المحكمة الكلية انتصرت لحق «نائب يمثل الأمة في انتقاد سياسة عضو في الحكومة إبان الأزمة المالية عبر قناة فضائية»

براءة البراك وتلفزيون «الراي» من تهمة التشهير بوزير المالية

تصغير
تكبير
| كتب أحمد لازم |

مجدداً انتصرت عدالة القضاء لحرية الكلمة في البلاد، اذ قضت المحكمة الكلية (الدائرة: جنايات 3) في جلستها برئاسة المستشار حمود المطوع وعضوية القاضيين فيصل العسكري ووليد المذكور، وبحضور ممثل النيابة فراس الشطي، وأمين سر الجلسة سيد مهدي ببراءة النائب مسلم البراك وتلفزيون «الراي» ممثلاً في مدير عام القناة يوسف أحمد الجلاهمة، ومذيع برنامج «لقاء الراي» بسام منصور الجزاف، ومخرج البرنامج علي محمد معلم ببراءتهم جميعاً من تهمة التشهير أو المساس بكرامة وزير المالية مصطفى الشمالي عبر برنامج القناة المذكور.

وفندت المحكمة حيثيات حكمها في هذه القضية التي حملت رقم (27/2009 جنح إعلام مرئي ومسموع) المرفوعة من النيابة العام ضد كل من (1) مسلم محمد حمد البراك (2) بسام منصور ناصر الجزاف (3) علي محمد معلم (4) يوسف أحمد محمد الجلاهمة فندته على النحو التالي:



بعد مطالعة الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانوناً، من حيث ان النيابة العامة أسندت للمتهمين أنهم في يوم 19/2/2009 بدائرة دولة الكويت، بثوا وأعادوا بث البرنامج «لقاء الراي» والمتضمن العبارات الصادرة من المتهم والتي تضمنت المساس بكرامة المجني عليه مصطفى جاسم الشمالي والحض على كراهيته وازدرائه بين فئات المجتمع لكونه موظفاً عاماً ومكلفاً بخدمة عامة انطوت على تجريح لشخصه والاساءة إليه على النحو المبين بالتحقيقات.

وطلبت معاقبتهم بالمواد 1/1-2-3-4-5، 4/1، 11/10-11-12، 13/1 بند 2، 2، 17، 18، 19 من القانون رقم 61 لسنة 2007 بشأن الإعلام المرئي والمسموع.

وذلك استناداً الى أدلة الثبوت التي ركنت إليها النيابة العامة في إحالة القضية للمحكمة من شهادة وكيل الشاكي ومما ثبت من محضر تفريغ القرص المدمج للمقابلة التي تم بثها موضوع الاتهام.

حيث شهد بتحقيقات النيابة العامة المحامي حسين علي العبدالله وكيل الشاكي جاسم مصطفى الشمالي - بأن قناة «الراي» الفضائية التي يديرها المتهم الرابع يوسف الجلاهمة بثت بتاريخ 19/2/2009 مقابلة مع المتهم الأول مسلم البراك حاوره فيها المتهم الثاني بسام الجزاف مقدم برنامج «لقاء الراي» حيث صدرت من الأول عبارات وأقوال تمس سمعة وكرامة المجني عليه مصطفى جاسم الشمالي «وزير المالية» وتحط من قدره موصفاً اياه بأنه «وزير التوهان»، وبأنه سطح معاناة 250 ألف مواطن، وفتح حنفية المال العام الكويتي، وأنه يغش الناس ويساعد كبار المتنفذين على الاستيلاء على المال العام، كما يساعد أصحاب النفوذ على تهريب أموالهم الى الخارج، وأنه لا يعلم عن شؤون وزارته أي شيء نافياً وجود خلافات سابقة بين الطرفين.

وحيث انه بسؤال المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة أنكر ما أسند إليه، ودافع بأن صفته النيابية تحتم عليه نقد ومحاسبة الوزراء، وبأن الوزير الشاكي كان قد صرح قبل وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية بعافية السوق الكويتي وأن أفضل وقت لشراء الأسهم هي تلك الأيام مما دفع الناس للاقبال على شرائها وتبع ذلك انهيار أسعار البورصة وفي ذلك تضليل للشارع، وأن نقده انصب على حزمة قوانين مالية منها قانون الاستقرار المالي بحسبان أنه يفيد شركات محدودة، وأنه قصد بلفظ وزير «التوهان» انه توه الناس بتصريحاته، فضلاً عن تعليقه على قانون المعسرين ان سبب ذلك ضعف رقابة البنك المركزي على البنوك فنجم عنه اضطراب الحالة المالية لعامة الناس وملاحقتهم قضائياً.

وحيث انه بسؤال المتهم الثاني بتحقيقات النيابة العامة انكر ما نسب اليه، واقر بأن المتهم الاول هو المسؤول عن كلامه.

وسئل المتهم الرابع فأنكر ما نسب اليه قرر بأن الحوار الذي اعده لم يكن متعلقا بشخص الوزير الشاكي، وانما تعلق بقانون الاستقرار المالي الذي تقدمت به الحكومة وكانت المقابلة مع نائب برلماني يمثل كتلة سياسية معارضة لذلك القانون لابداء رأيه، مشيرا الى انه ليس ثمة ضرر اصاب ذلك الوزير بدليل تجديد الثقة له باعادة تعيينه في منصبه.

وحيث ثبت من محضر تفريغ شريط «DVD» الخاص بالبرنامج سالف الاشارة انه تضمن لقاء تلفزيونيا على قناة الراي بتاريخ 19/2/2009 مع المتهم الاول ردد فيه العبارات المنوه عنها بأقوال وكيل الشاكي بالتحقيقات بحق موكله مصطفى جاسم الشمالي وزير المالية في سياق الحوار عن رأيه والكتلة التي يمثلها في قانون الاستقرار المالي والمشكلة الاقتصادية.

وحيث احيلت القضية للمحكمة وبها نظرت على النحو المبني بمحاضر جلساتها، فلم يحضر اي من المتهمين وحضر مدافعون عنهم، كما حضر محام عن الشاكي وادعى مدنيا قبل المتهمين بملغ 5001 دينار على سبيل التعويض المدني الموقت بموجب صحيفة معلنة سدد رسمه وترافع شفاه وقدم مذكرة وقرر بأن ثمة دعوى مدنية اقامها امام المحكمة المدنية برقم 1094/2009 مدني كلي وصدر فيهاحكم بالوقف، وورد خطاب رئيس مجلس الامة بما يفيد رفع الحصانة النيابية عن المتهم الاول، وترافع الحاضرون عن المتهمين شفاهة وقدموا مذكرات بدفاعهم التمسوا في ختامها البراءة كما دفع الحاضر عن المتهم الاول بسقوط الدعوى الجزائية بمرور ثلاثة اشهر.

وحيث قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة 19/4/2010 ومد أجل الحكم لاستكمال المداولة وليصدر بجلسة اليوم. وحيث انه عن الدفع المبدي من دفاع المتهم الاول بسقوط الدعوى الجزائية بمرور ثلاثة اشهر فهو غير سديد، ذلك ان القانون رقم 61 لسنة 2007 بشأن الاعلام المرئي والمسموع قد خلت نصوصه من ميعاد سقوط محدد كما هو الشأن في المادة 25 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر، الامر الذي يضحي معه هذا الدفع غير قائم على سند من القانون خليقا بالرفض.

وحيث انه من المقرر ان الاصل الدستوري هو حرية الفكر وابداء الرأي بما في ذلك حق النقد، وان الاستثناء هو القيد، ولا يجوز ان يمحو الاستثناء الاصل او يجوز عليه او يعطله، فيقتصر اثره على الحدود التي وردت به، وان النشر والنقد المباح هو الذي لايتضمن ما يخدش الاداب العامة او يمس كرامة الاشخاص او حريتهم الشخصية التي كفلها الدستور والقانون، فإذا لم يتجاوز النشر والنقد هذا الحد فإنه لا محل لمؤاخذة المسؤول عنه باعتباره مرتكبا لجريمة السب او القذف او الاهانة حسب الاحوال. ومن المقرر ان انتقاد القائمين بالعمل العام - وان كان مريرا - يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية، او يجاوز الاعراض المقصودة من ارسائها.

وليس جائزا بالتالي ان تفترض في كل واقعة جرى اسنادها الى احد القائمين بالعمل العام، انها واقعة زائفة او ان سوء القصد قد خالطها كذلك فإن الآراء التي تم نشرها في حق احد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة، لايجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في اعلى درجاتها من عرض انحرافهم، وان يكون المواطنون على بينة من دخائلها ويتعين دوما ان تتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها، (الطعن رقم 37 لسنة 11 ق دستورية عليا جلسة 6/2/1993)، وان اداء وسيلة الاعلام قد ينطوي احيانا على ما يمس شرف احد الاشخاص في صورة قذفه بعبارات قاسية بحيث يتبين ان اداء هذه الوظيفة غير ممكن في الصورة التي تقتضيها مصلحة المجتمع من دون هذا المساس، فاذا ثبت ذلك تعين اباحة هذا المساس ترجيحا بين حقين احدهما اكثر اهمية من الآخر (جلسة 8/2/1995 طعن 1512 سنة 59 ق- 46-349).

كما انه من المقرر انه اذا كان الهدف من النشر اثارة قضية عامة ونقد موقف جهة ما تحقيقا للصالح العام، فان الناشر- وان اشتدت عبارته وعنف تعليقه- يكون ملتزما حدود النقد المباح، وبالتالي ينتفي خطأه الموجب للمسؤولية (الطعن 85/92 تجاري جلسة 3/1/1993)، وكان من المقرر ايضا ان المرجع في تعرف حقيقة الفاظ الاهانة او المساس بالكرامة او الحياة الخاصة هو بما يطمئن اليه قاضي الموضوع من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة التمييز ما دام لم يخطئ في التطبيق القانوني للواقعة (الطعن 27/2007 جزائي جلسة 5/6/2007) لم ينشر.

لما كان ذلك، وحيث انه بالنسبة للاتهام المسند للمتهم الأول، فان المحكمة وبعد ان احاطت بظروف الدعوى وملابساتها ومحصت ادلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيره ودفاع المتهمين فيها، لا ترى ان تلك العبارات- تقييما لها في سياق الحديث وموضوعه- وحسب ما توجبه المصلحة العامة في اعلى درجاتها من عرض الانحرافات بالمصالح والمرافق العامة وثروة الوطن، بحسب تعبير المحكمة الدستورية المصرية، انه قد قصد منها التشهير بالشاكي او النيل منه او الحط من كرامته، اذ كانت مناسبة تلفظه بتلك العبارات اثناء حديث مطول له عن رأيه بقانون الاستقرار المالي كأحد افرازات الأزمة المالية والذي يتصل بالثروة الوطنية ويمس بلا مراء افراد المجتمع قاطبين، واذا كان الشكاي يعد من الشخصيات العامة بصفته وزيرا للمالية وفي مقام مباشرته لاختصاصه كموظف عام قد اطلق تصريحات تتعلق بالحالة الاقتصادية والمالية للدولة- وهو ما يقابله بطبيعة الحال حق النقد والتقييم وابداء الرأي فيما ادلى به- فان الطعن في اعماله وهو بتلك الصفة يكون حقا منتظما لجميع المواطنين بصفة عامة والصحافيين على وجه الخصوص بالنظر لاتصال الموضوع بمصالح الناس نفاذا إلى الحقائق والمعلومات المتصلة بالشأن العام، واذا كان الناقد وهو المتهم الأول نائبا في البرلمان الكويتي فهو بهذه الصفة يعد من اول المعنيين بالشأن العام ومنوطا به المراقبة والنقد والمحاسبة لاعضاء الحكومة بشكل خاص ذودا عن المصلحة العامة وان جاء نقده في قناة فضائية فذلك مما لا يسلبه واجبه الدستوري، هذا بحسب الاصل، والمحكمة في تمحيصها لعبارات المتهم في سياق الحديث الذي ادلى به فانها لم تلتمس غلبة قصد التشهير في نفسه بغية المساس بكرامة الشاكي نكالا بشخصه، وان لذع في جانب منه وقسا، وانما طالته عباراته بصفته شخصية عامة وضع نفسه تحت مجهر المراقبة الشعبية لاعماله، وان الفاظ المتهم تلك قد وردت في مقام عرض رأيه المخالف لقانون الاستقرار المالي وقانون المعسرين وقانون ضمان الودائع وتعاطي الحكومة ممثلة بوزارة المالية مع الحالة الاقتصادية الكويتية ووجهها منتقدا الشخص المعني وهو الشاكي بصفته وزيرا للمالية في الوقت الذي تعيش فيه البلاد مخاض الازمة الاقتصادية العالمية، فضلا عن ان تلك الالفاظ محل الاتهام هي مما جرت العادة على المساجلة بها في اعرق الديموقراطيات بين الاقطاب السياسية الانداد وليست بذاتها مما تعتبر مهينة حاطة بالكرامة لكونها جاءت في معرض نقد اعمال الوظيفة واتصالها بها وعن قضية عامة، بقصد عرض الحقائق والمحاسبة، ولم توجه طعنا بشخصه ويظاهر ذلك ان وكيل الشاكي قد نفى بالتحقيقات ان تكون ثمة خلافات سابقة بين الطرفين، وهو ما يرجح لدى المتهم الاول غلبة قصد الحرص على مصلحة المجتمع واطلاع الرأي العام بما يدور عن قصد الاساءة، بما ينهض معه سبب الاباحة التي رخصها المشرع في المادتين 213/أولا، 214/اولا من قانون الجزاء في مثل هذه الاحوال وان عنف تعليقه واشتدت عبارته ترجيحا بين حقين ايهما اولى بالرعاية وبالتالي لا تندرج عباراته في تقدير المحكمة تحت طائلة جريمتي السب والقذف لتغدو نقدا مباحا ولتضحي من بعد ذلك الاوراق قد خلت من فعلها المؤثم بحق المتهم الأول ولا محل لمؤاخذته لتنتهي من بعد بتبرئة ساحته عملا بنص المادة 172/2 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.

وحيث انه بالنسبة لكل من المتهمين الثاني والثالث والرابع فان المحكمة ترى ان دور المتهم الثاني قد اقتصر على توجيه للأسئلة وليس بها ما يشير إلى التحريض على الادلاء باقوال تعد قذفا او سبا، وان الموضوع الذي اعده المتهم الرابع لا يعدو ان يكون مادة اعلامية رتبها لاجراء حوار سياسي مع شخصية الضيف تمكينا لحرية عرض الآراء وتداولها في آفاق مفتوحة، كما تنتفي التهمة عن المتهم الثالث مخرج البرنامج، لاسيما وان ما بدر من المتهم الاول من اقوال قد اعتبرتها المحكمة من قبيل النقد المباح الامر الذي تنتهي معه إلى براءة بقية المتهمين مما نسب اليهم عملا بنص المادة 172/1 ذاتها.

وحيث انه عن الدعوى المدنية فانها لما كان وكيل المدعي بالحق المدني قد قرر امام هذه المحكمة بوجود دعوى مدنية مقيدة تحت رقم 1094/2009 مدني كلي وصدر حكم بوقفها تعليقا لحين صدور حكم جزائي، فان المحكمة تترك امر متابعة اجراءات الدعوى المدنية المرفوعة امام هذه المحكمة بضمها إلى الدعوى المدنية سالفة الاشارة للارتباط للمدعي، مكتفية بايراده بالاسباب دون النص عليه في المنطوق، فلهذه الاسباب حكمت المحكمة حضوريا ببراءة المتهمين عما اسند.



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي