لم يأت التراشق الإعلامي الأخير بين الصحف المصرية والسورية من فراغ، نقصد نشر صحيفة «المصري اليوم» لملف خاص عن سورية بمناسبة مرور عشرة أعوام على حكم الرئيس بشار الأسد وانتقادها لهذه الفترة، إضافة لاجرائها مقابلة مع نائب الرئيس السوري الأسبق عبد الحليم خدام، ثم رد صحيفة «الوطن» السورية على ما أتى في الصحيفة المصرية، نقول لم يأت كل ذلك من فراغ، فالحقيقة وحسب المتابعين لهذا الشأن، تعود إلى ما قبل نشر «المصري اليوم» لملفها عن سورية ورئيسها وأعوام حكمه، بل إلى انزعاج القاهرة من تصريحات نسبت إلى وزير الإعلام السوري محسن بلال الذي وجه انتقادات حادة للسياسة الخارجية المصرية في لقاء مع وسائل إعلام سورية ولبنانية، والوزير السوري كان بدوره يعبر عن انزعاج مماثل للقيادة السورية من الرئيس المصري بسبب استقباله لرئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع الذي تعتبره دمشق اليوم على رأس خصومها وأعدائها في لبنان.
المصريون رأوا أن السوريين هم من كسر الهدنة الإعلامية بين البلدين حين وجه وزير الإعلام السوري انتقاداته تلك، وهم محقون في ذاك، لكن رغم ذلك فهذه ليست كل الحقيقة.
يرى متابعون لملف العلاقات بين البلدين أن دمشق مستاءة جداً مما تعتبره تدخلاً مصرياً في الشأن اللبناني يستهدفها ويستهدف دورها هناك، وما استقبال الرئيس حسني مبارك لجعجع إلا رسالة مصرية ضد سورية تعكس نوايا سيئة تجاه دمشق، وعدم رغبة في تنقية الأجواء العربية - العربية وتحسين العلاقة بين سورية ومصر.
ويضيفون أن دمشق أيضاً تعتبر أن مصر لا تبذل جهداً مطلوباً بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» لتحقيق المصالحة لأنها منحازة إلى السلطة، وأن سياساتها الخارجية تقوم على محاصرة الحركة في قطاع غزة، وهي تشاطر الإسرائيليين والأميركيين الرأي نفسه، وتنتهج السياسات نفسها، في وقت تقف تركيا ودول العالم مع شعب غزة في محنته الراهنة.
أيضاً فإن دمشق لم تعد تعير اهتماماً أو اعتباراً لمصر والدور المصري لأنها تعتقد أنه قد بات لها دور إقليمي أكبر من مصر التي ارتضت أن تختصر كل الدور المصري في صفقة للافراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وأن تحكم الحصار الإسرائيلي على غزة، وهي فوق ذلك دولة تنتظر المساعدات المالية الأميركية كل عام، فأي دور مصري، وأي قيمة لمصر اليوم مع بروز الدور التركي في المنطقة؟
ويتابع العارفون في خفايا الملف السوري المصري أن دمشق بعد أن أكملت مصالحتها مع المملكة العربية السعودية والملك عبد الله بن عبد العزيز، لم تعد تكترث كثيراً لمصر، فهي قبل ذلك كانت معنية باجراء هذه المصالحة لاحساسها أنها افتقدت العمق العربي «السني»، وأن علاقتها مع إيران كانت تبدو محل تهمة بسبب القطيعة مع السعودية ومصر، لكنها اليوم وبعد انجاز المصالحة مع السعودية، التي تلعب دوراً أكبر من مصر، ولها مكانة إقليمية ودولية وثقل ديني واقتصادي، لم تعد مكترثة أو مهتمة بمصر، أو لم تعد تحتاج مصر والمصالحة معها لأن ذلك لن يفيد دمشق في شيء.
كذلك ترى القيادة السورية، التي استقبلت رئيس الجامعة العربية عمرو موسى لأجل المساهمة في حل التشنج الأخير بين البلدين، أن سورية بفضل علاقتها الجيدة والمثالية مع إيران وتركيا، إضافة إلى علاقتها المتحسنة باطراد مع السعودية، وبعد نجاحها في كسر العزلة الغربية التي فرضت عليها، وبعد دورها المتنامي والمتصاعد في لبنان، صارت ترى أن سورية والدور السوري بات يفوق بكثير الدور المصري، وأن مصر هي من باتت في حاجة إلى سورية لا العكس.
بالمناسبة، اتحدت سورية ومصر في دولة واحدة عام 1958. وبالمناسبة أيضاً، خاض البلدان والجيشان والشعبان السوري والمصري حرب السادس من اكتوبر عام 1973.
زين الشامي
كاتب سوري