رؤى / ... وللفراشات صمت!

تصغير
تكبير
| لطيفة جاسم التمار |

نفذت الطبعة الأولى من رواية «صمت الفراشات» للأديبة الروائية ليلى العثمان من الأسواق، وهي ضرب من الروايات الواقعية ذات النمط الأسري والتي تقدم معاناة الفقير وذله، وفرض سطوة الغني وسيطرته على حياة من حوله. كما تقدم طرحا مختلفا مما قدمت سابقا من أعمال روائية كانت تناقش بها مشاكل ومعاناة الفرد في كويت الماضي، لكن هذه الرواية تركز فيها الكاتبة على القهر الأزلي والمتمثل في القهر الرجولي من خلال سلطة الأب, ومن ثم سلطة الزوج والأخ.

وتبرز الكاتبة بأسلوبها الرشيق والمعبر تمرد المرأة في مراحل مختلفة من حياتها، من خلال تطور الحدث كما أنها لم تغفل عرض كثير من سلبيات بيئتنا الخليجية التي تعيش بها، ولم تتجاهل أيضا بعض الجوانب الإيجابية التي تخللتها الرواية بشيء من الشفافية. نجد تركيز الكاتبة ينصب على قضية العبودية في مقابل الحرية، بنسجها للأحداث التي حاولت بها أن تحرر البطلة «نادية» من كل القيود التي فرضت عليها، وبالتالي صاغتها بصيغة الواقع المتماشي مع خيوط الحدث الذي تدور الرواية من حوله. ولا أستطيع إلا أن أعجب بخفة قلم الكاتبة ورشاقته في توصيل الأحداث الرئيسية والفرعية بشيء من السلاسة، التي لا تعيق المتلقي في الوصول إلى النهاية وأخذ العظة والعبرة منها. كما أوردت إلينا الكاتبة الأحداث بتواتر دقيق وبسيط، راجية أن تجذب المتلقي في الانتهاء من الرواية والوصول إلى النهاية المتوقعة أو لربما غير المتوقعة. كما تتعدد أبعاد الرواية من نفسية واجتماعية طبقية، تستند إلى التجارب العددية التي صاغتها الكاتبة والتي حولت من خلالها شخصية البطلة من فتاة مغلوبة على أمرها إلى فرد له القدرة على أخذ المواقف والإصلاح والتقويم فيما بعد، فتحولت حياتها من حياة القهر والعبودية إلى حياة الحرية والاستقلال مما جعل من السرد القصصي للرواية انه يحظى بتوازن في أحداثها. ولا شك أن ليلى العثمان قد جمعت في هذا الواقع الروائي حقيقة يصعب تناسيها، وهي أن تظهر جوانب متعددة للمرأة «الضعف، القوة، التسلط، الاستبداد، العاطفة...»، من خلال التطور الذي يحدث لشخصية البطلة منذ مرحلة الدراسة فالزواج إلى مرحلة الترمل والدراسة ثم العمل والحب فيما بعد. هذا العمل الفني الإبداعي يبرز قوة صياغة القصة وفكرتها، مما يجعل من المتلقي شخصا قادرا على التواصل مع أحداث الرواية، وكأن الكاتبة نسجت هذا العمل لتحقيق أهداف وغايات سامية أوجدتها بحرية التعبير وصدقه. فلم تعد الفراشات صامتة بعد اليوم، بل أخذت تتحدث وتتمرد على كل معطيات الحياة. وفي الختام أستطيع القول إن «صمت الفراشات» رواية رائعة لكاتبة أروع هي ليلى العثمان التي جعلت من الصمت انفراجات عدة، لتصوير حياة المرأة الخليجية والعربية على السواء، بحياكتها لأحداث الرواية والتي جعلت منها لوحة فنية نسجتها بخيوط «الكورشية» الرقيقة لتخرج لنا عملا فنيا مبدعا يضاف إلى سلسلة أعمالها الأدبية.



* ماجستير أدب عربي

Latifa-altammar@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي