الأمين العام لـ «الجماعة الإسلامية» شرح رؤيتها السياسية الجديدة
المصري لـ «الراي»: نحترم تعددية لبنان والاعتراف بالآخر من ثوابتنا نرفض النهج التكفيري... ونفيد من إنجازات الغرب من دون «تقديسها»

الزميلة ريتا فرج تحاور المصري

إبراهيم المصري








|بيروت - من ريتا فرج|
يبدو أن أحزاباً عديدة في لبنان تعد العدّة لإعادة هيكلة إدارتها. وتأتي الرؤية السياسية لـ «الجماعة الإسلامية» في لبنان التي تقدمت بها أواخر يونيو لتكشف تنامي ظاهرة المراجعات. منذ العام 1964 تاريخ تأسيسها الرسمي، اعتمدت الجماعة الوافدة من «الإخوانية» المصرية نهجاً عقيديا معتدلاً. واتضح ذلك في ميثاقها التأسيسي الأول، رغم أن الأجواء المرافقة لبروزها على الساحة اللبنانية والعربية شهدت تصاعداً للإسلام المتطرف، الشديد التأثر بخلاصات سيد قطب المؤصل لمفهومي الحاكمية وجاهلية العالم بعد أبي الأعلى المودودي. ونتيجة فوران «القطبية» في العالمين العربي والإسلامي وما انتجته من تكفير للخصوم والأنظمة العربية، كان للجماعة موقفها، فقد شرّعت في العام 1972 صفحات مجلتها «الشهاب» لمناقشة الموضوع، وحددت موقفها الشرعي على قاعدة النظرية القائلة «اننا دعاة ولسنا قضاة»، معتبرة أن حكم التكفير إذا جاز إطلاقه على بعض الأنظمة المعادية للإسلام، فإنه لا يطاول الأفراد في المجتمع.
في وثيقتها الصادرة أواسط الستينات، لم يكن خطاب «الجماعة الإسلامية» حاداً يقوم على القطيعة، بل تحدث عن تبليغ دعوة الإسلام الى الناس والعمل التربوي. وطوال الفترة الممتدة من الستينات حتى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، تركز اهتمامها على الانتشار الأفقي، وتحديداً في مناطق وجود السنّة، في حين لم تمارس دورها السياسي بفاعلية كبقية الأحزاب اللبنانية، اليسارية منها واليمنية. لكنها شاركت لاحقاً في الانتخابات البرلمانية، ودخلت المجلس النيابي للمرة الأولى في تاريخها العام 1992? ومذ ذاك بدأت خوض غمار العملية الديموقراطية.
والمراجعة الجديدة التي تقدمت بها «الجماعة» تحت عنوان «الرؤية السياسية للجماعة الإسلامية في لبنان» تكشف نمطاً سياسياً مرناً، فهي تشير إلى التعددية، وإلى أهمية الديموقراطية في النظام السياسي اللبناني، وإلى العيش المشترك القائم وفق رؤيتها على أربع قواعد أساسية: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه، العدالة، التعاون لتحقيق المصالح المشتركة، والتعامل مع الناس جميعاً على قاعدة أخلاقية لا تميز بين القومية أو الدين.
لمناسبة إطلاق «الجماعة الإسلامية» في لبنان رؤيتها السياسية الجديدة، التقت «الراي» الأمين العام للجماعة إبراهيم المصري، وأجرت معه الحوار الآتي:
• في أواسط الستينات أصدرت «الجماعة الإسلامية» مجموعة من النشرات الدعوية تحت عنوان «الجماعة الإسلامية مبادئ وأهداف» أشارت فيها إلى أن المذاهب الوضعية المعمول بها تؤول إلى قادة غير إسلاميين. أما في وثيقتكم الجديدة فتتحدثون عن النظام السياسي الديموقراطي والتعددية. لماذا هذه المراجعة وما الذي تغير بين الأمس واليوم؟
- من البدهي أن كل حركة تبرز على الساحة تبدأ بطرح رؤى مبدئية من أجل أن تضمن أوسع إطار من الجمهور الذي يتبنى أفكارها. ولكن بعد التجربة والممارسة السياسية على الساحة اللبنانية، من الطبيعي إجراء تطوير لهذه الرؤى بما يتلاءم مع المرحلة الراهنة التي تعيش فيها «الحركة الإسلامية». المعروف أن كل التيارات السياسية في لبنان، سواء قومية أو وطنية أو إسلامية، طرحت اتجاهات فكرية أولية، وعبر الزمن عملت على تطويرها بغية التكيّف مع التحولات الجديدة. أما بخصوص النشرات التي أصدرناها بداية الستينات، فقد جاءت في مرحلة التأسيس. ولكن بعد دخول الجماعة تجربة الحرب الأهلية الطويلة، كان لزاماً عليها إجراء مراجعة من دون أن يعني ذلك التخلي عن الثوابت. نحن نسلم بأن لدينا متغيرات وثوابت، وهذه الثوابت كانت ولا تزال محل احترام في الجماعة، في حين يجري تطوير المتغيرات في الممارسة السياسية والعلاقة بالقوى اللبنانية.
• الاعتراف بالتعددية الدينية كان واضحاً في وثيقتكم الجديدة. ما أهمية هذا التعدد بالنسبة إليكم بعدما أشرتم سابقاً إلى أن الإسلام هو الميزان لتصرفات الأفراد؟
- كنا ولا نزال نعتبر أن مرجعيتنا إسلامية، وأن التزام الاسلام هو مبرر وجود الجماعة ودعوتها التي تمارسها، سواء في المجال الفكري أو السياسي أو التربوي. لكن هذا لا يلغي اعترافنا بالآخر، الديني والسياسي، خصوصاً أن هذا الاعتراف هو من ثوابت الإسلام الذي يعترف بالرسالات السماوية ويحترمها ويحض أتباعه على احترام رموز هذه الرسالات، وعلى رأسها المسيح عيسى ابن مريم وأمه العذراء البتول. نحن نرى أن إسلامنا هو الذي يلزمنا إحترام الآخر، حتى لو اختلفنا معه في بعض التفاصيل. ونحن نعيش في بلد يشهد تعددية دينية وسياسية وفكرية، ونحترم هذا التعدد، ونرى أهمية الاستفادة منه من أجل تأصيل الحريات السياسية التي ينعم بها لبنان، وتكاد تكون من أبرز قيمه.
• أشرتم في رؤيتكم الجديدة إلى أهمية احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه. من الآخر بالنسبة إليكم، وهل يستند المعيار الجديد في التعامل معه الى منطلق ديني أم سياسي؟
- نحن ندرك أننا في لبنان نتعايش مع الآخر الديني، والآخر السياسي، والآخر المذهبي، ونحرص على أن تكون علاقتنا طبيعية مع كل هؤلاء، انطلاقاً من أن الاحترام ينبغي أن يكون متبادلاً. من هنا، تقيم «الجماعة» علاقات مع كل القوى السياسية والدينية لأنها تعترف بها وتعمل على التعاون معها. ونعتبر هذا التعاون الوسيلة الوحيدة للتعايش الحر والكريم. أما بالنسبة الى موقفنا من الآخر، فنحن لا نعتبر أننا في حال عداء مع طرف واحد هو الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرضنا وشرد شعبنا ويعتدي على مقدساتنا. أما القوى اللبنانية الأخرى فنعتبر أن العلاقة معها إما تكون علاقة تعاون وتحالف، واما علاقة اختلاف وتباين، إلى أن يتمّ التوافق على رؤى سياسية واحدة تجمعنا بكل مكوِّنات الساحة اللبنانية.
• إلغاء الطائفية السياسية لم يكن موقفاً جديداً في رؤيتكم السياسية، إذ سبق أن أشرتم إليه تحت عنوان قضية الطائفية. لماذا يحتل إلغاء الطائفية السياسية موقعاً محورياً لديكم؟
- منذ تأسيسها تبنت «الجماعة الإسلامية» شعار إلغاء الطائفية السياسية كوسيلة أساسية من أجل أن يتساوى اللبنانيون أمام القانون، وحتى يكون معيار الكفاءة هو الذي يرشح الانسان ليتولى عملاً معيناً أو وظيفة في الدولة، لا انتماءه الطائفي أو المذهبي. هذا لا يعني إلغاء حقوق الطوائف أو خصوصياتها، لكنه يركز على أن يكون المرشح للانتخابات النيابية أو البلدية ممثلاً لكل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وأن يتم اختيار الأفضل وليس ابن الطائفة أو المذهب. هذه القضية طرحت في شكل فاعل خلال مراحل الحرب الأهلية، لذا جرى التوافق في «اتفاق الطائف» على اعتمادها نصاً في الدستور، لكنه ويا للأسف ما زال معطلاً حتى الآن. في أي حال، فإن «الجماعة» تفرق بين التدّين الذي هو إلتزام وممارسة، والانتماء الطائفي الذي يتم توظيفه من أجل مصالح سياسية أو مادية.
• ما موقفكم من الحضارة الغربية؟ ولماذا تتبنى بعض الحركات الإسلامية خطاب القطيعة مع الغرب؟
- نعتبر الحضارة الغربية إنجازاً بشرياً ساهمت كل الشعوب في تطويره من أجل خدمة الإنسان والرقي به. لكننا لا ننظر إلى هذه الحضارة نظرة تسليم أو تقديس لأنها إنجاز بشري، في حين ندين بقيم إسلامية أعلى وأرقى مما وصلت إليه هذه الحضارة. نحن نفيد من إنجازات هذه الحضارة في ميادين الحياة العامة، لكن مرجعيتنا الفكرية والعقيدية هي مرجعية إسلامية، وسبق للعرب والمسلمين أن ساهموا في مرحلة تاريخية معينة في إنتاج هذه الحضارة، عندما ترجموا تراث الفرس واليونان إلى اللغة العربية، ثم نقلوه الى الشعوب الأوروبية في بداية نهضتها الحديثة. أما موقف بعض القوى الإسلامية من الحضارة الغربية، فيأتي أحياناً مقترناً بنظرية العداء السياسي للغرب لأنه استعمر بلادنا وسلب ثرواتنا ولا يزال يدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على الشعب الفلسطيني والعالم العربي. ولكن يبقى أن «الجماعة» تعتبر أن الانجازات التي حققها الشرق والغرب على السواء ملك لجميع البشر، ومن حقهم أن يفيدوا منها، لا سيما في إطار آليات الديموقراطية التي أنتجت أنظمة سياسية تحترم الانسان وقيمه وعلاقته بالآخرين.
• «الجماعة الإسلامية» في مصر أجرت نوعاً من المراجعة العقيدية وما عادت تتحدث عن الحاكمية وجاهلية العالم. في رأيك، هل تشعر الحركات الإسلامية ومن بينها «الجماعة» في لبنان بأهمية الأخذ بالحداثة السياسية القائمة على القوانين الوضعية؟
- «الجماعة الإسلامية» حركة إسلامية عالمية أبرزت سلسلة من المفكرين الذين كتبوا وأصّلوا فكر هذه الحركة. وأنا على يقين أن الحركة الإسلامية في العالم العربي، منذ نشأتها في مصر العام 1928 كان لها بعض الممارسات الخاطئة التي دانتها، لا سيما على يد الإمام حسن البنا حين دان اغتيال النقراشي باشا. كما أجرت الحركة الإسلامية في مصر عملية نقدية لبعض طروحات سيد قطب، وعندما بدأ اتجاه التكفير ينتشر في المجتمع المسلم، أصدر المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» في مصر حسن الهضيبي كتاباً تضمن مجموعة من الدراسات توصل إليها خلال فترة سجنه وحمل عنوان «دعاة لا قضاة». بمعنى أن الحركة من واجبها أن تمارس الدعوة، لا أن تكون قاضياً يحاكم الناس. وأذكر أننا مارسنا في مطلع السبعينات في لبنان عملية نقد بارزة عندما وصل إلينا بعض نماذج الفكر التكفيري. كنا نصدر يومها مجلة «الشهاب»، وقد ناقش فيها عدد من الكتّاب فكر سيد قطب رحمه الله وفتحت الحوارات بدراسة كتبها الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل المولوي ونشرت في عدد العام 1972. يمكن القول إذاً ان الأمر حسم في ساحتنا في وقت مبكر، في حين تأخرت «الجماعة الإسلامية» في مصر في ممارسة مراجعاتها، ما أدى الى القيام بممارسات بالغة الحدة وإلى اعتقال أعداد كبيرة من الشباب اتهموا بأنهم من «القطبيين».
• بعد المراجعة التي أشرت اليها، اليس هناك داخل «الجماعة الإسلامية» في لبنان اتجاه راديكالي يتبنى مسألة الحاكمية؟
- هذه الأفكار غالباً ما تنتشر في البيئات المغلقة والأقطار المقموعة فكرياً وسياسياً. أما في لبنان فنحن نعيش في بلد حر، يعبر فيه الجميع عن رؤاهم الفكرية والسياسية، لذا، لا مكان في مجتمعنا لمثل هذه التوجهات، والرؤية السياسية التي هي محل تداول تعبر عن توجهات الجماعة الفكرية والسياسية في شكل واضح. لبنان عرف محطتين لمثل هذه التوجهات العنيفة، الأولى العام 1999 عبر ما سمّي «شباب الضنية» وقام بها شاب من أصل لبناني يحمل الجنسية الكندية. هذا الشاب عاش في أفغانستان فترة ثم عاد إلى لبنان، وانتهت حركته من دون أن تجد أي أصداء في الساحة اللبنانية، مع أنه اعتصم في منطقة الضنية شمال لبنان، ومعروف أن أبناء هذه المنطقة من أكثر اللبنانيين تديناً، ورغم ذلك لا أحد يذكر الآن «أبو عائشة» وهو اسمه الحركي. أما التجربة الثانية فكانت العام 2007 عبر ما عُرف بتنظيم «فتح الإسلام» الذي حمله شاكر العبسي الى المخيمات الفلسطينية التي لم تتحمل هذا الفكر، ليلجأ الى مخيم نهر البارد تم القضاء على حركته من دون أن تترك أي جذور في المنطقة. والجميع يعلم أنها حركة مستوردة، جاءت من خارج الحدود من أجل أهداف سياسية معينة، ثم تحولت ما سمي «فتح الاسلام».
• لماذا تحتل القضية الفلسطينية موقعاً في رؤيتكم السياسية الجديدة؟
- نعتبر أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب والمسلمين، ولكل أحرار العالم. ونرى أن العمل للقضية الفلسطينية وانصاف شعبها واجب شرعي وقومي، يحتم على كل إنسان أن يبذل ما يستطيع من أجل دعمها وتكريس حق العودة. وسبق للقوى الوطنية والقومية العربية أن أفرزت منظمات فلسطينية، عملت أعواماً طويلة في إطار القضية الفلسطينية، لكن الحركة الإسلامية، منذ نحو عشرين عاماً، أنتجت منظمتين اسلاميتين لا تزالان تعملان على الساحة الفلسطينية، هما حركة «الجهاد الإسلامي» وحركة «حماس». ونحن ندعم توجهات هاتين الحركتين، كما نساند كل الجهود الرامية إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة وكل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
• هل ترى أن فشل تجربة الإسلام السياسي في إنشاء الدولة الإسلامية هو الذي دفع بعض تياراته إلى القيام بمراجعات؟
- التطور الذي طرأ على أهداف «الجماعة الإسلامية» ليس مصدره فشل التجربة الإسلامية في مراحلها الأولى، لكنه عملية إدراك متقدم لما تستدعيه المرحلة على الساحتين اللبنانية والعربية. ففي سبعينات القرن المنصرم، شكلت بيروت الرئة الحرة لكل الحركة الإسلامية العربية على المستويين الفكري والإعلامي من أجل نشر الفكر الاسلامي الذي أسس له رواد الحركة الاسلامية الأوائل من حسن البنّا الى الشيخ يوسف القرضاوي. والآن نعتبر أن التعايش القائم في لبنان بين اتباع الرسالات السموية يشكل نموذجاً يتحدى العنصرية الإسرائيلية التي تقوم على مفهوم الدولة اليهودية، ولا تعترف بالآخر ولا بحقوقه ومقدساته. هذا لا يعني تخلي الحركة عن ثوابتها ومبادئها، لكنها تحرص على أن توفر الاقتناع بأفكارها عن طريق نشر الوعي الإسلامي بمختلف الطرق والأساليب، وهذا ما جرى انجازه والتقدم به خلال الأعوام الماضية في شكل واضح.
• يتحدث أوليفيه روا عن تحول الحركات الإسلامية نوعاً من السلفية الجديدة، أي أن قيام الدولة الإسلامية لم يعد يشكل عنصراً أساسياً لديها، وبدأت تتجه نحو أسلمة المجتمع. ما رأيك، وهل أسلمة المجتمع عبر القاعدة الشعبية تسهِّل عملية الوصول الى نموذج الحكم الإسلامي؟
- ما طرحه اوليفيه روا مسألة معقولة وجديرة بالتوقف عندها، فالحركات الإسلامية الحديثة استطاعت أن تدخل المجتمعات السلفية وتطورها وتشدها إليها، وهذا واضح في الساحات السعودية والخليجية. وهناك الآن في هذه الساحات تيارات سلفية جهادية، فضلاً عن تيارات سلفية عقيدية لا تطلب الدولة لذاتها، بل تريد أسلمة المجتمع وتطوير قوانين الدولة لتكون أكثر انسجاماً مع الرؤية الاسلامية. هذا ما يبدو واضحاً في عدد كبير من دولنا العربية والإسلامية. وعلى سبيل المثال نجد في المجتمعات العربية والغربية تبنيا للنظرية الاقتصادية الإسلامية، فقد باتت محل احترام لدى قطاعات كبيرة من المواطنين. وفي عواصم غربية كثيرة الآن مصارف إسلامية، تعمل بموجب الشروط الإسلامية وترفض الربا. انطلاقاً من هذا، فإن الوعي الاسلامي يتقدم سواء استطاع إقامة الدولة الإسلامية أو لم يستطع، ويجري اليوم ما يعرف بـ «أسلمة المجتمع» بما يحقق الغاية المتوخاة من هذا الشعار.
• الغرب يدعو اليوم إلى تبني الإسلام التركي المعتدل. ما رأيك في تجربة «حزب العدالة والتنمية»؟ وهل تجدون فيها نموذجاً معبراً عن التطور الإيجابي للإسلام السياسي؟
- تجربة «حزب العدالة والتنمية» تجربة إسلامية رائدة، انبثقت من الحركة الإسلامية التركية التي أطلقها سعيد النورسي مطلع القرن العشرين، عبر جماعة طلبة النور أو «النورسيين». ثم تابعها نجم الدين أربكان عبر «حزب الرفاه»، وصولاً إلى تجربة رجب طيب أردوغان وعبد الله غول في إطار الحزب. لقد شكلت هذه التجربة نموذجاً إسلامياً مهماً نأمل أن يبلغ مداه خلال المرحلة المقبلة، ليستعيد الشعب التركي حريته الفكرية والدينية ويعيد بناء تواصله مع شعوب العالم الإسلامي وقضاياه، كما حدث خلال شهر مايو حين انضمت تركيا إلى «أسطول الحرية» لتقديم المساعدة إلى شعب غزة المحاصر. هذا لا يعني أن نتبنى كل ما يطرحه «حزب العدالة والتنمية»، لأنه نموذج يعالج إشكاليات محددة على الساحة التركية، ونأمل أن يطور هذا الحزب أفكاره وأدواته من أجل تحقيق الآمال المعلقة عليه.
يبدو أن أحزاباً عديدة في لبنان تعد العدّة لإعادة هيكلة إدارتها. وتأتي الرؤية السياسية لـ «الجماعة الإسلامية» في لبنان التي تقدمت بها أواخر يونيو لتكشف تنامي ظاهرة المراجعات. منذ العام 1964 تاريخ تأسيسها الرسمي، اعتمدت الجماعة الوافدة من «الإخوانية» المصرية نهجاً عقيديا معتدلاً. واتضح ذلك في ميثاقها التأسيسي الأول، رغم أن الأجواء المرافقة لبروزها على الساحة اللبنانية والعربية شهدت تصاعداً للإسلام المتطرف، الشديد التأثر بخلاصات سيد قطب المؤصل لمفهومي الحاكمية وجاهلية العالم بعد أبي الأعلى المودودي. ونتيجة فوران «القطبية» في العالمين العربي والإسلامي وما انتجته من تكفير للخصوم والأنظمة العربية، كان للجماعة موقفها، فقد شرّعت في العام 1972 صفحات مجلتها «الشهاب» لمناقشة الموضوع، وحددت موقفها الشرعي على قاعدة النظرية القائلة «اننا دعاة ولسنا قضاة»، معتبرة أن حكم التكفير إذا جاز إطلاقه على بعض الأنظمة المعادية للإسلام، فإنه لا يطاول الأفراد في المجتمع.
في وثيقتها الصادرة أواسط الستينات، لم يكن خطاب «الجماعة الإسلامية» حاداً يقوم على القطيعة، بل تحدث عن تبليغ دعوة الإسلام الى الناس والعمل التربوي. وطوال الفترة الممتدة من الستينات حتى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، تركز اهتمامها على الانتشار الأفقي، وتحديداً في مناطق وجود السنّة، في حين لم تمارس دورها السياسي بفاعلية كبقية الأحزاب اللبنانية، اليسارية منها واليمنية. لكنها شاركت لاحقاً في الانتخابات البرلمانية، ودخلت المجلس النيابي للمرة الأولى في تاريخها العام 1992? ومذ ذاك بدأت خوض غمار العملية الديموقراطية.
والمراجعة الجديدة التي تقدمت بها «الجماعة» تحت عنوان «الرؤية السياسية للجماعة الإسلامية في لبنان» تكشف نمطاً سياسياً مرناً، فهي تشير إلى التعددية، وإلى أهمية الديموقراطية في النظام السياسي اللبناني، وإلى العيش المشترك القائم وفق رؤيتها على أربع قواعد أساسية: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه، العدالة، التعاون لتحقيق المصالح المشتركة، والتعامل مع الناس جميعاً على قاعدة أخلاقية لا تميز بين القومية أو الدين.
لمناسبة إطلاق «الجماعة الإسلامية» في لبنان رؤيتها السياسية الجديدة، التقت «الراي» الأمين العام للجماعة إبراهيم المصري، وأجرت معه الحوار الآتي:
• في أواسط الستينات أصدرت «الجماعة الإسلامية» مجموعة من النشرات الدعوية تحت عنوان «الجماعة الإسلامية مبادئ وأهداف» أشارت فيها إلى أن المذاهب الوضعية المعمول بها تؤول إلى قادة غير إسلاميين. أما في وثيقتكم الجديدة فتتحدثون عن النظام السياسي الديموقراطي والتعددية. لماذا هذه المراجعة وما الذي تغير بين الأمس واليوم؟
- من البدهي أن كل حركة تبرز على الساحة تبدأ بطرح رؤى مبدئية من أجل أن تضمن أوسع إطار من الجمهور الذي يتبنى أفكارها. ولكن بعد التجربة والممارسة السياسية على الساحة اللبنانية، من الطبيعي إجراء تطوير لهذه الرؤى بما يتلاءم مع المرحلة الراهنة التي تعيش فيها «الحركة الإسلامية». المعروف أن كل التيارات السياسية في لبنان، سواء قومية أو وطنية أو إسلامية، طرحت اتجاهات فكرية أولية، وعبر الزمن عملت على تطويرها بغية التكيّف مع التحولات الجديدة. أما بخصوص النشرات التي أصدرناها بداية الستينات، فقد جاءت في مرحلة التأسيس. ولكن بعد دخول الجماعة تجربة الحرب الأهلية الطويلة، كان لزاماً عليها إجراء مراجعة من دون أن يعني ذلك التخلي عن الثوابت. نحن نسلم بأن لدينا متغيرات وثوابت، وهذه الثوابت كانت ولا تزال محل احترام في الجماعة، في حين يجري تطوير المتغيرات في الممارسة السياسية والعلاقة بالقوى اللبنانية.
• الاعتراف بالتعددية الدينية كان واضحاً في وثيقتكم الجديدة. ما أهمية هذا التعدد بالنسبة إليكم بعدما أشرتم سابقاً إلى أن الإسلام هو الميزان لتصرفات الأفراد؟
- كنا ولا نزال نعتبر أن مرجعيتنا إسلامية، وأن التزام الاسلام هو مبرر وجود الجماعة ودعوتها التي تمارسها، سواء في المجال الفكري أو السياسي أو التربوي. لكن هذا لا يلغي اعترافنا بالآخر، الديني والسياسي، خصوصاً أن هذا الاعتراف هو من ثوابت الإسلام الذي يعترف بالرسالات السماوية ويحترمها ويحض أتباعه على احترام رموز هذه الرسالات، وعلى رأسها المسيح عيسى ابن مريم وأمه العذراء البتول. نحن نرى أن إسلامنا هو الذي يلزمنا إحترام الآخر، حتى لو اختلفنا معه في بعض التفاصيل. ونحن نعيش في بلد يشهد تعددية دينية وسياسية وفكرية، ونحترم هذا التعدد، ونرى أهمية الاستفادة منه من أجل تأصيل الحريات السياسية التي ينعم بها لبنان، وتكاد تكون من أبرز قيمه.
• أشرتم في رؤيتكم الجديدة إلى أهمية احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه. من الآخر بالنسبة إليكم، وهل يستند المعيار الجديد في التعامل معه الى منطلق ديني أم سياسي؟
- نحن ندرك أننا في لبنان نتعايش مع الآخر الديني، والآخر السياسي، والآخر المذهبي، ونحرص على أن تكون علاقتنا طبيعية مع كل هؤلاء، انطلاقاً من أن الاحترام ينبغي أن يكون متبادلاً. من هنا، تقيم «الجماعة» علاقات مع كل القوى السياسية والدينية لأنها تعترف بها وتعمل على التعاون معها. ونعتبر هذا التعاون الوسيلة الوحيدة للتعايش الحر والكريم. أما بالنسبة الى موقفنا من الآخر، فنحن لا نعتبر أننا في حال عداء مع طرف واحد هو الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرضنا وشرد شعبنا ويعتدي على مقدساتنا. أما القوى اللبنانية الأخرى فنعتبر أن العلاقة معها إما تكون علاقة تعاون وتحالف، واما علاقة اختلاف وتباين، إلى أن يتمّ التوافق على رؤى سياسية واحدة تجمعنا بكل مكوِّنات الساحة اللبنانية.
• إلغاء الطائفية السياسية لم يكن موقفاً جديداً في رؤيتكم السياسية، إذ سبق أن أشرتم إليه تحت عنوان قضية الطائفية. لماذا يحتل إلغاء الطائفية السياسية موقعاً محورياً لديكم؟
- منذ تأسيسها تبنت «الجماعة الإسلامية» شعار إلغاء الطائفية السياسية كوسيلة أساسية من أجل أن يتساوى اللبنانيون أمام القانون، وحتى يكون معيار الكفاءة هو الذي يرشح الانسان ليتولى عملاً معيناً أو وظيفة في الدولة، لا انتماءه الطائفي أو المذهبي. هذا لا يعني إلغاء حقوق الطوائف أو خصوصياتها، لكنه يركز على أن يكون المرشح للانتخابات النيابية أو البلدية ممثلاً لكل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وأن يتم اختيار الأفضل وليس ابن الطائفة أو المذهب. هذه القضية طرحت في شكل فاعل خلال مراحل الحرب الأهلية، لذا جرى التوافق في «اتفاق الطائف» على اعتمادها نصاً في الدستور، لكنه ويا للأسف ما زال معطلاً حتى الآن. في أي حال، فإن «الجماعة» تفرق بين التدّين الذي هو إلتزام وممارسة، والانتماء الطائفي الذي يتم توظيفه من أجل مصالح سياسية أو مادية.
• ما موقفكم من الحضارة الغربية؟ ولماذا تتبنى بعض الحركات الإسلامية خطاب القطيعة مع الغرب؟
- نعتبر الحضارة الغربية إنجازاً بشرياً ساهمت كل الشعوب في تطويره من أجل خدمة الإنسان والرقي به. لكننا لا ننظر إلى هذه الحضارة نظرة تسليم أو تقديس لأنها إنجاز بشري، في حين ندين بقيم إسلامية أعلى وأرقى مما وصلت إليه هذه الحضارة. نحن نفيد من إنجازات هذه الحضارة في ميادين الحياة العامة، لكن مرجعيتنا الفكرية والعقيدية هي مرجعية إسلامية، وسبق للعرب والمسلمين أن ساهموا في مرحلة تاريخية معينة في إنتاج هذه الحضارة، عندما ترجموا تراث الفرس واليونان إلى اللغة العربية، ثم نقلوه الى الشعوب الأوروبية في بداية نهضتها الحديثة. أما موقف بعض القوى الإسلامية من الحضارة الغربية، فيأتي أحياناً مقترناً بنظرية العداء السياسي للغرب لأنه استعمر بلادنا وسلب ثرواتنا ولا يزال يدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على الشعب الفلسطيني والعالم العربي. ولكن يبقى أن «الجماعة» تعتبر أن الانجازات التي حققها الشرق والغرب على السواء ملك لجميع البشر، ومن حقهم أن يفيدوا منها، لا سيما في إطار آليات الديموقراطية التي أنتجت أنظمة سياسية تحترم الانسان وقيمه وعلاقته بالآخرين.
• «الجماعة الإسلامية» في مصر أجرت نوعاً من المراجعة العقيدية وما عادت تتحدث عن الحاكمية وجاهلية العالم. في رأيك، هل تشعر الحركات الإسلامية ومن بينها «الجماعة» في لبنان بأهمية الأخذ بالحداثة السياسية القائمة على القوانين الوضعية؟
- «الجماعة الإسلامية» حركة إسلامية عالمية أبرزت سلسلة من المفكرين الذين كتبوا وأصّلوا فكر هذه الحركة. وأنا على يقين أن الحركة الإسلامية في العالم العربي، منذ نشأتها في مصر العام 1928 كان لها بعض الممارسات الخاطئة التي دانتها، لا سيما على يد الإمام حسن البنا حين دان اغتيال النقراشي باشا. كما أجرت الحركة الإسلامية في مصر عملية نقدية لبعض طروحات سيد قطب، وعندما بدأ اتجاه التكفير ينتشر في المجتمع المسلم، أصدر المرشد العام لـ «الإخوان المسلمين» في مصر حسن الهضيبي كتاباً تضمن مجموعة من الدراسات توصل إليها خلال فترة سجنه وحمل عنوان «دعاة لا قضاة». بمعنى أن الحركة من واجبها أن تمارس الدعوة، لا أن تكون قاضياً يحاكم الناس. وأذكر أننا مارسنا في مطلع السبعينات في لبنان عملية نقد بارزة عندما وصل إلينا بعض نماذج الفكر التكفيري. كنا نصدر يومها مجلة «الشهاب»، وقد ناقش فيها عدد من الكتّاب فكر سيد قطب رحمه الله وفتحت الحوارات بدراسة كتبها الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل المولوي ونشرت في عدد العام 1972. يمكن القول إذاً ان الأمر حسم في ساحتنا في وقت مبكر، في حين تأخرت «الجماعة الإسلامية» في مصر في ممارسة مراجعاتها، ما أدى الى القيام بممارسات بالغة الحدة وإلى اعتقال أعداد كبيرة من الشباب اتهموا بأنهم من «القطبيين».
• بعد المراجعة التي أشرت اليها، اليس هناك داخل «الجماعة الإسلامية» في لبنان اتجاه راديكالي يتبنى مسألة الحاكمية؟
- هذه الأفكار غالباً ما تنتشر في البيئات المغلقة والأقطار المقموعة فكرياً وسياسياً. أما في لبنان فنحن نعيش في بلد حر، يعبر فيه الجميع عن رؤاهم الفكرية والسياسية، لذا، لا مكان في مجتمعنا لمثل هذه التوجهات، والرؤية السياسية التي هي محل تداول تعبر عن توجهات الجماعة الفكرية والسياسية في شكل واضح. لبنان عرف محطتين لمثل هذه التوجهات العنيفة، الأولى العام 1999 عبر ما سمّي «شباب الضنية» وقام بها شاب من أصل لبناني يحمل الجنسية الكندية. هذا الشاب عاش في أفغانستان فترة ثم عاد إلى لبنان، وانتهت حركته من دون أن تجد أي أصداء في الساحة اللبنانية، مع أنه اعتصم في منطقة الضنية شمال لبنان، ومعروف أن أبناء هذه المنطقة من أكثر اللبنانيين تديناً، ورغم ذلك لا أحد يذكر الآن «أبو عائشة» وهو اسمه الحركي. أما التجربة الثانية فكانت العام 2007 عبر ما عُرف بتنظيم «فتح الإسلام» الذي حمله شاكر العبسي الى المخيمات الفلسطينية التي لم تتحمل هذا الفكر، ليلجأ الى مخيم نهر البارد تم القضاء على حركته من دون أن تترك أي جذور في المنطقة. والجميع يعلم أنها حركة مستوردة، جاءت من خارج الحدود من أجل أهداف سياسية معينة، ثم تحولت ما سمي «فتح الاسلام».
• لماذا تحتل القضية الفلسطينية موقعاً في رؤيتكم السياسية الجديدة؟
- نعتبر أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب والمسلمين، ولكل أحرار العالم. ونرى أن العمل للقضية الفلسطينية وانصاف شعبها واجب شرعي وقومي، يحتم على كل إنسان أن يبذل ما يستطيع من أجل دعمها وتكريس حق العودة. وسبق للقوى الوطنية والقومية العربية أن أفرزت منظمات فلسطينية، عملت أعواماً طويلة في إطار القضية الفلسطينية، لكن الحركة الإسلامية، منذ نحو عشرين عاماً، أنتجت منظمتين اسلاميتين لا تزالان تعملان على الساحة الفلسطينية، هما حركة «الجهاد الإسلامي» وحركة «حماس». ونحن ندعم توجهات هاتين الحركتين، كما نساند كل الجهود الرامية إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة وكل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
• هل ترى أن فشل تجربة الإسلام السياسي في إنشاء الدولة الإسلامية هو الذي دفع بعض تياراته إلى القيام بمراجعات؟
- التطور الذي طرأ على أهداف «الجماعة الإسلامية» ليس مصدره فشل التجربة الإسلامية في مراحلها الأولى، لكنه عملية إدراك متقدم لما تستدعيه المرحلة على الساحتين اللبنانية والعربية. ففي سبعينات القرن المنصرم، شكلت بيروت الرئة الحرة لكل الحركة الإسلامية العربية على المستويين الفكري والإعلامي من أجل نشر الفكر الاسلامي الذي أسس له رواد الحركة الاسلامية الأوائل من حسن البنّا الى الشيخ يوسف القرضاوي. والآن نعتبر أن التعايش القائم في لبنان بين اتباع الرسالات السموية يشكل نموذجاً يتحدى العنصرية الإسرائيلية التي تقوم على مفهوم الدولة اليهودية، ولا تعترف بالآخر ولا بحقوقه ومقدساته. هذا لا يعني تخلي الحركة عن ثوابتها ومبادئها، لكنها تحرص على أن توفر الاقتناع بأفكارها عن طريق نشر الوعي الإسلامي بمختلف الطرق والأساليب، وهذا ما جرى انجازه والتقدم به خلال الأعوام الماضية في شكل واضح.
• يتحدث أوليفيه روا عن تحول الحركات الإسلامية نوعاً من السلفية الجديدة، أي أن قيام الدولة الإسلامية لم يعد يشكل عنصراً أساسياً لديها، وبدأت تتجه نحو أسلمة المجتمع. ما رأيك، وهل أسلمة المجتمع عبر القاعدة الشعبية تسهِّل عملية الوصول الى نموذج الحكم الإسلامي؟
- ما طرحه اوليفيه روا مسألة معقولة وجديرة بالتوقف عندها، فالحركات الإسلامية الحديثة استطاعت أن تدخل المجتمعات السلفية وتطورها وتشدها إليها، وهذا واضح في الساحات السعودية والخليجية. وهناك الآن في هذه الساحات تيارات سلفية جهادية، فضلاً عن تيارات سلفية عقيدية لا تطلب الدولة لذاتها، بل تريد أسلمة المجتمع وتطوير قوانين الدولة لتكون أكثر انسجاماً مع الرؤية الاسلامية. هذا ما يبدو واضحاً في عدد كبير من دولنا العربية والإسلامية. وعلى سبيل المثال نجد في المجتمعات العربية والغربية تبنيا للنظرية الاقتصادية الإسلامية، فقد باتت محل احترام لدى قطاعات كبيرة من المواطنين. وفي عواصم غربية كثيرة الآن مصارف إسلامية، تعمل بموجب الشروط الإسلامية وترفض الربا. انطلاقاً من هذا، فإن الوعي الاسلامي يتقدم سواء استطاع إقامة الدولة الإسلامية أو لم يستطع، ويجري اليوم ما يعرف بـ «أسلمة المجتمع» بما يحقق الغاية المتوخاة من هذا الشعار.
• الغرب يدعو اليوم إلى تبني الإسلام التركي المعتدل. ما رأيك في تجربة «حزب العدالة والتنمية»؟ وهل تجدون فيها نموذجاً معبراً عن التطور الإيجابي للإسلام السياسي؟
- تجربة «حزب العدالة والتنمية» تجربة إسلامية رائدة، انبثقت من الحركة الإسلامية التركية التي أطلقها سعيد النورسي مطلع القرن العشرين، عبر جماعة طلبة النور أو «النورسيين». ثم تابعها نجم الدين أربكان عبر «حزب الرفاه»، وصولاً إلى تجربة رجب طيب أردوغان وعبد الله غول في إطار الحزب. لقد شكلت هذه التجربة نموذجاً إسلامياً مهماً نأمل أن يبلغ مداه خلال المرحلة المقبلة، ليستعيد الشعب التركي حريته الفكرية والدينية ويعيد بناء تواصله مع شعوب العالم الإسلامي وقضاياه، كما حدث خلال شهر مايو حين انضمت تركيا إلى «أسطول الحرية» لتقديم المساعدة إلى شعب غزة المحاصر. هذا لا يعني أن نتبنى كل ما يطرحه «حزب العدالة والتنمية»، لأنه نموذج يعالج إشكاليات محددة على الساحة التركية، ونأمل أن يطور هذا الحزب أفكاره وأدواته من أجل تحقيق الآمال المعلقة عليه.