رشدي أباظة... فارس النساء وإمبراطور السينما (2) / فجرته جميلة الجميلات... مريم فخرالدين

بركان الحب في القلب الجريح

تصغير
تكبير
|القاهرة - من عماد إيهاب|

عاش حرا ومات حرا، مثلما عاش غريبا في صحبة الجميع، جريحا في أحضان دافئة، وفي غمرة الألم والضياع العاطفي، كان يخطو بثبات نحو قمة السينما العربية، حتى لقب بـ «إمبراطور السينما العربية».

إنه الفنان الـ «دون جوان» المصري الراحل رشدي أباظة (3 أغسطس 1927 - 27 أغسطس 1980)، الذي نستعرض أبرز وأهم جوانب حياته، منذ أبصر النور، وحتى أسدل الموت الستار على حياته، التي حفلت بالنساء والفن، وأشياء أخرى.

لم تكن مسيرة رشدي أباظة الإنسانية سيرة عادية، مثل أناس كثيرين، كما لم تكن سيرته الفنية سيرة تقليدية، مثل فنانين كثيرين، ولكن الفتى الأباظي كان فريدا ومختلفا ومتفردا في أدق تفاصيل حياته، منذ أن ولد لوالدين مطلقين، مرورا بطفولة غير طبيعية، تسببت فيها ظروفه الأسرية، ثم بفترة صباه وشبابه، ثم اقتحامه عالم السينما، الذي لم يخطط له يوما، وما تلاه من نجومية وشهرة وأضواء، وصولا إلى مشهد النهاية، عندما تمكن منه مرض السرطان، وأنهى حياته عن 53 عاما.

ومثلما كان رشدي إمبراطورا للسينما العربية كما سيقرأ قارئ «الراي» هذه الحلقات المسلسلة، التي حصلنا على أجزاء من تفاصيلها من مذكرات الفنان الأباظي الراحل فكري أباظة «شقيق رشدي أباظة»، والتي رواها للزميل أحمد السماحي، ويصدرها قريبا في كتاب يتضمنها كاملة فإنه كان فارسا مغوارا في أحضان أجمل الجميلات، وأكثرهن إثارة حتى باتت حياته سلسلة من التجارب والعلاقات العابرة، فقد كان يرى نفسه بحارا غريبا بلا أرض أو شراع، يقطع البحار والمحيطات، بحثا عن يابسة لا يعرف ملامحها، وفي بخته البائس كان عليه أن يطأ يابسة من آن لآخر، ربما حتى لا ينسى ملمس الأرض وطعم الرمال.

كان رشدي أباظة غواصا في بحر النساء، يغادر قلبا إلى آخر، ويسدل الستار على قصة ساخنة ليبدأ فصولا أخرى، لا يهاب أحدا، حتى لو كان الملك فاروق نفسه، الذي نافسه على أكثر من فاتنة، ولكن رشدي كان يحسم كل الجولات والمغامرات لمصلحته، لوسامته ورجولته التي كانت حديث النساء في عصره.



كان من أمنيات رشدي أباظة ـ بحسب ما أدلى في عدة حوارات صحافية أطلعت عليها «الراي» - ان يعمل في السلك الديبلوماسي، لذلك لم يخف فرحته عندما جاءه دور ديبلوماسي خرج في حركة التطهير التي أعقبت قيام الثورة المصرية، ثورة يوليو 1952، حتى انه لاحظ ذوبانه في الشخصية التي جسدها في فيلم «أريد حلا» مع فاتن حمامة. والطريف انه طلب من الفنانة سامية جمال، التي كانت زوجته في ذلك الوقت، بان تناديه بلقب «اكسلانس» وهو يعادل جناب السفير، اللقب الذي كان يعشقه وناداه به أقرب المقربين منه.

كما عاش رشدي أباظة ومات من دون ان يفهم نفسه... تلك هي أزمته التي جعلته كالطائر الجريح الذي ينزف دما ودموعا، لم يدرك ان المرء ليس له ان يقبض على متاع الدنيا في كف يده، وسامة، شهرة، مال، حسب ونسب، ونساء من كل لون وصنف، كيف تصبح الدنيا دنيا بلا ألم وجراح وعذاب؟! سأل نفسه ذات مرة: كم سنة تبقت في عمري؟ أو بصيغة أكثر أباظية: كم امرأة تخفيها لي الأيام؟ وفي غمرة البحث عن حب حقيقي، كان عليه ان يدفع الثمن، الذي أصبح باهظا مع الشهرة والنجومية التي تحققت بعد فيلمه الشهير «الرجل الثاني».

كان يرى نفسه طائرا جريحا أو عصفورا يحاول الفرار من قفص مصنوع من ضلوع النساء، غير ان الأيام تراه غير ذلك، تراه انسانا معذبا يطارد ثنائيا لا يجتمع، النجومية والقلب الذي يضمد جراحه، وبينما حقق الأولى، بدت الثانية أقرب الى السراب، فكلما اعتقد انه اقترب منها، اكتشف انها حلم يصعب تفسيره، وفي كل مرة كان يخرج من التجربة أكثر ضعفا وترنحا.

في لحظة مشابهة، دخلت سامية جمال حياته، فبدأ فصل جديد من المتعة والعذاب، كان ممزقا بين نجوميته الجديدة وبيته الذي بات على شفا الانهيار، وفي الليلة التي قادت «سامية» فيها سيارته، خوفا عليه من الطريق، عاد ليجد زوجته «بوبي» غارقة في «البريدج» مع أصدقائها، فاتجه صامتا الى غرفته، وجلس ساعة كاملة وحيدا من دون ان تتحرك هي من مقعدها، غلى الدم في عروقه، فانتفض ثائرا، وخرج متجها الى المائدة، وقلبها صارخا في وجه الجميع: «كفاية... انا تعبان»... وطارت أوراق اللعب في الهواء، وأفلتت معها بقايا الحب بين الزوجين الجريحين، بينما غادر الضيوف الشقة، وسط الدهشة والذهول، تفجرت هوشة ساخنة بين رشدي و«بوبي» قطعتها صرخات ابنتهما «قسمت»، فاحتضنها الأب الثائر ورافقها الى فراشها في محاولة لتهدئة خوفها الصغير.

كانت «قسمت» جرحا صغيرا كبر مع الأيام في قلب الطائر الأباظي، فقبلها كان يقطن قلوب النساء، ثم يغادرها بلا خسائر جسيمة، أما الآن فقد باتت «قسمت رشدي أباظة» ثمنا متوقعا للانفصال الوشيك، فأي مستقبل ينتظر هذه الصغيرة؟ سأل نفسه وهو في طريقه الى الاستوديو في الصباح التالي، وحتى وصوله الى البلاتوه لم يصل الى اجابة مقنعة، فأرجأ الأمر الى لحظة اللا حل، لكن المشهد الذي سيؤديه نكأ هذا الجرح الدامي، فقد وقف المخرج عزالدين ذو الفقار يشرحه بشيء من الحماسة.

ودارت الكاميرا، ووقفت «سامية جمال» تنتحب وهي تبلغ رشدي ان ابنته الصغيرة ماتت بسبب أفعاله الشريرة في فيلم «الرجل الثاني»، وصرخت قائلة: بنتك ماتت يا عصمت، وهزت الكلمات وجدان الفتى الأباظي، وتخيل «قسمت» وهي تدفع ثمن اهمال أمها وانشغال والدها في عمله، فانهمرت الدموع من عينيه وتهدج صوته، وساد الصمت البلاتوه، وأشار عزالدين ذو الفقار المخرج للمصورين بمواصلة التصوير للامساك بهذه اللحظة النادرة، وفور انتهاء المشهد انفجرت موجة من التصفيق، وهنأ الجميع رشدي على هذا الصدق الجميل.

وحدها... سامية جمال كانت تعرف الحقيقة، لذا كان طبيعيا ان تهمس في أذنه «أحزانك يا رشدي حققت لك الصدق والتفوق في هذا المشهد».

نصيحة البارمان

رحلت سنوات الصعلكة والنساء العابرات، ونضجت مشاعر «الدون جوان» وأحزانه أيضا، ومع المشاعر والأحزان توالت البطولات والعقود، فتلقى رشدي عقود 5 أفلام مرة واحدة، منها «بفكر في اللي ناسيني»، «أحلام البنات»، «رحلة الى القمر»، «قاطع طريق»، و«انا بريئة»، بينما كان يغادر نجاحا الى نجاح، كانت البرودة تملأ أركان بيته، فزوجته «بوبي» تمارس حياتها بأسلوبها الخاص، وهو منهمك دائما في عمله، أما «قسمت» الصغيرة فتقضي يومها بالكامل مع المربية.

وفي مقابلات صحافية وتلفزيونية يقول: في أحد الأيام قرر العودة الى البيت مبكرا لقضاء السهرة مع أسرته، لكنه وجد بوبي في انتظار ضيوفها، فطلب منها الاعتذار لهم، حتى يقضي معها هي وقسمت الليلة التي اقتنصها بصعوبة من العمل، فرفضت، واشتعل الحوار بينهما، فصرخت في وجهه بانه وفر لها كل شيء الا الحنان والحب والاحتواء، في تلك اللحظة أدرك رشدي بخبرته وتجاربه النسائية ان حبها له قد توارى، فغادر البيت وذهب الى «الأوبرج» وظل يحتسي الخمر حتى غادره الجميع، ولم يبق سوى عم أحمد «البارمان» الذي تربطه به علاقة صداقة قديمة، فما كان من رشدي الا ان روى له تفاصيل معاناته الزوجية.

استمع اليه الرجل العجوز صامتا، وحين انتهى من بوحه قال له كلمات قليلة، لكنها رسمت طريقه فيما بعد، «يا رشدي يا ابني، اذا خرج الحب من البيت لا يصبح بيتا، والآن عليك فقط الحفاظ على ابنتك قسمت، لان الزوجة يمكن تعويضها، أما الابنة فلن تجد أبا غيرك».

خرج رشدي من «الأوبرج» وكلمات الرجل تتردد في أعماقه، سار وسط الشوارع في ساعات الفجر الأولى، وفكر في الأمر بعمق، وحين عاد الى المنزل، وجد ابنته قسمت مستيقظة، بينما راحت الأم في نوم عميق بسبب سهرة الأمس، قالت له قسمت انها تشعر بالجوع، فدخل غرفة النوم وحاول ايقاظ زوجته «بوبي» لاعداد طعام الافطار، كانت الساعة العاشرة صباحا ولاتزال الزوجة في غيبوبتها اليومية، وعندما فشل دخل المطبخ وأعد الافطار لابنته، ثم ذهب الى الاستوديو لمواصلة عمله.

في غرفته، تناول كؤوس عدة من الخمر، وعندما همَّ خارجا قابل «سامية جمال» التي لمحت في عينيه ثورة وغضبا على واقعه، وأدركت باحساس الانثى ان الخمر جنحت به الى منطقة الضياع، فعرضت عليه ان توصله الى البيت، وفي الطريق طلب منها التوجه الى الأوبرج، ورغم محاولاتها لاثنائه عن الشرب، اضطرت في النهاية الى الرضوخ لالحاحه، وعلى الباب تركته وهمت بالانصراف، لكنها فوجئت به ينهر أحد العاملين كان يحاول الترحيب به، فسقط الرجل على الأرض وسط ذهول الجميع، فهرعت اليه، وطلبت منه الذهاب الى منزله، حتى لا يسيء الى نجوميته وهو في هذه الحالة، وتوسلت اليه حتى ركب السيارة، فاتجهت به الى منزلها في عمارة «ليبون» في ضاحية الزمالك، وعرضت عليه تناول فنجان قهوة معها قبل العودة الى أسرته.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي