تقرير

مسيحيّو الشرق ثروة تنضب ... من المستفيد؟

تصغير
تكبير
| سامي كليب |
يرفع الأب عطالله حنا مطران سبسطيا للروم الارثوذوكس في فلسطين المحتلة، قبضته أمام لحيته الكثيفة والتي غزاها الشيب في منتصف العمر، ليقول متحديا غطرسة اسرائيل: «يجب ان يزول الاحتلال وان يتمتع الشعب الفلسطيني بحريته». يبدو رجل الدين الزاخر حيوية واندفاعا وشهامة على يقين بأن الاحتلال الى زوال.
ويرفع عزمي بشارة (وهو بالمناسبة قريب الأب حنا) يده عبر اثير الفضائيات بعدما ضاقت اسرائيل به ذرعا في ارضه المحتلة، قائلا «ان المفاوضات الجارية بين السلطة واسرائيل ليست لتفكيك الصهيونية والاحتلال، بل لتفكيك التاريخ والجغرافيا الفلسطينية».
ويلاحق الأب ميشال صبّاح، مطران الروم الكاثوليك السابق اعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي قرروا يوما ما التقدم بمشروع قانون للقول ان المسلمين يضطهدون المسيحيين في فلسطين وعدد من الدول العربية، ويقول لهم اتركونا وشأننا وان المسيحيين الجدد عندكم هم ضد المسيح. كيف لا يقول ذلك، وهو الدارس لحضارة العرب ولغتهم حتى ما قبل سيبويه؟
ويلاقيه في ذلك المطران جورج خضر، رئيس مطرانية جبل لبنان للروم الارثوذوكس، الذي قيل عنه انه «قرأن» الانجيل و«أنجل القرآن»، فيؤكد ان المسيحيين ليسوا عملاء للغرب، وان العروبة راسخة في قلوب مسيحيي الشرق كشجر الأرز.
كيف لنا أن نتصور هذا الشرق من دون مسيحييه؟ وكيف لفلسطين أن تحفظ تاريخها وذاكرتها وحضارتها وأديانها من دون مسيحييها؟ وكيف يمكن لمهد السيد المسيح أن يبقى من دون ابناء الرعية؟
لعل المفارقة، أن مسيحيي لبنان هم الأقل عرضة للهجرة، ذلك أن هجرتهم تشبه الى حد كبير هجرة الطوائف الاخرى وتستند الى الأسباب عينها، أي البحث عن مورد رزق بعدما ضاقت فرص العمل في لبنان. فوفق احصاءات الفاتيكان مثلا، كان عدد الموارنة في لبنان عام 1990 مليون و458.577 وصاروا عام 2005 مليونا و412.765.
أما فلسطين، فهي النموذج الأكثر مأساوية لهجرة المسيحيين، ففي عام النكبة 1948 كان المسيحيون يشكلون خمس سكان القدس، وها هي نسبتهم اليوم تتقهقر الى ما دون 2 في المئة. وهذه بيت لحم نفسها، بيت السيد المسيح وكنيسة المهد لا يزيد عدد مسيحييها على ثلث عدد السكان، بينما كانوا اكثر من 80 في المئة.
وفي العراق، هاجر أكثر من نصف المسيحيين، بينما النصف الآخر قلق على مصيره بعدما تعددت الاعتداءات والتهديدات، وكان آخرها التفجير الدموي قبل أيام في كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة في بغداد. وها هو جان بنجامين سليمان، رئيس الأساقفة الكاثوليك العراقيين يطلق قبل فترة صرخة استغاثة وتحذير، قائلا «أخشى انقراض المسيحية في العراق والشرق الأوسط».
واذا ما صدقت احصاءات اخرى، فان أكثر من مليوني قبطي مصري يعيشون في المهجر، بعضهم لا يزال مواليا لبلده مصر والبعض الآخر تم اختراقه من قبل لوبيات اسرائيلية وأميركية لتوظيفه ضد مصر والاسلام، لا بل وأيضا ضد الاقباط المناهضين لاسرائيل والداعين لتناغم الحضارات والاديان.
هل ينسى العالم العربي ان الكنيسة القبطية هي من أقدم الكنائس المسيحية، وهي اول من ترجم الكتاب المقدس الى القبطية التي كانت لغة رسمية في مصر؟ أوليست هي الكنيسة نفسها التي اختلفت تاريخيا مع الكنيسية الكاثوليكية في الفاتيكان؟ وهل ننسى ان الأنبا أنطونيوس القبطي الصعيدي، هو أول راهب مسيحي في العالم؟ الا يشكل اقباط مصر البالغ عددهم وفق الأنبا شنودة، 12 مليونا اي نحوا 17 في المئة من عدد سكان مصر، ذخيرة قومية كبيرة تم توظيفها اكثر من مرة وبفضل شنودة نفسه للتأكيد على أن اسرائيل لا تزال عدوة للمسيحيين والعرب؟
وهل ينسى العالم العربي وجوها مضيئة في مسيرة النضال السياسي والمسلح من مسيحيي الشرق، على غرار وديع حداد وجورج حبش ونايف حواتمة وليلى خالد وتيريز هلسة وجورج حاوي وميشال عفلق والمطران هيلاريون كبوجي مطران القدس للروم الكاثوليك سابقا والذي لوحق بسبب نقله السلاح في صندوق سيارته للمناضلين الفلسطينيين... وغيرهم؟
وهل يمكن تصور الفكر والأدب العربيين القديمين والحديثين، من دون جبران خليل جبران وجرجي زيدان وميخائيل نعيمة وادوارد سعيد، وحنا أبو حنا (الذي كان أول من نصح محمود درويش وقدمه للقارئ الفلسطيني والعربي) واميل حبيبي والياس خوري وهدى بركات ودومينيك اده (التي ناهضت الاسرائيليين مرارا من قلب باريس)...؟
وهل يمكن الحكم على كل مسيحيي الشرق لأن جزءا بسيطا منهم تعامل مع اسرائيل في لبنان او مع المشاريع الاميركية في مصر والعراق؟ أوليست الوجوه المضيئة والمناضلة في الجانب المسيحي هي التي نبذت قبل غيرها بعض التيارات المسيحية اللبنانية حين مدت يدها الى اسرائيل؟
كيف لكل هؤلاء المسيحيين الشرفاء أن يصمدوا على أرضهم العربية ما لم يجدوا عند مسلمي الشرق رغبة فعلية بوجودهم؟ أوليس ذلك يفترض عدم الاقتصار على الخطب الرنانة والمجاملات الاجتماعية والكلام المعسول، وانما الانتقال الى وضع خطة فعلية للمحافظة على هذه الثروة الكبيرة للعروبة واللغة والنضال.
ولعل السؤال الأهم في الوقت الراهن، انما يتعلق بتفجير كنيسة سيدة النجاة في العراق، من المستفيد؟ هل تقتضي محاربة الصليبية الجديدة قتل مؤمنين جاؤوا للصلاة؟ وهل تريد اسرائيل واللوبيات اليهودية والمسيحية الجديدة في الغرب صورة افضل من صور دماء الابرياء المسيحيين لتشويه صورة الاسلام والمسلمين؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي