«14 مارس» رأت في كلامه دعوة لإسقاط المحكمة الدولية
لبنان يضبط «ساعته السياسية» على «نبرة» نصرالله

الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي ترقص خلال حفل ساهر في منطقة البترون شمال لبنان (أ ف ب)


| بيروت - «الراي» |
يضبط لبنان من الآن وحتى الخريف المقبل «ساعته السياسية» على توقيت الاطلالات المبرمجة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي بدأ تصعيداً «متدحرجاً» في ملاقاة القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، المتوقع في سبتمبر او اكتوبر، في ظل «تسريبات» تتحدث عن توجيهه اصابع الاتهام لـ «عناصر غير منضبطة» من «حزب الله».
فلبنان، الذي دخل مع الاطلالة الاولى لنصرالله يوم الجمعة الماضي في مناخ استباقي بالغ التوتر حيال القرار الظني الذي وصفه يومها بـ «المشروع الاسرائيلي»، كان اول من امس مع «نصف» اطلالة للأمين العام لـ «حزب الله» تميزت بالطابع التحذيري وكأنها «توطئة» لكلام من نوع آخر في نصفها الثاني المرتقب بعد ايام.
وكان لافتاً ان نصرالله، الذي خالف التوقعات بأن يقول كلاماً من «العيار الثقيل» في مؤتمره ليل اول من امس، اختار لهجة هادئة لمضمون متشدد بدا معه وكأنه يصدر قراراً اتهامياً بالقرار الظني للمحكمة الدولية وبقوى 14 مارس وفترة حكمها بين 2005 و2008، واعداً بإطلالة «اكثر اثارة» يتناول فيها المحكمة الدولية والملابسات التي تحوط قرارها الظني.
وثمة معلومات اشارت الى ان اكتفاء الامين العام لـ «حزب الله» بـ «نصف» مؤتمر صحافي هادئ النبرة وارجائه «نصفه الآخر» الى وقت لاحق، يعود الى اتصالات محلية واقليمية عملت على «ضبط التوتر» الذي لامس اخيراً حالة انفلات واسعة النطاق، كادت ان تنقل البلاد وسريعاً نحو اضطراب سياسي غير محسوب. ومما ساهم في الاحتواء النسبي للتفاعلات التي احدثها الهجوم الاستباقي لـ «حزب الله» على القرار الظني، والهجوم المعاكس لـ «14 مارس» في الرد عليه، جولات الحوار التي كان بدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع القيادات السياسية، و«الهبة الباردة» التي لفحت العلاقة اللبنانية السورية مع الزيارة الرابعة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري لسورية ولقاءاته الثلاثة مع الرئيس بشار الاسد.
وفيما التقى سليمان امس رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، اشارت معلومات صحافية في بيروت الى ان مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق ناجي البستاني توجه إلى دمشق الخميس لاجراء محادثات مع بعض المسؤولين السوريين، وذلك بهدف استكمال الحوار والتواصل بشأن زيارة الرئيس الأسد للبنان والتي تردّد انها ستكون الأسبوع المقبل او قبل حلول شهر رمضان على أبعد تقدير، وتستمر يوماً واحداً. وأشارت المعلومات إلى أن برنامج الزيارة لا يزال في طور الاعداد الا انه سيتخللها لقاء جامع لمرجعيات وقيادات لبنانية في قصر بعبدا برعاية الرئيس سليمان وحضور الأسد وذلك نتاج حركة المشاورات التي يجريها سليمان راهناً لتحصين مناخ الاستقرار.
وفي موازاة الاستعدادات للزيارة المرتقبة للأسد، برز كلام رئيس الحكومة الذي اشار في حديث صحافي الى أنَّ «تيار المستقبل أجرى مراجعة نقدية للعلاقة مع سورية في الاعوام الماضية، وأنه كانت هناك أخطاء»، مؤكدا أنه لمس خلال زيارته الأخيرة لدمشق «تطوراً في العلاقة بين البلدين»، وكذلك في علاقته مع الرئيس السوري «التي تتصف بالصراحة والمناقشة الهادئة لكل الملفات»، جازما بأنّ قراره فتح صفحة جديدة مع سورية «لا رجوع عنه»، وأنه سمع في المقابل كلاماً مشابهاً من الأسد.
وشدد الحريري على هامش اجتماع خصصه لمناقشة ملف السياحة والاصطياف في السرايا الحكومية، قبيل إطلالة نصر الله، على كون الأمور تأخذ مجراها الصحيح «بالهدوء والتروّي والحكمة، أما بالاحتقان والخطاب المرتفع فلن نصل إلا لمزيد من الاحتقان والانقسام في البلد، وهذا ما لا نريده»، مطمئناً اللبنانيين الى أن «الفتنة لن تقع لأنها بحاجة إلى طرفين».
كما اكد «عدم الخوف من الفتنة المذهبية إذا قرر السياسيون اللبنانيون منع حدوثها»، لافتاً إلى أنه سيتصرف حين تتكشف الحقيقة في قضية اغتيال والده «كنجل رفيق الحريري» بقلبه، «وكرئيس وزراء لبنان» بشخصه، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ «المصلحة الوطنية هي الحقيقة ولو لم تكن الحقيقة مصلحة وطنية لما أنشئت المحكمة».
وكانت بيروت انهمكت يوم امس في قراءة «الرسائل» المتعددة الاتجاه التي انطوى عليها المؤتمر الصحافي للسيّد نصر الله الذي قرأته دوائر «محايدة» على انه بالغ الأهمية رغم نبرته الهادئة وأحدث «ربط نزاع» مع الإطلالة اللاحقة التي ستكون للمحكمة الدولية «حصة الأسد» فيها، في حين اعتبرته قوى «14 مارس» التي توجّه اليها «السيّد» مباشرة بمثابة عملية «تحريض» لسورية ضدّ المناخ الانفتاحي عليها.
وفي هذا الإطار توقفت الدوائر السياسية عند مجموعة نقاط في مؤتمر نصر الله ابرزها:
• الرسائل التي وجّهها الى رئيس الحكومة، والتي بدت بمثابة «ضربة على الحافر وأخرى على المسمار»، والتي حملت مرةً اشادة به لانه «اهل للمسؤولية ويعرف كيف يتصرف»، ومرة أخرى انتقاداً ضمنياً من زاوية انه يعتمد على «قصاصات ورق المستشارين»، قبل ان يلجأ الى «سابقة» تمثلت في خرق قاعدة لطالما اعتمدها وتتمثل في «سرية المداولات» خلال اللقاءات التي يعقدها حين كشف، من باب «الدفاع» عن منطق «حزب الله» في التوجّس من ان القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي «كُتب ولم يبق سوى توقيت اصداره» سيرسو عليه، ان الرئيس سعد الحريري ابلغ اليه (في مايو الماضي) «من باب الحرص» ان هذا القرار سيتّهم أفراداً في «حزب الله» وانه (الحريري) سيعلن ان هؤلاء عناصر «غير منضبطة».
• رميه كرة القرار الظني وسحب «فتيله» في ملعب الرئيس الحريري والمملكة العربية السعودية عبر تأكيده «لا أطلب شيئاً» ولكن «بإمكانهم أن يذهبوا إلى جماعة لعبة الأمم وأن يقولوا لهم إنَّ البلد لا يمكنه احتمال اللعب».
• تشديده على رفض «حزب الله القاطع اتهام اي فرد من «حزب الله» لأنَّ «كل الإعلام سيتعاطى على أساس أنَّ حزب الله متّهم ومدان».
• اعلانه صراحة ان «حزب الله» لا يعترف بقرارات المحكمة ولا تلك التي ستصدرها حتى ولو ادانت تنظيم «القاعدة»، مبرراً ذلك بعدم تغطية لجنة التحقيق الدولية كل فرضيات الاغتيال واهمها ضلوع اسرائيل بها، من دون إغفال التشكيك بدستورية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي اتهمها بتهريب نظام المحكمة الدولية.
• اعلان دخول لبنان «في مرحلة معقدة ودقيقة وحساسة جداً من باب ما يقال عن قرار ظني سيصدر قريباً عن المحكمة الدولية».
• تشديده في موضوع القرار الظني «اننا معتدى علينا، وعندما يُعتدى علينا نعرف جيداً كيف ندافع عن أنفسنا»، من دون ان ينفي احتمال تكرار سيناريو 7 مايو2008 مكتفياً بإعلان أن «حزب الله يدرس أموره جيداً ويتحمّل المسؤولية، وهو لا يريد الآن أن يستبق الأمور».
• اعلان ان «حزب الله» ليس خائفاً من أي شيء على الإطلاق، موجّهاً رسالة «تحذير» ضمنية بقوله: «ليطّلعوا القرار الظني ويخلصونا، ومن يتآمر على المقاومة ولبنان فشلت كل مشاريعه، ويجب أن يكون خائفاً لأن مشاريعه ستهزم من جديد. ونحن أهل حق لا نخاف أبداً ونعرف ماذا فعلنا ونقول لبعض الناس الذين حسبوا خطأً ولم يعرفوا أن يحسبوا صح فليحسبوا صحّ هذه المرة».
• ربطه بين القرار الاتهامي ومصير الوضع الحكومي بتأكيده أنه «حتى صدور القرار الظني لا يناقَش الموضوع الحكومي ولا يُطلب من أحد أن يستقيل، أما بعد القرار الظني، فثمة كلام».
• تأكيده لسورية وحلفائها في لبنان استنفاد مرحلة استهدافهم عبر المحكمة في مقابل بدء مرحلة استهداف المقاومة حصراً، داعياً الى «ان نرتّب على هذا الشق مجموعة من المسؤوليات» واستعجاله ان يزور الرئيس الأسد بيروت.
• انطلاقه من تأكيد ان القرار الظني لن يشمل سورية ليقوم بـ «محاكمة» لفريق «14 مارس» داعياً قادة هذا الفريق الى اجراء مراجعة نقدية والاقتداء بجرأة النائب و«الزعيم» وليد جنبلاط وشجاعته ومصارحة جمهورهم بأنهم كانوا مخطئين كثيرا وكانوا سيجرون البلاد إلى الهاوية»، ومعتبراً أن استجابة هؤلاء القادة لطلبه هذا من عدمه «سيكشف إن كانوا رجال دولة»، وملمحاً الى ان هذه «الفرصة» محصورة زمنياً بالمهلة الفاصلة عن المؤتمر الصحافي التالي، ومنبهاً في الوقت عينه جمهور 14 مارس بالقول: «إذا قررتم ان تبقوا مع قيادات 14 مارس أنتم أحرار ولكن عليكم أن تتحمّلوا المسؤولية».
• استحضار محطات فترة التوتر بين لبنان وسورية في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتأكيده لقوى «14 مارس» انه «لا يكفي قول إننا نريد علاقات جيدة مع سورية في 2010 ويجب القول إننا منذ 2005 كنا مخطئين واخطأنا كثيراً»، موضحاً أنه لا يطلب اعتذاراً، ومستذكراً «كيف أقامت قوى 14 مارس في 14 فبراير 2005 الدنيا وأقعدتها واتهمت سورية من دون تحقيق، وحكمت ودانت وعزلت قضاة وأوقفت ضباطاً وأخذت البلد كله بناءً على هذا الاتهام». واذ سأل عمّا حصل خلال 5 سنوات، اكد أن الأمر لن يمر بهدوء، سائلاً ايضاً عن الضمانة بأنهم لن يفعلوا ذلك مجدداً وعن ذنب الذين حُرض عليهم من الطائفة الشيعية، ومن العمال السوريين الذين تم قتلهم، وصولاً الى مطالبته قادة «14 مارس» ما دمتم «لا تريدون محاكمة شهود الزور ولا من صنعهم وهو أخطر»، بأن «يرفعوا آثار الظلم عمن ظلموا مادياً ومعنوياً، عبر إعادة القضاة والضباط إلى مواقعهم ولو لسنة واحدة».
وقد عكست الردود على مواقف نصر الله ان الواقع اللبناني لا يزال «على اعصابه المشدودة»، اذ اعلن منسق الامانة العامة لقوى 14 مارس الدكتور فارس سعيد ان «السيد نصر الله يطلب من قيادة 14 مارس الاستسلام وليس المراجعة، الاستسلام إلى منطق «حزب الله» القائل ان المحكمة الدولية إسرائيلية وانها بنيت على باطل وبالتالي هي باطلة، وأنه إذا لم نلتحق بنظرة «الحزب الالهي» لطبيعة المحكمة وسلوكها، فهذا يعني أن قيادة «حزب الله» تدخل لبنان في نفق ظالم». وسأل: «لكن هل حزب «الكتائب اللبنانية» هو من قتل النائب بيار الجميل و«تيار المستقبل» قتل الرئيس رفيق الحريري؟ ألا يحق لعائلات هؤلاء أن يطالبوا أعلى سلطة قضائية في العالم بكشف القتلة؟»، مضيفاً: «ما أراد الأمين العام لـ «حزب الله» قوله هو انه لا يكفي الفريق الآخر أي 14 مارس ان يقول انه يريد السلم الأهلي وان يعرض تسويات إنما المطلوب منه وفق ما يريد نصرالله خوض معركة اسقاط المحكمة، وهذا غير ممكن حتى لو أراد أحد ذلك»، مؤكداً «ان لا أحد قادر أن يقوم بتسوية ما مع المحكمة الدولية ولا أي طرف ولا حتى سعد الحريري، بالاضافة إلى ان نصر الله يعرف ان ليس بهذه هكذا تحصل الأمور».
وتابع سعيد: «هناك رغبة ومصلحة بالحفاظ على السلم الأهلي، ولكن هل هذه هي الطريق لاستدراج المصالحة من اللبنانيين بالتهديد والتهويل؟»، متسائلاً: «لماذا لا نقول ان نقطة الاجماع الوحيدة في أول جلسة لطاولة الحوار كانت المحكمة الدولية؟ ولماذا هناك انقلاب عليها اليوم وعلى القرار 1701، فلماذا ننقلب على كل نقاط الاجماع الآن مثلاً؟»، ومعتبراً «ان نصر الله يبلغ السوري انه لولاي لما صمدت في البلد فأنا الذي قمت بمظاهرة 8 مارس 2005، وأنا الذي رعيت أيتامك في لبنان، ويقول له انت قد سويت وضعك أما أنا فلا»، مشيراً إلى «ان سورية أعلنت أنها ستتعامل مع القرار الاتهامي ولم ترفضه سلفاً وهذا هو الفرق الوحيد بين حزب الله وسورية».
وأعرب عن اعتقاده أن نصر الله بدا في هذا الخطاب مربكاً، لأنه يعتبر أن هندسة المصالحة اللبنانية السورية تحت عباءة المملكة العربية السعودية وخارج إطار دفتر شروط «حزب الله» يربك الحزب، ويعتبر أن هذه المصالحة تدخل في إطار تفلت سورية من مسؤولياتها في الجرائم التي حصلت في لبنان، بدءا من جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتحميل «حزب الله» المسؤولية.
وختم: «إذا ارتضى «حزب الله» أن يعود إلى الدولة اللبنانية بشروط الدولة اللبنانية فإننا سننجو جميعا من هذه المشكلات».
ورأى نائب «القوات اللبنانية» انطوان زهرا ان الامين العام لـ«حزب الله» «يطالب بشكل غير مباشر من الحكومة اللبنانية ومن رئيسها اتخاذ القرار بطلب وقف عمل المحكمة الدولية على اساس ان مضبطة الاتهام صدرت من «حزب الله» بحقها وانها مسيّسة وتستهدفه»، مضيفاً: «خلاصة الامر، ان نصر الله وضع سلسلة شروط يطلب فيها من قيادات «14 مارس» ليس المراجعة إنما التراجع عن كل شيء، وكأن لبنان عاش وضعاً مثالياً في ظل الوجود السوري وصولاً الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
واعتبر القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أنه «في حال صدور القرار الظني ننتظر المعطيات المادية من خلال اتهام معلل ومبني على اسس مادية ووقائع لاخذ الموقف المناسب على المستوى السياسي، اما اذا كان القرار الظني ضعيفا فسيكون لتيار المستقبل موقف آخر يرفض اتهام بريء في جريمة اغتيال الرئيس الحريري».
ورأى علوش ان «نبرة نصرالله كانت أقل حدة مقارنة بالتوتر البالغ الذي اتسم به الخطاب السابق الا ان المحتوى هو نفسه»، لافتا الى أن «أجوبة الأمين العام لـ «حزب الله» أكدت أن احتمال الذهاب الى النهاية في مواجهة المحكمة الدولية هو المطروح».
يضبط لبنان من الآن وحتى الخريف المقبل «ساعته السياسية» على توقيت الاطلالات المبرمجة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي بدأ تصعيداً «متدحرجاً» في ملاقاة القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، المتوقع في سبتمبر او اكتوبر، في ظل «تسريبات» تتحدث عن توجيهه اصابع الاتهام لـ «عناصر غير منضبطة» من «حزب الله».
فلبنان، الذي دخل مع الاطلالة الاولى لنصرالله يوم الجمعة الماضي في مناخ استباقي بالغ التوتر حيال القرار الظني الذي وصفه يومها بـ «المشروع الاسرائيلي»، كان اول من امس مع «نصف» اطلالة للأمين العام لـ «حزب الله» تميزت بالطابع التحذيري وكأنها «توطئة» لكلام من نوع آخر في نصفها الثاني المرتقب بعد ايام.
وكان لافتاً ان نصرالله، الذي خالف التوقعات بأن يقول كلاماً من «العيار الثقيل» في مؤتمره ليل اول من امس، اختار لهجة هادئة لمضمون متشدد بدا معه وكأنه يصدر قراراً اتهامياً بالقرار الظني للمحكمة الدولية وبقوى 14 مارس وفترة حكمها بين 2005 و2008، واعداً بإطلالة «اكثر اثارة» يتناول فيها المحكمة الدولية والملابسات التي تحوط قرارها الظني.
وثمة معلومات اشارت الى ان اكتفاء الامين العام لـ «حزب الله» بـ «نصف» مؤتمر صحافي هادئ النبرة وارجائه «نصفه الآخر» الى وقت لاحق، يعود الى اتصالات محلية واقليمية عملت على «ضبط التوتر» الذي لامس اخيراً حالة انفلات واسعة النطاق، كادت ان تنقل البلاد وسريعاً نحو اضطراب سياسي غير محسوب. ومما ساهم في الاحتواء النسبي للتفاعلات التي احدثها الهجوم الاستباقي لـ «حزب الله» على القرار الظني، والهجوم المعاكس لـ «14 مارس» في الرد عليه، جولات الحوار التي كان بدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع القيادات السياسية، و«الهبة الباردة» التي لفحت العلاقة اللبنانية السورية مع الزيارة الرابعة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري لسورية ولقاءاته الثلاثة مع الرئيس بشار الاسد.
وفيما التقى سليمان امس رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، اشارت معلومات صحافية في بيروت الى ان مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق ناجي البستاني توجه إلى دمشق الخميس لاجراء محادثات مع بعض المسؤولين السوريين، وذلك بهدف استكمال الحوار والتواصل بشأن زيارة الرئيس الأسد للبنان والتي تردّد انها ستكون الأسبوع المقبل او قبل حلول شهر رمضان على أبعد تقدير، وتستمر يوماً واحداً. وأشارت المعلومات إلى أن برنامج الزيارة لا يزال في طور الاعداد الا انه سيتخللها لقاء جامع لمرجعيات وقيادات لبنانية في قصر بعبدا برعاية الرئيس سليمان وحضور الأسد وذلك نتاج حركة المشاورات التي يجريها سليمان راهناً لتحصين مناخ الاستقرار.
وفي موازاة الاستعدادات للزيارة المرتقبة للأسد، برز كلام رئيس الحكومة الذي اشار في حديث صحافي الى أنَّ «تيار المستقبل أجرى مراجعة نقدية للعلاقة مع سورية في الاعوام الماضية، وأنه كانت هناك أخطاء»، مؤكدا أنه لمس خلال زيارته الأخيرة لدمشق «تطوراً في العلاقة بين البلدين»، وكذلك في علاقته مع الرئيس السوري «التي تتصف بالصراحة والمناقشة الهادئة لكل الملفات»، جازما بأنّ قراره فتح صفحة جديدة مع سورية «لا رجوع عنه»، وأنه سمع في المقابل كلاماً مشابهاً من الأسد.
وشدد الحريري على هامش اجتماع خصصه لمناقشة ملف السياحة والاصطياف في السرايا الحكومية، قبيل إطلالة نصر الله، على كون الأمور تأخذ مجراها الصحيح «بالهدوء والتروّي والحكمة، أما بالاحتقان والخطاب المرتفع فلن نصل إلا لمزيد من الاحتقان والانقسام في البلد، وهذا ما لا نريده»، مطمئناً اللبنانيين الى أن «الفتنة لن تقع لأنها بحاجة إلى طرفين».
كما اكد «عدم الخوف من الفتنة المذهبية إذا قرر السياسيون اللبنانيون منع حدوثها»، لافتاً إلى أنه سيتصرف حين تتكشف الحقيقة في قضية اغتيال والده «كنجل رفيق الحريري» بقلبه، «وكرئيس وزراء لبنان» بشخصه، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ «المصلحة الوطنية هي الحقيقة ولو لم تكن الحقيقة مصلحة وطنية لما أنشئت المحكمة».
وكانت بيروت انهمكت يوم امس في قراءة «الرسائل» المتعددة الاتجاه التي انطوى عليها المؤتمر الصحافي للسيّد نصر الله الذي قرأته دوائر «محايدة» على انه بالغ الأهمية رغم نبرته الهادئة وأحدث «ربط نزاع» مع الإطلالة اللاحقة التي ستكون للمحكمة الدولية «حصة الأسد» فيها، في حين اعتبرته قوى «14 مارس» التي توجّه اليها «السيّد» مباشرة بمثابة عملية «تحريض» لسورية ضدّ المناخ الانفتاحي عليها.
وفي هذا الإطار توقفت الدوائر السياسية عند مجموعة نقاط في مؤتمر نصر الله ابرزها:
• الرسائل التي وجّهها الى رئيس الحكومة، والتي بدت بمثابة «ضربة على الحافر وأخرى على المسمار»، والتي حملت مرةً اشادة به لانه «اهل للمسؤولية ويعرف كيف يتصرف»، ومرة أخرى انتقاداً ضمنياً من زاوية انه يعتمد على «قصاصات ورق المستشارين»، قبل ان يلجأ الى «سابقة» تمثلت في خرق قاعدة لطالما اعتمدها وتتمثل في «سرية المداولات» خلال اللقاءات التي يعقدها حين كشف، من باب «الدفاع» عن منطق «حزب الله» في التوجّس من ان القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي «كُتب ولم يبق سوى توقيت اصداره» سيرسو عليه، ان الرئيس سعد الحريري ابلغ اليه (في مايو الماضي) «من باب الحرص» ان هذا القرار سيتّهم أفراداً في «حزب الله» وانه (الحريري) سيعلن ان هؤلاء عناصر «غير منضبطة».
• رميه كرة القرار الظني وسحب «فتيله» في ملعب الرئيس الحريري والمملكة العربية السعودية عبر تأكيده «لا أطلب شيئاً» ولكن «بإمكانهم أن يذهبوا إلى جماعة لعبة الأمم وأن يقولوا لهم إنَّ البلد لا يمكنه احتمال اللعب».
• تشديده على رفض «حزب الله القاطع اتهام اي فرد من «حزب الله» لأنَّ «كل الإعلام سيتعاطى على أساس أنَّ حزب الله متّهم ومدان».
• اعلانه صراحة ان «حزب الله» لا يعترف بقرارات المحكمة ولا تلك التي ستصدرها حتى ولو ادانت تنظيم «القاعدة»، مبرراً ذلك بعدم تغطية لجنة التحقيق الدولية كل فرضيات الاغتيال واهمها ضلوع اسرائيل بها، من دون إغفال التشكيك بدستورية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي اتهمها بتهريب نظام المحكمة الدولية.
• اعلان دخول لبنان «في مرحلة معقدة ودقيقة وحساسة جداً من باب ما يقال عن قرار ظني سيصدر قريباً عن المحكمة الدولية».
• تشديده في موضوع القرار الظني «اننا معتدى علينا، وعندما يُعتدى علينا نعرف جيداً كيف ندافع عن أنفسنا»، من دون ان ينفي احتمال تكرار سيناريو 7 مايو2008 مكتفياً بإعلان أن «حزب الله يدرس أموره جيداً ويتحمّل المسؤولية، وهو لا يريد الآن أن يستبق الأمور».
• اعلان ان «حزب الله» ليس خائفاً من أي شيء على الإطلاق، موجّهاً رسالة «تحذير» ضمنية بقوله: «ليطّلعوا القرار الظني ويخلصونا، ومن يتآمر على المقاومة ولبنان فشلت كل مشاريعه، ويجب أن يكون خائفاً لأن مشاريعه ستهزم من جديد. ونحن أهل حق لا نخاف أبداً ونعرف ماذا فعلنا ونقول لبعض الناس الذين حسبوا خطأً ولم يعرفوا أن يحسبوا صح فليحسبوا صحّ هذه المرة».
• ربطه بين القرار الاتهامي ومصير الوضع الحكومي بتأكيده أنه «حتى صدور القرار الظني لا يناقَش الموضوع الحكومي ولا يُطلب من أحد أن يستقيل، أما بعد القرار الظني، فثمة كلام».
• تأكيده لسورية وحلفائها في لبنان استنفاد مرحلة استهدافهم عبر المحكمة في مقابل بدء مرحلة استهداف المقاومة حصراً، داعياً الى «ان نرتّب على هذا الشق مجموعة من المسؤوليات» واستعجاله ان يزور الرئيس الأسد بيروت.
• انطلاقه من تأكيد ان القرار الظني لن يشمل سورية ليقوم بـ «محاكمة» لفريق «14 مارس» داعياً قادة هذا الفريق الى اجراء مراجعة نقدية والاقتداء بجرأة النائب و«الزعيم» وليد جنبلاط وشجاعته ومصارحة جمهورهم بأنهم كانوا مخطئين كثيرا وكانوا سيجرون البلاد إلى الهاوية»، ومعتبراً أن استجابة هؤلاء القادة لطلبه هذا من عدمه «سيكشف إن كانوا رجال دولة»، وملمحاً الى ان هذه «الفرصة» محصورة زمنياً بالمهلة الفاصلة عن المؤتمر الصحافي التالي، ومنبهاً في الوقت عينه جمهور 14 مارس بالقول: «إذا قررتم ان تبقوا مع قيادات 14 مارس أنتم أحرار ولكن عليكم أن تتحمّلوا المسؤولية».
• استحضار محطات فترة التوتر بين لبنان وسورية في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتأكيده لقوى «14 مارس» انه «لا يكفي قول إننا نريد علاقات جيدة مع سورية في 2010 ويجب القول إننا منذ 2005 كنا مخطئين واخطأنا كثيراً»، موضحاً أنه لا يطلب اعتذاراً، ومستذكراً «كيف أقامت قوى 14 مارس في 14 فبراير 2005 الدنيا وأقعدتها واتهمت سورية من دون تحقيق، وحكمت ودانت وعزلت قضاة وأوقفت ضباطاً وأخذت البلد كله بناءً على هذا الاتهام». واذ سأل عمّا حصل خلال 5 سنوات، اكد أن الأمر لن يمر بهدوء، سائلاً ايضاً عن الضمانة بأنهم لن يفعلوا ذلك مجدداً وعن ذنب الذين حُرض عليهم من الطائفة الشيعية، ومن العمال السوريين الذين تم قتلهم، وصولاً الى مطالبته قادة «14 مارس» ما دمتم «لا تريدون محاكمة شهود الزور ولا من صنعهم وهو أخطر»، بأن «يرفعوا آثار الظلم عمن ظلموا مادياً ومعنوياً، عبر إعادة القضاة والضباط إلى مواقعهم ولو لسنة واحدة».
وقد عكست الردود على مواقف نصر الله ان الواقع اللبناني لا يزال «على اعصابه المشدودة»، اذ اعلن منسق الامانة العامة لقوى 14 مارس الدكتور فارس سعيد ان «السيد نصر الله يطلب من قيادة 14 مارس الاستسلام وليس المراجعة، الاستسلام إلى منطق «حزب الله» القائل ان المحكمة الدولية إسرائيلية وانها بنيت على باطل وبالتالي هي باطلة، وأنه إذا لم نلتحق بنظرة «الحزب الالهي» لطبيعة المحكمة وسلوكها، فهذا يعني أن قيادة «حزب الله» تدخل لبنان في نفق ظالم». وسأل: «لكن هل حزب «الكتائب اللبنانية» هو من قتل النائب بيار الجميل و«تيار المستقبل» قتل الرئيس رفيق الحريري؟ ألا يحق لعائلات هؤلاء أن يطالبوا أعلى سلطة قضائية في العالم بكشف القتلة؟»، مضيفاً: «ما أراد الأمين العام لـ «حزب الله» قوله هو انه لا يكفي الفريق الآخر أي 14 مارس ان يقول انه يريد السلم الأهلي وان يعرض تسويات إنما المطلوب منه وفق ما يريد نصرالله خوض معركة اسقاط المحكمة، وهذا غير ممكن حتى لو أراد أحد ذلك»، مؤكداً «ان لا أحد قادر أن يقوم بتسوية ما مع المحكمة الدولية ولا أي طرف ولا حتى سعد الحريري، بالاضافة إلى ان نصر الله يعرف ان ليس بهذه هكذا تحصل الأمور».
وتابع سعيد: «هناك رغبة ومصلحة بالحفاظ على السلم الأهلي، ولكن هل هذه هي الطريق لاستدراج المصالحة من اللبنانيين بالتهديد والتهويل؟»، متسائلاً: «لماذا لا نقول ان نقطة الاجماع الوحيدة في أول جلسة لطاولة الحوار كانت المحكمة الدولية؟ ولماذا هناك انقلاب عليها اليوم وعلى القرار 1701، فلماذا ننقلب على كل نقاط الاجماع الآن مثلاً؟»، ومعتبراً «ان نصر الله يبلغ السوري انه لولاي لما صمدت في البلد فأنا الذي قمت بمظاهرة 8 مارس 2005، وأنا الذي رعيت أيتامك في لبنان، ويقول له انت قد سويت وضعك أما أنا فلا»، مشيراً إلى «ان سورية أعلنت أنها ستتعامل مع القرار الاتهامي ولم ترفضه سلفاً وهذا هو الفرق الوحيد بين حزب الله وسورية».
وأعرب عن اعتقاده أن نصر الله بدا في هذا الخطاب مربكاً، لأنه يعتبر أن هندسة المصالحة اللبنانية السورية تحت عباءة المملكة العربية السعودية وخارج إطار دفتر شروط «حزب الله» يربك الحزب، ويعتبر أن هذه المصالحة تدخل في إطار تفلت سورية من مسؤولياتها في الجرائم التي حصلت في لبنان، بدءا من جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتحميل «حزب الله» المسؤولية.
وختم: «إذا ارتضى «حزب الله» أن يعود إلى الدولة اللبنانية بشروط الدولة اللبنانية فإننا سننجو جميعا من هذه المشكلات».
ورأى نائب «القوات اللبنانية» انطوان زهرا ان الامين العام لـ«حزب الله» «يطالب بشكل غير مباشر من الحكومة اللبنانية ومن رئيسها اتخاذ القرار بطلب وقف عمل المحكمة الدولية على اساس ان مضبطة الاتهام صدرت من «حزب الله» بحقها وانها مسيّسة وتستهدفه»، مضيفاً: «خلاصة الامر، ان نصر الله وضع سلسلة شروط يطلب فيها من قيادات «14 مارس» ليس المراجعة إنما التراجع عن كل شيء، وكأن لبنان عاش وضعاً مثالياً في ظل الوجود السوري وصولاً الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
واعتبر القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أنه «في حال صدور القرار الظني ننتظر المعطيات المادية من خلال اتهام معلل ومبني على اسس مادية ووقائع لاخذ الموقف المناسب على المستوى السياسي، اما اذا كان القرار الظني ضعيفا فسيكون لتيار المستقبل موقف آخر يرفض اتهام بريء في جريمة اغتيال الرئيس الحريري».
ورأى علوش ان «نبرة نصرالله كانت أقل حدة مقارنة بالتوتر البالغ الذي اتسم به الخطاب السابق الا ان المحتوى هو نفسه»، لافتا الى أن «أجوبة الأمين العام لـ «حزب الله» أكدت أن احتمال الذهاب الى النهاية في مواجهة المحكمة الدولية هو المطروح».