في الواجهة / المرشح «الأقوى» لرئاسة «هيئة السوق» يخوض معركته القضائية الشخصية ضد المال العام... من البورصة!
الحكومة والفلاح... حب من طرف واحد

صور ضوئية للأحكام الصادرة ضد الفلاح في الدرجات الابتدائية والاستئنافية والتمييزية









| كتب حسين الحربي |
8 أكتوبر 2006 تاريخ يتذكره صالح الفلاح جيداً. كان هاتفه النقال مشغولاً باستقبال المهنئين بالمنصب الرفيع، مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية، فيما كان محاميه مشغولاً بشيء آخر. كان «الابن المدلل» للحكومة يرفع دعوى قضائية ضد المال العام، للمطالبة بمبلغ وقدره 160 ألف دينار (أكثر من نصف مليون دولار) مقابل لا شيء!
ولأن المنطق مقلوب في الكويت فإن الحكومة تتجه إلى مكافأة «الابن الصالح» مرة أخرى بتعيينه في واحد من أرفع المناصب الاقتصادية رئيساً لهيئة سوق المال، ليكون مؤتمناً على مصلحة عامة تخص عشرات آلاف المساهمين، بمن فيهم المال العام- أكبر المساهمين في الشركات المدرجة.
يذهب صالح الفلاح إلى سوق الكويت للأوراق المالية كل صباح. يقال إنه يأتي باكراً جداً، ولذلك فهو لا يستطيع أن يتابع مع وكيله القانوني مسار قضيته الشخصية ضد المال العام إلا من مكتبه في البورصة!
تحب الحكومة صالح الفلاح من طرف واحد، أما هو فلا يجد حرجاً في أن يشكرها على تعيينه في المناصب الرفيعة ثم يتجه في اليوم التالي إلى المحكمة ليواصل معركته القضائية ضدها.
قصة الحب من طرف واحد بدأت قبل عقود، منذ أن أغدقت الحكومة على الفلاح أرفع المناصب الاقتصادية من رئاسة بنك الكويت والشرق الأوسط (سابقاً) حين كان لايزال حكومياً، إلى منصب العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار، قبل ينتقل إلى إدارة البورصة في العام 2006.
لا أحد يزعم، ولا حتى الفلاح نفسه، أنه ترك بصمة تشكر في أي من المناصب التي شغلها، لكن أكثر القصص إثارة سطرها الرجل في الهيئة العامة للاستثمار. عُيّن الفلاح عضوا منتدباً للهيئة في 24 يوليو 2000، ويا للمصادفة! بعد شهر وأسبوع فقط، أي بتاريخ 30 أغسطس من العام نفسه، صدر عن وزير المالية قرار برفع المكافأة الشهرية للعضو المنتدب إلى 15 ألف دينار، عدا المزايا والمكافأة السنوية الخاصة.
ولأن الحكومة تحب الفلاح عينته مجدداً عضواً في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار لمدة أربع سنوات تمتد من مارس 2001 حتى مارس 2005، وكان من المفترض أن يبقى طيلة تلك المدة عضواً منتدباً للهيئة، إلا أن سجله الحافل «بالإنجازات» في الهيئة أحرج الحكومة ودفعها- مضطرة بالتأكيد- إلى إقالته من منصبه قبل نهاية ولايته بـ16 شهراً.
أنهيت خدمات الفلاح في الهيئة في أكتوبر 2003 وبات عاطلاً عن العمل، فوجد الرجل ما يكفي من الوقت ليصيغ تظلماً يستدر عطف الحكومة ويطلب منها صرف راتبه الشهري (المكافأة) عن الفترة المتبقية من ولايته. تاريخ التظلم له دلالاته، 30/12/2003. لماذا؟ لأن الحكومة وافقت في أول جلسة لها بعد تقديم التظلم في 4 يناير 2004، أي بعد أربعة أيام فقط، على صرف المكافأة الشهرية عن الـ16 شهراً!
لم يقل الفلاح شكراً، بل صبر شهرين، قبل أن يتقدم في 3 مارس من العام نفسه بطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء للموافقة على اعتبار مدة الـ16 شهراً ضمن خدمته الفعلية، ليستفيد من ذلك في معاشه التقاعدي كما قال، (لا أكثر).
من يبخل على رجل عاطل عن العمل بتحسين معاشه التقاعدي؟!
حسناً، تحقق للفلاح مراده مرة أخرى بقرار من مجلس الوزراء في 31 يوليو 2005، قضى باعتبار «الفروق المترتبة على ذلك حقوقاً استنثنائية تتحمل بها خزانة الدولة».
مرة أخرى لم يشكر الفلاح حكومة الكويت التي اجتمع وزراؤها الـ16 لتلبية طلباته، بل اتجه بعد أقل من شهرين إلى القضاء، رافعاً دعوى ضد الهيئة العامة للاستثمار مطالباً بالمزيد.
ماذا يريد الفلاح مقابل 16 شهراً من الخدمة التي لم يقم بها أصلاً، زيادة على مكافآته البالغة 15 ألف دينار عن كل شهر واحتساب تلك المدة كخدمة فعلية وضمها في احتساب المعاش التقاعدي له؟
طلب الفلاح زيادة على ذلك مكافأة نهاية الخدمة عن تلك الفترة أيضاً، والمكافأة السنوية الخاصة التي تصرف في نهاية كل سنة مالية، وطلب كذلك المقابل النقدي لرصيد إجازاته بواقع مرتب شهرين عن كل سنة.
باختصار، طلب الفلاح من القائمين على المال العام الاستمرار في معاملته وكأن أي قرار لم يصدر بإبعاده، وهذا ما لم يجرؤ عليه الرئيس التنفيذي السابق لشركة «بي بي» توني هاوارد!
كان مجموع ما طلبه 160 ألف دينار، وهو رقم كان يعادل في ذلك الوقت راتب موظف حكومي يعمل بـ600 دينار من الفجر إلى النجر على مدى 267 شهراً، أي على مدى 22 سنة! وهذا الرقم الهائل يشمل 80 ألف دينار يريد الفلاح تقاضيها كتعويض نهاية خدمة عن سنتين لم تطأ قدماه فيهما أرض الهيئة!
الحكم الابتدائي
مرت سنة كاملة من الأخذ والرد أمام المحاكم. كانت الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للاستثمار، ترسل المحامين للدفاع (عن المال العام) بوجه الفلاح، إلى أن صدر الحكم الابتدائي في 17 سبتمبر 2006 برفض دعوى الفلاح.
قالت المحكمة في الفلاح ما لم يقله خصومه في الدفاع. وربما يصلح الحكم درساً في الوطنية لمن يريد التشاطر على المال العام. قال الحكم في تعليقه على مطالبات الفلاح إن الوظيفة العامة «هي خدمة وطنية تنوط بالقائمين بها ويستهدف الموظفون في أدائها المصلحة العامة، ومن ثم تكون ثمة التزامات تقع على عاتقه، أولها أداء العمل بنفسه بدقة وأمانة، كما تكون له حقوق وميزات عدة من هذه الوظيفة، أولها استحقاقه للأجر المقرر لهذه الوظيفة، وأنه من المستقر عليه أن الموظف لا يستحق هذا الأجر أو ملحقاته إلا إذا كان يؤدي عمله ويقوم به إعمالاً لقاعدة الأجر مقابل العمل».
ولأن المدة التي يطالب الفلاح بمكافاة سنوية ومكافأة نهاية خدمة ومقابل نقدي لرصيد إجازاته عنها، «لم يؤد عملاً خلالها بسبب إنهاء خدمته»، فإن الحكم خلص إلى أن الفلاح «لا يستحق أي مكافأة أو بدل».
ما يفهم من الحكم أن الفلاح لا يستحق حتى ما أقره له مجلس الوزراء من مكافآت شهرية، ومن إدخال الفترة في احتساب المعاش التقاعدي، ومع ذلك لم يشكر الفلاح الحكومة...
بعد ذلك حصلت المفارقة الغريبة. فبتاريخ 8 أكتوبر 2006، تم تعيين الفلاح مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية. فيما كان محاميه يرفع دعوى الاستئناف ضد الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للاستثمار. لم يتغيّر شيء، وتواصل دلع الحكومة للابن «الصالح».
خسارة الاستئناف
القضاء لم «يدلل» الفلاح كما فعلت الحكومة، فجاءه الدرس التالي من محكمة الاستئناف بعد عام ونيف، برفض استئنافه وتأييد القرار المستأنف بما جاء فيه من مضمون.
وقال قاضي الاستئناف إنه «لا حق (للفلاح) بمطالبته، ولا يغير من تلك الحقيقة ما يصدره مجلس الوزراء من قرارات، ومن ثم لا يترتب عليها أي حقوق أو امتيازات». ورفضت المحكمة ادعاء الفلاح أن إنهاء خدماته تم «بطرقة مبتسرة بلا سبب قانوني صحيح». وأشار الحكم إلى أن الأوراق «خلت من دليل على ذلك، وأن عبء الإثبات في هذا الشأن يقع على عاتق المستأنف وقد أخفق فيه».
ولم يكتف الفلاح بالدرس الثاني، فواصل الموظف الحكومي الرفيع معركته بوجه المال العام أمام محكمة التمييز. واستمرت المواجهة القضائية إلى أن صدر حكم التمييز لصالح المال العام في 8 يونيو الماضي.
وأكد حكم محكمة التمييز أن «صرف الجهة الإدارية (أي الحكومة) له المكافأة الشهرية عن تلك المدة (فترة الـ16 شهراً) لا يعني تسليماً بأحقيته في ما يطالب به، إنما كان ذلك إعمالاً لما ارتآه مجلس الوزراء من صرف المكافأة بطريقة استثنائية».
خلاصة الأحكام الثلاثة أن مجلس الوزراء منح الفلاح أكثر مما يستحق بكثير، ومع ذلك لم يدخر جهداً لتحصيل ما يمكن تحصيله من المال العام.
ماذا فعل بالبورصة؟
الغريب أن خبرة الفلاح في المحاكم لم تنفعه في القضايا الكثيرة التي خسرتها البورصة أمام شركات ومجموعات استثمارية تظلمت من قرارات مرتجلة اتخذها الفلاح طيلة عهده الميمون على رأس الجهاز الإداري للسوق.
صالح الفلاح هو نفسه، خرج من بنك الكويت والشرق الأوسط من دون بصمة تسجل له، بل إن بروز اسم البنك وحضوره القوي في السوق لم يبدأ إلا بعد أن تركه الفلاح واستحوذ عليه القطاع الخاص. وفي الهيئة العامة للاستثمار، لم يسجل باسمه إنجازاً واحداً انفرد به، إلا الفشل بإكمال ولايته.
أما في البورصة، فحان الوقت لجردة الحساب. ماذا أنجز الفلاح خلال أربع سنوات، سوى مواجهات عبثية مع كبرى المجموعات الاستثمارية؟
يستطيع الفلاح أن يقول فقط إنه أول مدير للسوق تكتلت ضده نصف شركات السوق معترضة على تخبط قراراته، وأول مدير للسوق يتبنى قرارات بتحييد أسهم بمئات ملايين الدنانير في عشرات الشركات المدرجة، ما أوقع السوق في أزمة غريبة انتهت بخسارة البورصة لعشرات الاحكام القضائية في هذه القضية، وأول مدير للسوق يجبر على إدراج شركات بأحكام قضائية بعد رفض طلباتها.
مدير السوق الذي يتحضر ليصبح رئيساً للهيئة فشل في تحقيق الشفافية، وشهد السوق في عهده أسوأ موجات التراجع وانهيار الثقة. يمكن لأي مراقب أن يسجّل أن إدارة بورصة الكويت كانت الأقل فعالية في مواجهة الأزمة في المنطقة، فلا رصد الأخبار تحسّن ولا معايير الإفصاح ارتقت، ولا ازدواجية المعايير توقفت.
خلال أربع سنوات لم تتطور أنظمة البورصة، ولم يرتفع منسوب الشفافية فيها، ولم تخط الإدارة فيها خطوة واحدة إلى الأمام. وما يمكن أن يتغنى به الفلاح من إنجازات يعلم هو قبل غيره أنها تأخرت كثيراً عن ميعادها بعد أن وضعت لبناتها الأولى في عهد الإدارة السابقة.
يتساءل كثيرون الآن ماذا سيتغير إذا انتقل الفلاح من إدارة السوق إلى رئاسة هيئة السوق؟ وهل كان هذا ما يترقبه المستثمرون المحليون والأجانب من الهيئة العتيدة؟
... هل تريد الحكومة حقاً أن تجرّب المجرب؟
الفلاح والحكومة بالتواريخ
24/7/200 تعيين الفلاح عضواً منتدباً في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار.
30/8/2000 رفع مكافأته الشهرية إلى 15 ألف دينار.
29/3/2001 تعيينه عضواً منتدباً للهيئة لولاية كاملة من أربع سنوات تنتهي في 29/3/2005.
29/3/2005 إبعاده من منصبه في الهيئة، إثر سلسلة إخفاقات إدارية، قبل 16 شهراً من انتهاء ولايته.
30/12/2003 قدم تظلماً إلى مجلس الوزراء مطالباً بمستحقات كبيرة.
14/1/2004 مجلس الوزراء يوافق على منحة رواتب 16 شهراً هي بقية ولايته التي لم يكملها في الهيئة.
3/3/2004 طلب الفلاح من مجلس الوزراء اعتبار فترة الـ16 شهراً ضمن مدة خدمته الفعلية ليستفيد من احتسابها في معاشه التقاعدي.
31/7/2005 مجلس الوزراء يوافق على طلبه الآنف الذكر.
27/9/2005 رفع الفلاح دعوى ضد هيئة الاستثمار للمطالبة بالمستحقات التي يدعيها.
17/9/2006 صدور الحكم الابتدائي برفض دعوى الفلاح.
8/10/2006 - الفلاح يستأنف الحكم - الفلاح مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية في اليوم نفسه!
26/11/2007 صدور الحكم بتأييد الحكم الابتدائي لصالح المال العام، ورفض استئناف الفلاح.
8/6/2010 محكمة التمييز ترفض طعن الفلاح بحكم الاستئناف.
23/8/2010 معلومات عن اتجاه لتعيين الفلاح رئيساً لهيئة السوق.
غداّ ... لناظره قريب.
• سجل الفلاح في البورصة:
- أزمة التحييد وخسارة الأحكام القضائية
- تكتل المجموعات الاستثمارية الكبرى ضده
- إدراجات بأحكام قضائية
- أسوأ موجات التراجع وانهيار الثقة
- فشل في تحسين معايير الشفافية والإفصاح
8 أكتوبر 2006 تاريخ يتذكره صالح الفلاح جيداً. كان هاتفه النقال مشغولاً باستقبال المهنئين بالمنصب الرفيع، مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية، فيما كان محاميه مشغولاً بشيء آخر. كان «الابن المدلل» للحكومة يرفع دعوى قضائية ضد المال العام، للمطالبة بمبلغ وقدره 160 ألف دينار (أكثر من نصف مليون دولار) مقابل لا شيء!
ولأن المنطق مقلوب في الكويت فإن الحكومة تتجه إلى مكافأة «الابن الصالح» مرة أخرى بتعيينه في واحد من أرفع المناصب الاقتصادية رئيساً لهيئة سوق المال، ليكون مؤتمناً على مصلحة عامة تخص عشرات آلاف المساهمين، بمن فيهم المال العام- أكبر المساهمين في الشركات المدرجة.
يذهب صالح الفلاح إلى سوق الكويت للأوراق المالية كل صباح. يقال إنه يأتي باكراً جداً، ولذلك فهو لا يستطيع أن يتابع مع وكيله القانوني مسار قضيته الشخصية ضد المال العام إلا من مكتبه في البورصة!
تحب الحكومة صالح الفلاح من طرف واحد، أما هو فلا يجد حرجاً في أن يشكرها على تعيينه في المناصب الرفيعة ثم يتجه في اليوم التالي إلى المحكمة ليواصل معركته القضائية ضدها.
قصة الحب من طرف واحد بدأت قبل عقود، منذ أن أغدقت الحكومة على الفلاح أرفع المناصب الاقتصادية من رئاسة بنك الكويت والشرق الأوسط (سابقاً) حين كان لايزال حكومياً، إلى منصب العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار، قبل ينتقل إلى إدارة البورصة في العام 2006.
لا أحد يزعم، ولا حتى الفلاح نفسه، أنه ترك بصمة تشكر في أي من المناصب التي شغلها، لكن أكثر القصص إثارة سطرها الرجل في الهيئة العامة للاستثمار. عُيّن الفلاح عضوا منتدباً للهيئة في 24 يوليو 2000، ويا للمصادفة! بعد شهر وأسبوع فقط، أي بتاريخ 30 أغسطس من العام نفسه، صدر عن وزير المالية قرار برفع المكافأة الشهرية للعضو المنتدب إلى 15 ألف دينار، عدا المزايا والمكافأة السنوية الخاصة.
ولأن الحكومة تحب الفلاح عينته مجدداً عضواً في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار لمدة أربع سنوات تمتد من مارس 2001 حتى مارس 2005، وكان من المفترض أن يبقى طيلة تلك المدة عضواً منتدباً للهيئة، إلا أن سجله الحافل «بالإنجازات» في الهيئة أحرج الحكومة ودفعها- مضطرة بالتأكيد- إلى إقالته من منصبه قبل نهاية ولايته بـ16 شهراً.
أنهيت خدمات الفلاح في الهيئة في أكتوبر 2003 وبات عاطلاً عن العمل، فوجد الرجل ما يكفي من الوقت ليصيغ تظلماً يستدر عطف الحكومة ويطلب منها صرف راتبه الشهري (المكافأة) عن الفترة المتبقية من ولايته. تاريخ التظلم له دلالاته، 30/12/2003. لماذا؟ لأن الحكومة وافقت في أول جلسة لها بعد تقديم التظلم في 4 يناير 2004، أي بعد أربعة أيام فقط، على صرف المكافأة الشهرية عن الـ16 شهراً!
لم يقل الفلاح شكراً، بل صبر شهرين، قبل أن يتقدم في 3 مارس من العام نفسه بطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء للموافقة على اعتبار مدة الـ16 شهراً ضمن خدمته الفعلية، ليستفيد من ذلك في معاشه التقاعدي كما قال، (لا أكثر).
من يبخل على رجل عاطل عن العمل بتحسين معاشه التقاعدي؟!
حسناً، تحقق للفلاح مراده مرة أخرى بقرار من مجلس الوزراء في 31 يوليو 2005، قضى باعتبار «الفروق المترتبة على ذلك حقوقاً استنثنائية تتحمل بها خزانة الدولة».
مرة أخرى لم يشكر الفلاح حكومة الكويت التي اجتمع وزراؤها الـ16 لتلبية طلباته، بل اتجه بعد أقل من شهرين إلى القضاء، رافعاً دعوى ضد الهيئة العامة للاستثمار مطالباً بالمزيد.
ماذا يريد الفلاح مقابل 16 شهراً من الخدمة التي لم يقم بها أصلاً، زيادة على مكافآته البالغة 15 ألف دينار عن كل شهر واحتساب تلك المدة كخدمة فعلية وضمها في احتساب المعاش التقاعدي له؟
طلب الفلاح زيادة على ذلك مكافأة نهاية الخدمة عن تلك الفترة أيضاً، والمكافأة السنوية الخاصة التي تصرف في نهاية كل سنة مالية، وطلب كذلك المقابل النقدي لرصيد إجازاته بواقع مرتب شهرين عن كل سنة.
باختصار، طلب الفلاح من القائمين على المال العام الاستمرار في معاملته وكأن أي قرار لم يصدر بإبعاده، وهذا ما لم يجرؤ عليه الرئيس التنفيذي السابق لشركة «بي بي» توني هاوارد!
كان مجموع ما طلبه 160 ألف دينار، وهو رقم كان يعادل في ذلك الوقت راتب موظف حكومي يعمل بـ600 دينار من الفجر إلى النجر على مدى 267 شهراً، أي على مدى 22 سنة! وهذا الرقم الهائل يشمل 80 ألف دينار يريد الفلاح تقاضيها كتعويض نهاية خدمة عن سنتين لم تطأ قدماه فيهما أرض الهيئة!
الحكم الابتدائي
مرت سنة كاملة من الأخذ والرد أمام المحاكم. كانت الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للاستثمار، ترسل المحامين للدفاع (عن المال العام) بوجه الفلاح، إلى أن صدر الحكم الابتدائي في 17 سبتمبر 2006 برفض دعوى الفلاح.
قالت المحكمة في الفلاح ما لم يقله خصومه في الدفاع. وربما يصلح الحكم درساً في الوطنية لمن يريد التشاطر على المال العام. قال الحكم في تعليقه على مطالبات الفلاح إن الوظيفة العامة «هي خدمة وطنية تنوط بالقائمين بها ويستهدف الموظفون في أدائها المصلحة العامة، ومن ثم تكون ثمة التزامات تقع على عاتقه، أولها أداء العمل بنفسه بدقة وأمانة، كما تكون له حقوق وميزات عدة من هذه الوظيفة، أولها استحقاقه للأجر المقرر لهذه الوظيفة، وأنه من المستقر عليه أن الموظف لا يستحق هذا الأجر أو ملحقاته إلا إذا كان يؤدي عمله ويقوم به إعمالاً لقاعدة الأجر مقابل العمل».
ولأن المدة التي يطالب الفلاح بمكافاة سنوية ومكافأة نهاية خدمة ومقابل نقدي لرصيد إجازاته عنها، «لم يؤد عملاً خلالها بسبب إنهاء خدمته»، فإن الحكم خلص إلى أن الفلاح «لا يستحق أي مكافأة أو بدل».
ما يفهم من الحكم أن الفلاح لا يستحق حتى ما أقره له مجلس الوزراء من مكافآت شهرية، ومن إدخال الفترة في احتساب المعاش التقاعدي، ومع ذلك لم يشكر الفلاح الحكومة...
بعد ذلك حصلت المفارقة الغريبة. فبتاريخ 8 أكتوبر 2006، تم تعيين الفلاح مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية. فيما كان محاميه يرفع دعوى الاستئناف ضد الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للاستثمار. لم يتغيّر شيء، وتواصل دلع الحكومة للابن «الصالح».
خسارة الاستئناف
القضاء لم «يدلل» الفلاح كما فعلت الحكومة، فجاءه الدرس التالي من محكمة الاستئناف بعد عام ونيف، برفض استئنافه وتأييد القرار المستأنف بما جاء فيه من مضمون.
وقال قاضي الاستئناف إنه «لا حق (للفلاح) بمطالبته، ولا يغير من تلك الحقيقة ما يصدره مجلس الوزراء من قرارات، ومن ثم لا يترتب عليها أي حقوق أو امتيازات». ورفضت المحكمة ادعاء الفلاح أن إنهاء خدماته تم «بطرقة مبتسرة بلا سبب قانوني صحيح». وأشار الحكم إلى أن الأوراق «خلت من دليل على ذلك، وأن عبء الإثبات في هذا الشأن يقع على عاتق المستأنف وقد أخفق فيه».
ولم يكتف الفلاح بالدرس الثاني، فواصل الموظف الحكومي الرفيع معركته بوجه المال العام أمام محكمة التمييز. واستمرت المواجهة القضائية إلى أن صدر حكم التمييز لصالح المال العام في 8 يونيو الماضي.
وأكد حكم محكمة التمييز أن «صرف الجهة الإدارية (أي الحكومة) له المكافأة الشهرية عن تلك المدة (فترة الـ16 شهراً) لا يعني تسليماً بأحقيته في ما يطالب به، إنما كان ذلك إعمالاً لما ارتآه مجلس الوزراء من صرف المكافأة بطريقة استثنائية».
خلاصة الأحكام الثلاثة أن مجلس الوزراء منح الفلاح أكثر مما يستحق بكثير، ومع ذلك لم يدخر جهداً لتحصيل ما يمكن تحصيله من المال العام.
ماذا فعل بالبورصة؟
الغريب أن خبرة الفلاح في المحاكم لم تنفعه في القضايا الكثيرة التي خسرتها البورصة أمام شركات ومجموعات استثمارية تظلمت من قرارات مرتجلة اتخذها الفلاح طيلة عهده الميمون على رأس الجهاز الإداري للسوق.
صالح الفلاح هو نفسه، خرج من بنك الكويت والشرق الأوسط من دون بصمة تسجل له، بل إن بروز اسم البنك وحضوره القوي في السوق لم يبدأ إلا بعد أن تركه الفلاح واستحوذ عليه القطاع الخاص. وفي الهيئة العامة للاستثمار، لم يسجل باسمه إنجازاً واحداً انفرد به، إلا الفشل بإكمال ولايته.
أما في البورصة، فحان الوقت لجردة الحساب. ماذا أنجز الفلاح خلال أربع سنوات، سوى مواجهات عبثية مع كبرى المجموعات الاستثمارية؟
يستطيع الفلاح أن يقول فقط إنه أول مدير للسوق تكتلت ضده نصف شركات السوق معترضة على تخبط قراراته، وأول مدير للسوق يتبنى قرارات بتحييد أسهم بمئات ملايين الدنانير في عشرات الشركات المدرجة، ما أوقع السوق في أزمة غريبة انتهت بخسارة البورصة لعشرات الاحكام القضائية في هذه القضية، وأول مدير للسوق يجبر على إدراج شركات بأحكام قضائية بعد رفض طلباتها.
مدير السوق الذي يتحضر ليصبح رئيساً للهيئة فشل في تحقيق الشفافية، وشهد السوق في عهده أسوأ موجات التراجع وانهيار الثقة. يمكن لأي مراقب أن يسجّل أن إدارة بورصة الكويت كانت الأقل فعالية في مواجهة الأزمة في المنطقة، فلا رصد الأخبار تحسّن ولا معايير الإفصاح ارتقت، ولا ازدواجية المعايير توقفت.
خلال أربع سنوات لم تتطور أنظمة البورصة، ولم يرتفع منسوب الشفافية فيها، ولم تخط الإدارة فيها خطوة واحدة إلى الأمام. وما يمكن أن يتغنى به الفلاح من إنجازات يعلم هو قبل غيره أنها تأخرت كثيراً عن ميعادها بعد أن وضعت لبناتها الأولى في عهد الإدارة السابقة.
يتساءل كثيرون الآن ماذا سيتغير إذا انتقل الفلاح من إدارة السوق إلى رئاسة هيئة السوق؟ وهل كان هذا ما يترقبه المستثمرون المحليون والأجانب من الهيئة العتيدة؟
... هل تريد الحكومة حقاً أن تجرّب المجرب؟
الفلاح والحكومة بالتواريخ
24/7/200 تعيين الفلاح عضواً منتدباً في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار.
30/8/2000 رفع مكافأته الشهرية إلى 15 ألف دينار.
29/3/2001 تعيينه عضواً منتدباً للهيئة لولاية كاملة من أربع سنوات تنتهي في 29/3/2005.
29/3/2005 إبعاده من منصبه في الهيئة، إثر سلسلة إخفاقات إدارية، قبل 16 شهراً من انتهاء ولايته.
30/12/2003 قدم تظلماً إلى مجلس الوزراء مطالباً بمستحقات كبيرة.
14/1/2004 مجلس الوزراء يوافق على منحة رواتب 16 شهراً هي بقية ولايته التي لم يكملها في الهيئة.
3/3/2004 طلب الفلاح من مجلس الوزراء اعتبار فترة الـ16 شهراً ضمن مدة خدمته الفعلية ليستفيد من احتسابها في معاشه التقاعدي.
31/7/2005 مجلس الوزراء يوافق على طلبه الآنف الذكر.
27/9/2005 رفع الفلاح دعوى ضد هيئة الاستثمار للمطالبة بالمستحقات التي يدعيها.
17/9/2006 صدور الحكم الابتدائي برفض دعوى الفلاح.
8/10/2006 - الفلاح يستأنف الحكم - الفلاح مديراً عاماً لسوق الكويت للأوراق المالية في اليوم نفسه!
26/11/2007 صدور الحكم بتأييد الحكم الابتدائي لصالح المال العام، ورفض استئناف الفلاح.
8/6/2010 محكمة التمييز ترفض طعن الفلاح بحكم الاستئناف.
23/8/2010 معلومات عن اتجاه لتعيين الفلاح رئيساً لهيئة السوق.
غداّ ... لناظره قريب.
• سجل الفلاح في البورصة:
- أزمة التحييد وخسارة الأحكام القضائية
- تكتل المجموعات الاستثمارية الكبرى ضده
- إدراجات بأحكام قضائية
- أسوأ موجات التراجع وانهيار الثقة
- فشل في تحسين معايير الشفافية والإفصاح