، تارة ترتسم أمام ناظريه صورة صغاره بعد ان يغادر ويتركهم، وطورا يمني النفس بتحسين وضع عائلته المعيشي، وما بين هذا وذاك بدأت تتوالد لديه هواجس الغربة التي كثيرا ما سمع عنها ممن سبقوه التجربة، ومع تحرك ساعة الزمن الى الامام، زادت لديه قسوة الفراق ومرارة البعد عن أسرته وصغاره، كثيرا ما شرد مع نفسه يفكر في حال عائلته لكن أمام أمل تحسين وضعه المعيشي اضطر الى حسم قرار سفره، ومع اقتراب موعد الرحيل حاول تنحية مشاعره العاطفية جانبا، وابداء قدر من الابتسامة أمام أفراد أسرته لكن دموعه سرعان ما كانت تفيض على صغاره الذين يرتمون في حضنه حتى وان حاول التماسك، وما ان مرت الأيام الأخيرة من انهاء اجراءات سفره سريعا، حتى وجد نفسه يحزم حقائبه فجر يوم 26 فبراير عام 2005، وحين رأى صغاره الذين لم يعتد فراقهم ينظرون اليه سالت دموعه وتحجرت الكلمات في فمه، لكنه هم مسرعا الى السيارة التي كانت في انتظاره لايصاله الى المطار تاركا خلف ظهره أبناءه ينتظرون بمفردهم القادم من الأيام.



رحلة الشؤم إلى العراق

وما ان وطأت قدماه الكويت حتى بدأ مهاود المندوب في شركة كبرى الاسراع في اجراءات اقامته، وفور اتمامها بدأ يمارس مهام عمله، ومرت بضعة أشهر وهو على رأس عمله يواصل الليل بالنهار من أجل أن ينال رضا مرؤوسه في الشركة، يسافر حيث يعمل سائقا يحمل رخصة القيادة الدولية الى أي دولة تسيره اليها الشركة، أمضى وقته في الشركة وكله حيوية ونشاط متغلبا على قسوة البعد عن أهله وأولاده بارسال مبلغ من المال نهاية كله شهر يتعايشون منه حيث عائلهم الوحيد، عاش على هذا المنوال راضيا سعيدا بعمله طيلة مدة ستة أشهر، وفي شهر أغسطس من نفس العام كلفته شركته بنقل مواد غذائية الى الجيش الأميركي في العراق وما أن عبر الحدود العراقية - الكويتية وشق طريقه الى حيث مكانه المقصود حتى حلت به الفاجعة التي قلبت حياته رأسا على عقب، كان يريد الركون الى الراحة بعد مشقة السفر الطويل، ولم يكن يعرف أنه فارق الراحة الى الأبد، كان يأمل أن يريح جسده المنهك قليلا في مكان يبعد بضعة كيلو مترات عن مطار بغداد الدولي، استعدادا لمواصلة مسيره وما ان هم بالنزول من شاحنته حتى حطت قدمه اليسرى على لغم لينفجر فيه ويسقط مغشيا عليه وسط بركة من الدماء، أسعف على أثر ذلك الى مستشفى قريب من موقع الحادث خاص بعلاج الجنود الأميركيين، ومع وصوله الى المستشفى في حالة ميؤوس من تماثله الى الشفاء بعد ان طالت شظايا اللغم اماكن متفرقة من جسمه، تدخل الأطباء على وجه الفور عل وعسى تكون لديهم بادرة أمل تبقيه على قيد الحياة، ومع تدخلهم الجراحي لم يجدوا بدا من بتر ساقه الايسر من فوق منطقة الركبة، وبتر أصبعه الأوسط في يده اليسرى، وبذل مزيدا من محاولات علاج بعض الحروق الحادة في ذات اليد وفي ركبته اليمنى عن طريق اخضاعه لعمليات تجميلية عدة.

وبعد أشهر من العلاج، خرج مهاود من المستشفى عائدا الى الكويت وما أن وصل حتى حمل جسده النحيل وهو يتوكأ على عكازين واتجه الى شركته ويحدوه أمل مساندته، طرق أبواب مسؤوليه عسى أن يجد لديهم ما يعينه على قضاء حاجاته وحاجات أسرته، لكن وقع المفاجأة كان عليه أشد قسوة وأكثر ألما فعندما تنقل بين مكاتب الشركة يستجدي حقه في التعويض عن الاضرار الجسيمة التي لحقت به دون فائدة بعد ان أوصدت أبواب المكاتب في وجهه، وحيال ما حدث معه واتباعا للاجراءات القانونية استجمع الثبوتات التي في حوزته من تقارير طبية استحضرها من المستشفى الذي كان يعالج فيه ومن اللجنة الطبية في المجلس الاعلى للمعاقين، ورفع قضية تعويض على شركته التي كان في مهمة عمل لها وقت وقوع الحادث، وقضي له طبقا لقانون العمل الكويتي بتعويض قيمته 70 الف دينار.



مماطلة صرف التعويض

سافر مهاود الى بلاده ويحدوه الأمل في صرف مستحقاته المالية بأسرع وقت ليكمل رحلته العلاجية راضيا بما قدره الله له، وما أن وصل منزله ورأت والدته وزوجته حالته، حتى اغشي على والدته من هول ما رأت والحال التي وصل لها ابنها، وما أن هم مهاود للاطمئنان على والدته، حتى سقط بعد ان اختل في يده أحد عكازيه اللذين كان يتؤكأ عليهما ليجهش في البكاء فحاولت زوجته التي ابتلعت حزنها أن تهدئ من روع زوجها، ولكن الأمر ازداد حزنا عندما استيقظ الصغار ورأوا والدهم وقد جاء بلا ساق، ومرت سنوات من بعد القرار الصادر من المحكمة ومهاود في انتظار مبلغ التعويض أملا في السفر الى ألمانيا لاجراء عملية تركيب طرف صناعي حيث تمت مراسلات بين المستشفى العسكري الأميركي الذي كان يعالج فيه وبين مؤسسة طبية المانية متخصصة في هذا النوع من الجراحات، والتي كان قد حمل ردها تجاوز تكاليف العملية قيمة 25 الف دينار كويتي، في حين كل ما تلقاه حتى الآن من قيمة التعويض 10 آلاف دينار صرفتها له الشركة رغم أن مستحقاته 70 ألـف دينار.



حقوق الإنسان

حاول مهاود أن يتوصل الى معرفة الأسباب وراء عدم صرف المبلغ المتبقي له لكن دون جدوى، فما كان منه الا أن لجأ الى المنظمة المصرية لحقوق الانسان في القاهرة بعد ما تقطعت الصلة بينه وبين شركته، التي بدورها أرسلت كتابا الى سفير دولة الكويت في القاهرة تلتمس منه التدخل لاتخاذ كافة الاجراءات القانونية والادارية لصرف المستحقات المالية لمهاود الذي مازال ينتظر وأهله فزعة أهل الخير لمساعدته في الحصول على بقية مستحقاته من التعويض، وبدورها لجأت المنظمة الى لجنة حقوق الانسان البرلمانية.





الطبطبائي: مهاود المسكين سيأخذ حقه



بيّن رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية في دور الانعقاد الماضي النائب وليد الطبطبائي: «أن اللجنة تعالج الحالات الانسانية في المقام الاول، وتعالج أيضا المشكلات التي يتعرض لها الناس، بعيدا عن دفتر المعاملات، والمناورات السياسية، ومأساة مهاود من ضمن القضايا التي عرضت علينا، وقمنا بدراسة الملف ولابد من انصاف هذا المسكين الذي فقد ساقه، ومع ذلك لم يحصل على التعويض كاملا».

وذكر: «أن اللجنة ركزت في دور الانعقاد الماضي، على القضايا الانسانية، واعدت تقارير حول الموضوعات والقضايا ذات الصلة بالظلم الذي يقع على من لا حول لهم ولا قوة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي