حديث / التراث ودلالاته الرمزية في مذكرات بحار (2)

u0644u0648u062du0629 u0644u0644u0641u0646u0627u0646 u0639u0628u062fu0627u0644u0644u0647 u0627u0644u062eu0636u0627u0631u064a
لوحة للفنان عبدالله الخضاري
تصغير
تكبير
|لطيفة جاسم التمار|

الموروث الديني

يعد الموروث الديني ينبوعا سخيا يثري التجربة الشعرية, ويوفر لها أفضل الامكانات الايجابية، ما يمنح التجربة الشعرية أصالة وشمولية, ويمكن تصنيف الشخصيات التراثية التي استلهمها الفايز من القرآن الكريم في مذكراته الى:

1 - شخصيات ايجابية «الأنبياء»

2 - شخصيات سلبية «قابيل»

أولا: شخصيات الأنبياء

تعتبر شخصيات الأنبياء أكثر الشخصيات التراثية الدينية شيوعا في الشعر المعاصر «فكل من النبي والشاعر الأصيل يحمل رسالة الى أمته والفارق بينهما أن رسالة النبي رسالة سماوية (1)». والفايز كغيره من الشعراء المعاصرين عمد الى استخدام بعض شخصيات الأنبياء, ومن بينهم النبي نوح عليه السلام, وقد ذكره الفايز في المذكرة السابعة.

والرياح

الا البحار

تبقى لتبتلع الجميع

كالحوت حين يجوع يا طوفان نوح

يا حكمة الدنيا القديمة

في البدء كان البحر لا الكلمات, يا تلك

السفينة

أبناء «نوح» فوق متنك يبحثون

عن ساحل وأنا أفتش عن محار

كما أخذت شخصية النبي يوسف عليه السلام, دلالات متنوعة في كثير من القصائد الحديثة, ومنها توظيف الفايز لشخصية النبي يوسف حيث استخدم بعض ملامح الشخصية في تصوير تجربته الخاصة. وفي المذكرة السابعة عشرة يصور الشاعر الظلم والغدر في صورة يوسف عليه السلام.

وتطلعت حولي العيون

مثل الحروف

وشعرت بالخوف العظيم

وقلت ماذا يفعلون

لابد من أكل. وكنت فتى. وآكلة اللحوم

للآن ما برحوا سنأكله ولو فيه السموم

وصرخت من جوع ومن خوف وقال: لا محال

ستموت كي نحيا. وكانوا كالوحوش

ثم يكمل قائلا:

وتألبوا ضدي «كيوسف» ثم وليت الفرار

وكنت أسمعهم ورائي يركضون

أخذ الشاعر دلالات الغدر والظلم والمعاناة والصبر وقوة الايمان من قصة سيدنا يوسف حيث رماه أخوته في البئر، مشيرا بذلك الى معاناة البحار, الذي يشعر بالظلم والعدوان الملقى عليه من البقية. ويعود الشاعر ويذكر سيدنا يوسف في المذكرة العشرين.

يجمعها «يوسف» للذين قد رموه

في البئر. والقميص

ممزق يعرب عن جريمة العشاق

التحام الدلالات في المقطع السابق انتج ملمحا رائعا أسهم في بناء المذكرة وأضفى عليها سمات تأصلة استفاد منها الشاعر وأضافها الى تجربته الخاصة. وذكر سيدنا يوسف يدلل على «العودة» العودة النهائية الى أرض الوطن بالنسبة للبحار بعد انتهاء رحلات الغوص نهائيا, هذه العودة لا رجعة بعدها.

ثانيا: شخصيات سلبية

وتتمثل في شخصية «قابيل»، بن آدم أول قاتل على وجه الأرض, والفايز استخدم شخصية «قابيل»، وجعلها رمزا للضعف والاغتصاب والقتل منذ وجد الانسان على ظهر الخليقة, ونجده يقول في أولى مذكراته:

لا السحر ثبط من جماحك لا ولا الحق المبين

من عهد «قابيل» وقمحك كل يوم

يسطو عليه الدود يا أرض الظلام

وظف الشاعر رمز «قابيل» للدلالة على حقارة الانسان, فكلما يذكر قابيل تتبادر الى الأذهان «أول جريمة في التاريخ» ويركز الشاعر على حقارة العالم فكله عالم قابيل مع استمرار الظلم الى ما لا نهاية. يقول في المذكرة الرابعة عشرة:

... وكالانسان

أبدا يحدث عن حقارة عالم

من عهد «قابيل» تهاوى للحضيض

الموروث التاريخي

استخدم الشاعر الموروث التاريخي في صورة استدعائه لرمز «التتار»، حيث أراد أن يعبر به عن الاغارة والهزيمة والموت, فالتتار رمز لكل قوة باطشة تعمل على قمع الحق بالقوة، يقول في المذكرة السادسة:

غدا «التتار» سيدخلون مدينتي. أين الرجال؟

عطري سأنضحه على قدم تسير الى القتال

وضفيرتى السوداء أغزلها حبال

لسفينة في الليل تبحر بالرجال

لم يكتف الشاعر بهزيمة التتار فحسب بل جعل كيدهم يرتد الى نحورهم، حتى ماتوا على أبواب القصر فرمز «التتار» يعرض الماضي المهزوم، ويعطي صورة مشرفة للحاضر. وهذا ما نجده في المذكرة السادسة:

هزم «التتار»

رجل البحار على سفينة وفي يده منار

من نور عينيه يضاء كما النهار

خاض المعارك بالمعاول والفؤوس وبالحجار

في النهاية استطاع البحار وبالقليل الذي يملكه, أن يتفوق على الأعداء وهم «التتار» رمز القوة والتسلط هزموهم وعادت حياتهم كما في السابق غوصا وسفرا. ومن خلال هذا الرمز التاريخي استطاع الفايز أن يوصل دلالته الى المتلقي، توصيلا راقيا غير مباشر بالايحاء، ما أكسب العمل مكانة مميزة. ومما تقدم يكتسب الموروث التاريخي مكانة ليست ببسيطة في الشعر المعاصر، كونه يمثل شخصيات ومواقف تاريخية لها اعتبارات تاريخية موثقة، وبالتالي أصبحت تمثل رموزا عامة شاعت في الشعر المعاصر لما لها من دلالات متعددة متأصلة في الوجدان العربي.





* ماجستير أدب عربي

* المرجع... علي عشري، استدعاء الشخصيات التراثية، ص97,98.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي