في ضوء التحدي الودي بين سعادة سفيرة الولايات المتحدة السيدة ديبورا جونز وجريدة «الراي» (الراي، السبت 17 يوليو)، حول عدم زج حكومة الولايات المتحدة لمخالفيها بالرأي في السجن.
اقول انه لم يوجد نظام لم يسجن معارضين سياسيين، لا رأسمالي ولا اشتراكي، لا في الماضي ولا في الحاضر، والتاريخان البعيد والقريب يشهدان أن كثيراً من السياسيين الذين حوكموا وسجنوا كان ذنبهم رأيهم المخالف لنظام الحكم أو لسياسته، سواء كانوا عنيفين أم مسالمين.
وفي كتاب «كثيرة هي الجرائم- المكارثية في أميركا»، لمؤلفته إيلين ستشكر ، والذي طبع في جامعة برينستون عام 1999، تذكر مؤلفته القمع السياسي باسم الأمن القومي في الولايات المتحدة في خمسينات القرن الماضي والذي قاده السيناتور مكارثي وعرفت المرحلة باسم المكارثية، هذا القمع الذي جاء بحجة القضاء على الخطر الأحمر أو الأفكار الشيوعية وطالت الآلاف من الكتاب والفنانين والمثقفين والمحامين، فتم التحقيق معهم وسجن المئات منهم وطرد أكثر من 12 ألفا من وظائفهم، منهم مخرجون وممثلون سينمائيون، بما سمي «القائمة السوداء في هوليود»، وكان أشهرهم تشارلي تشابلن ومارلين مونرو، كما طالت الملاحقة السياسية الكاتب المسرحي العالمي المرموق آرثر ميللر، وكانت تلك «من أكثر اللحظات المخجلة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث»، كما عبرت بعض الأدبيات الأميركية، فأفادت تقارير الاستخبارات الأميركية CIA مثلاً، «أن تشارلي تشابلن خطر على الأمن القومي الأميركي».
وخلال حملة التطهير الواسعة في صفوف الكتاب والمثقفين، منعت المكارثية نشر أي أفكار تتفق وأفكار هؤلاء، كما تم خنق حرية الفكر والنقد في الجامعات.
ولكن هذه الحملة ألغيت لاحقاً بعد مطالبات واسعة من الشعب الأميركي، لأنها تخالف الدستور الأميركي، ورد الاعتبار للملاحقين سياسياً وتم تكريمهم.
وفي عمودها بعنوان «إبقاء أميركا آمنة تكتيك يمثل المكارثية» في جريدة ديلي يونيفرستي أوف واشنطن في 8 مارس 2010، كتبت إميلي مكفادن عن الحملة التي أطلقتها ليز تشني ابنة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشني ضد وزارة العدل في نظام أوباما، والتي اسمتها «وزارة الجهاد»، واستهدفت تسعة محامين (أطلق سراح اثنين منهم)، لأنهم تمسكوا بالدستور من خلال دفاعهم عن المتهمين في تفجيرات 11 سبتمبر وهذا ليس تاريخاً بعيداً.
وما زال سعي البشرية إلى واقع يحترم فيه الاختلاف ويعطى فيه حق الاعتراض والنقد في ظل القانون، وقد يكون الطريق مازال طويلاً لمثل هذا التحضر والإنسانية.
وليد الرجيب
[email protected]