إشراقات النقد / العنونة في الرواية الكويتية (1)

خولة القزويني


| سعاد العنزي |
لقد شغلت مسألة العنونة حيزا كبيرا من الاشتغال النقدي في الآونة الأخيرة، كونها أول عتبة لدخول النص، وكما ان لها وظائف أربع أساسية حسب قول جيرار جينيت هي: الإغراء والوصف والإيماء والتعيين، منها ما هو استفزازي وتنبيهي، للقارئ، ومنها ما هو بسيط في دلالته، فلا يلتفت إليه القارئ، فإن أثارت القارئ وشدت انتباهه فهي تضمن أول خطوة من القراءة واستكناه مضامين النص قبل قراءات متعددة ومتعمقة، والتي تساهم في الوصول إلى متعة التلقي.
ومن بين القضايا التي تعتني بها هذه المقاربة، هي قضية مدى وعي الروائيات الكويتيات في مسألة العنونة، وهل كانت عناوين الروايات تسير وفق هذه المسألة، أم أنها تأخذ المنحى التقليدي في اختيار العناوين الروائية؟ هل كانت هذه العناوين تثير حفيظة المتلقي؟ هل هي استفزازية له؟ كلها قضايا يحاول البحث الوصول إليها.
وتتوزع عناوين الروايات - موضع الدراسة- إلى أربعة أنماط من أنماط العنونة، المتعارف عليها:
1 - نمط العنوان المباشر.
2 - نمط العنوان غير المباشر.
3 - نمط العنوان المكون.
4 - نمط العنوان العرضي.
أولا: نمط العنوان المباشر
هو الذي يشكل علامة ناجزة، إذ «يتطابق العنوان في مرجعه ليقدم دلالة ناجزة تتعلق برحلة مجهولة، أو بفتاة محددة، أو حيز جغرافي».(12) وهذه المباشرة قد تخدم فكرة العمل الأدبي، وقد تضر بفنيته، لأن الغموض يحفز عنصر التشويق في القص، فيحاول القارئ فك رموز النص، وشيفراته الدلالية من خلال فهمه وتصوراته المصبوغة بطريقة وعيه في الكون.
والرواية التي حملت عنوانا من نمط العنوان المباشر، هي رواية «هيفاء تعترف لكم» للروائية خولة القزويني، والعنوان هنا مباشر لأنه قدم دلالة ناجزة ومباشرة، في وجود امرأة اسمها هيفاء تقوم بالاعتراف إلى القراء، وقد أشركت الروائية القارئ منذ أول لحظة من لحظات القص، ويكمن ذلك في العنوان: «تعترف لكم» أنتم معشر القراء.
والعنوان مكون من جملة اسمية، بدأت باسم الشخصية المحورية في الرواية، هيفاء، مخبر عنها بجملة فعلية، «تعترف لكم»، مما أفاد بالإخبار عن حدث مستمر في تصاعده وديناميكيته، رافضا للاستاتيكية والجمود الذي رافق المرأة قرونا. وهذا يقود القارئ الملم بالحركات النسائية ثورات التحرر النسائية، التي أوجدت فكرة الكلام والكتابة بدلا من الصمت الذي استبد بالمرأة دهورا ودهورا، والذي لا يقترن بالمرأة العربية وحسب، بل هو صمت جدلي لصيق بمسيرة المرأة في العالم كله، لعدة قرون، وهذا ما أكدته فرجينا وولف التي نظرت في النقد النسائي، وبحثت في القضايا الأزلية التي علقت في المرأة، لم الصمت للمرأة والكلام للرجل، وما هي حكاية النساء والكتابة في عدة دراسات تنظيرية نقدية، من مثل: «الغرفة»، و«ثلاثة جنيهات»، و«النساء والكتابة»، وفيما يلي نص يتطرق لقضية الصمت والكتابة، والذي يتقاطع مع الأفكار التي حملها عنوان الرواية:
«وبدءا من الكاتبة الأميركية تيلي أولسن، التي عرف كتابها «حالات الصمت» على نطاق واسع، وتحول إلى مصدر كلاسيكي لدراسة موضوعة «الصمت» ودلالاتها، وتواصلا مع عمل الناقدات الأميركيات والفرنسيات، جرى تصوير صمت النساء باعتباره ميدانا لاضطهادهن، ودليلا على إقصائهن عن مجالات الحياة العامة، وعن التجسيد، كمتحدثات، في النص. غير أنه آن الأوان للاعتراف، حسب إيلين هيجز وشيلي فيشيكن، بأن «هناك تقليدا نسائيا في الكتابة بدأ في القرن التاسع عشر، يدعونا إلى إعادة قراءة نماذج معينة من الصمت والتعبير». (13)
وبذا سيجد القارئ نفسه أمام نص يعلن بقوة وجود المرأة في عالم السرد، كساردة تقوم بالاعتراف لجمهور القراء، الذين كتبت لأجل مشاركتهم بالوعي، في قضايا المرأة هيفاء، بوصفها نموذجا للمرأة المكافحة والمتغلبة على القهر والتغييب وسلب الحريات، بالعلم والعمل، كأداة إجرائية براجماتية في مواجهة عصور الجمود والتخلف، لتأتي مذكرات هيفاء في الاعتراف بأمر يثير التساؤل فما هو الخطير الذي رغبت هيفاء بالاعتراف به، فإذا بها تسجل وثيقة لإدانة الطرف الآخر الرجل الذي كانت له مواقف إلغائية للمرأة، إن لم تكن مبنية على التضاد، وإلحاق الضرر بها. وهذا يذكرنا بنص آخر لروائية عربية على الرغم من اختلاف الأحداث بينهما، فإن رواية «هيفاء تعترف لكم»، ورواية بنور عائشة «اعترافات امرأة»، تنطلق من وهموم المرأة العربية:-
«اعترافات امرأة هي صورة لواقع المرأة العربية وصفحات من النضال في مجتمع يمارس سلطة القهر والمتعة... اعترافات امرأة بوح أنثوي يثير الكثير من القضايا المسكوت عنها يمزقها أحيانا وأحيانا أخرى يعريها حد الرفض... الرواية جاءت في صور متعددة لأقنعة رأتها الكاتبة صورا من الزيف وتنكرا وقهرا للذات من خلال صورة المرأة في الآخر من غير أن تكون المرأة هي المرأة وإنما صورة لغير ذاتها... الخ». (14)
ولذلك فإن الاعتراف يبدأ من أول صفحة من صفحات الرواية، فتقول الساردة: «كان لغياب أبي وقع حزين على قلبي.. إذ جعلني أفكر لأيام كيف استقبل حياتي بنمطها الجديد».(15)
* كاتبة وناقدة كويتية
* من دراسة بحثية للناقدة تتعلق بالرواية الكويتية
(12) مرسل فالح العجمي، الخطاب الروائي في الكويت: أنماط العنونة ومستويات الصوت السردي، مجلة العلوم الإنسانية، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، العدد 92، خريف 2005م، ص 15.
(13) رضا الظاهر، مرجع سابق، ص219.
(14) Donia Al-Raai
[email protected]
(15) خولة القزويني، رواية «هيفاء تعترف لكم»، دار الصفوة، بيروت، الطبعة الأولى 2001م، ص7.
لقد شغلت مسألة العنونة حيزا كبيرا من الاشتغال النقدي في الآونة الأخيرة، كونها أول عتبة لدخول النص، وكما ان لها وظائف أربع أساسية حسب قول جيرار جينيت هي: الإغراء والوصف والإيماء والتعيين، منها ما هو استفزازي وتنبيهي، للقارئ، ومنها ما هو بسيط في دلالته، فلا يلتفت إليه القارئ، فإن أثارت القارئ وشدت انتباهه فهي تضمن أول خطوة من القراءة واستكناه مضامين النص قبل قراءات متعددة ومتعمقة، والتي تساهم في الوصول إلى متعة التلقي.
ومن بين القضايا التي تعتني بها هذه المقاربة، هي قضية مدى وعي الروائيات الكويتيات في مسألة العنونة، وهل كانت عناوين الروايات تسير وفق هذه المسألة، أم أنها تأخذ المنحى التقليدي في اختيار العناوين الروائية؟ هل كانت هذه العناوين تثير حفيظة المتلقي؟ هل هي استفزازية له؟ كلها قضايا يحاول البحث الوصول إليها.
وتتوزع عناوين الروايات - موضع الدراسة- إلى أربعة أنماط من أنماط العنونة، المتعارف عليها:
1 - نمط العنوان المباشر.
2 - نمط العنوان غير المباشر.
3 - نمط العنوان المكون.
4 - نمط العنوان العرضي.
أولا: نمط العنوان المباشر
هو الذي يشكل علامة ناجزة، إذ «يتطابق العنوان في مرجعه ليقدم دلالة ناجزة تتعلق برحلة مجهولة، أو بفتاة محددة، أو حيز جغرافي».(12) وهذه المباشرة قد تخدم فكرة العمل الأدبي، وقد تضر بفنيته، لأن الغموض يحفز عنصر التشويق في القص، فيحاول القارئ فك رموز النص، وشيفراته الدلالية من خلال فهمه وتصوراته المصبوغة بطريقة وعيه في الكون.
والرواية التي حملت عنوانا من نمط العنوان المباشر، هي رواية «هيفاء تعترف لكم» للروائية خولة القزويني، والعنوان هنا مباشر لأنه قدم دلالة ناجزة ومباشرة، في وجود امرأة اسمها هيفاء تقوم بالاعتراف إلى القراء، وقد أشركت الروائية القارئ منذ أول لحظة من لحظات القص، ويكمن ذلك في العنوان: «تعترف لكم» أنتم معشر القراء.
والعنوان مكون من جملة اسمية، بدأت باسم الشخصية المحورية في الرواية، هيفاء، مخبر عنها بجملة فعلية، «تعترف لكم»، مما أفاد بالإخبار عن حدث مستمر في تصاعده وديناميكيته، رافضا للاستاتيكية والجمود الذي رافق المرأة قرونا. وهذا يقود القارئ الملم بالحركات النسائية ثورات التحرر النسائية، التي أوجدت فكرة الكلام والكتابة بدلا من الصمت الذي استبد بالمرأة دهورا ودهورا، والذي لا يقترن بالمرأة العربية وحسب، بل هو صمت جدلي لصيق بمسيرة المرأة في العالم كله، لعدة قرون، وهذا ما أكدته فرجينا وولف التي نظرت في النقد النسائي، وبحثت في القضايا الأزلية التي علقت في المرأة، لم الصمت للمرأة والكلام للرجل، وما هي حكاية النساء والكتابة في عدة دراسات تنظيرية نقدية، من مثل: «الغرفة»، و«ثلاثة جنيهات»، و«النساء والكتابة»، وفيما يلي نص يتطرق لقضية الصمت والكتابة، والذي يتقاطع مع الأفكار التي حملها عنوان الرواية:
«وبدءا من الكاتبة الأميركية تيلي أولسن، التي عرف كتابها «حالات الصمت» على نطاق واسع، وتحول إلى مصدر كلاسيكي لدراسة موضوعة «الصمت» ودلالاتها، وتواصلا مع عمل الناقدات الأميركيات والفرنسيات، جرى تصوير صمت النساء باعتباره ميدانا لاضطهادهن، ودليلا على إقصائهن عن مجالات الحياة العامة، وعن التجسيد، كمتحدثات، في النص. غير أنه آن الأوان للاعتراف، حسب إيلين هيجز وشيلي فيشيكن، بأن «هناك تقليدا نسائيا في الكتابة بدأ في القرن التاسع عشر، يدعونا إلى إعادة قراءة نماذج معينة من الصمت والتعبير». (13)
وبذا سيجد القارئ نفسه أمام نص يعلن بقوة وجود المرأة في عالم السرد، كساردة تقوم بالاعتراف لجمهور القراء، الذين كتبت لأجل مشاركتهم بالوعي، في قضايا المرأة هيفاء، بوصفها نموذجا للمرأة المكافحة والمتغلبة على القهر والتغييب وسلب الحريات، بالعلم والعمل، كأداة إجرائية براجماتية في مواجهة عصور الجمود والتخلف، لتأتي مذكرات هيفاء في الاعتراف بأمر يثير التساؤل فما هو الخطير الذي رغبت هيفاء بالاعتراف به، فإذا بها تسجل وثيقة لإدانة الطرف الآخر الرجل الذي كانت له مواقف إلغائية للمرأة، إن لم تكن مبنية على التضاد، وإلحاق الضرر بها. وهذا يذكرنا بنص آخر لروائية عربية على الرغم من اختلاف الأحداث بينهما، فإن رواية «هيفاء تعترف لكم»، ورواية بنور عائشة «اعترافات امرأة»، تنطلق من وهموم المرأة العربية:-
«اعترافات امرأة هي صورة لواقع المرأة العربية وصفحات من النضال في مجتمع يمارس سلطة القهر والمتعة... اعترافات امرأة بوح أنثوي يثير الكثير من القضايا المسكوت عنها يمزقها أحيانا وأحيانا أخرى يعريها حد الرفض... الرواية جاءت في صور متعددة لأقنعة رأتها الكاتبة صورا من الزيف وتنكرا وقهرا للذات من خلال صورة المرأة في الآخر من غير أن تكون المرأة هي المرأة وإنما صورة لغير ذاتها... الخ». (14)
ولذلك فإن الاعتراف يبدأ من أول صفحة من صفحات الرواية، فتقول الساردة: «كان لغياب أبي وقع حزين على قلبي.. إذ جعلني أفكر لأيام كيف استقبل حياتي بنمطها الجديد».(15)
* كاتبة وناقدة كويتية
* من دراسة بحثية للناقدة تتعلق بالرواية الكويتية
(12) مرسل فالح العجمي، الخطاب الروائي في الكويت: أنماط العنونة ومستويات الصوت السردي، مجلة العلوم الإنسانية، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، العدد 92، خريف 2005م، ص 15.
(13) رضا الظاهر، مرجع سابق، ص219.
(14) Donia Al-Raai
[email protected]
(15) خولة القزويني، رواية «هيفاء تعترف لكم»، دار الصفوة، بيروت، الطبعة الأولى 2001م، ص7.