العروة الوثقى

تصغير
تكبير
| د. وليد محمد عبدالله العلي | الحمد الله الذي جعل آية الكرسي عروة الآيات القرآنية، والتي زُيِّن جيدها بأنفس القلائد، فهذه معشر الأخوة والاخوات بعض معاني آية الكرسي الحافظة من اذى كل جني وأنسي، فما أعلاها من آية وبيان، وأعظمها من حجة وبرهان، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جُمل يُصدق بعضها بعضاً في الوعظ، وحوت خمسين كلمة مثبتة ونافية شافية وكافية وآخذة بعضها بُحجز بعض.

سنتأملها معكم - بمشيئة الله تعالى - من خلال هذه الزاوية طوال شهر رمضان المبارك.





الجملة الأولى: (الله لا إله إلا هو) (1)



فهى متضمنة لكلمة الشهادة، ومشتملة على مفتاح دار السعادة، وهي كلمة التقوى، وعروة الدين الوثقى، وهي زبدة دعوة الأنبياء المرسلة، ورأس أمر جميع الشرائع المنزلة.

فهي أعظم كلمة انعقد عليها الجنان، وأجل وأشرف شهادة نطق بها اللسان، وأفضل ما حققت مقاصده الأركان.

وهي الكلمة التي بتردادها يتجدد الإيمان، والشهادة التي تحرم على العبد الخلود في النيران، وتوجب له المصير إلى الخلود في الجنان.

فهذه الكلمة مشتملة على الاقرار بكمال وحدانية الرب عز وجل وتفرده باستحقاق العبودية، وأنه واحد لا مثيل له في أسمائه وصفاته ولا عديل له في الربوبية ولا شريك له في الألوهية.

فلا إله بحق إلا الله، ولا يؤله ويعبد إلا إياه، فهو الحق وما سواه باطل، وهو المبين وما سواه عاطل، (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير). فهو الصمد الذي يغني ويقني جميع قاصديه، ومن يدعى من دونه لا يملك شيئاً لعابديه، (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم وآلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب).

لذا كان الله عز وجل هو المستحق بأن يخص بالعبادة وبه يستعان، لأنه لا حول ولا قوة للعابد إلا بالله فهو الذي هداه وأعان، فلما أعان الله عز وجل عبده فنعم المعبود ونعم المعين، ناجاه العبد بقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين).

وإن من وجوه فضائل آية الكرسي افتتاحها بهذه الشهادة، التي يرجو كل عبد من الله تعالى بتحقيقها الحسنى وزيادة.

ألا وإن من فضائلها الحسنة الكثيرة، وعوائدها وفوائدها المستحسنة الوفيرة: أن بنيان دين الإسلام، أسس على قواعدها العظام، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).

فهذه الشهادة هي أول ما يدعى إليه، كما أنها أعظم ما يعول عليه، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم الى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك: فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك: فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) أخرجه البخاري ومسلم.

فالناطق بهذه الشهادة بلسان الحال: معصوم إلا بحق في النفس والمال، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله: فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله).

فهذه الشهادة هي أفضل شعب الإيمان، لما تتضمنه من الاقرار بوحدانية الرحمن، كما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).



أستاذ العقيدة بكلية الشريعة - جامعة الكويت
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي