تقرير / بعدما كانت تخصع لأوامر الدولة تحت ديكتاتورية صدام

دور المساجد في العراق أكبر من دور المؤسسات الحكومية

تصغير
تكبير
| بغداد - من حيدر الحاج |
منذ مارس2003، بسطت النزعة الدينية سطوتها على فصول المشهد العام في العراق، وكان لها تأثير كبير على مجمل القضايا والاحداث السياسية التي شهدها البلد، لاسيما وأن الاحزاب الاسلامية كانت ولا تزال تتصدر هرم السلطة وتدير دفة الحكم فيه، وان لم يكن ذلك في شكل أحادي الجانب، طيلة السنوات الماضية.
هذه السطوة باتت واضحة للعيان، حيث أخذ المد الديني يلقي باثاره على فصول مهمة من حياة العراقيين الذين تفاعل غالبيتهم مع هذا المد بشكل كبير ولوحظ عليهم تأثرهم الشديد بالتوجهات الدينية التي كانت تفرض عليها رقابة مشددة في عهد النظام السابق، كما أصبح للمسجد كمؤسسة دينية دور متميز في تقديم الخدمات العامة منذ عام 2003، في ظل غياب واضح للدور الحكومي في هذا الإطار، فكل مسجد أصبح دائرة خدمات متكاملة.
ويقول الشيخ علي الخطيب نائب رئيس ديوان «الوقف الشيعي» عن ظاهرة تنامي المد الديني بين العراقيين ان «المساجد في العراق هي المؤسسة الوحيدة التي واصلت أداء رسالتها بشكلٍ كامل طيلة السنوات الماضية، بل يمكن القول بأن دورها المتنامي بعد انهيار النظام السابق أصبح أكثر أهمية مما كان عليه خلال وجوده».
وأضاف الخطيب في تصريح لـ«الراي»، ان «ائمة المساجد قادوا حملة توعية وتعبئة لكي يعيدوا الأمور إلى نصابها في ذلك الحين وما زالوا يمارسون دورهم في ابداء النصح والارشاد للجماهير»، مؤكدا ان المساجد والحسينيات تحولت الى مستودعات لإعادة الممتلكات المسروقة ابان عمليات السلب والنهب التي حدثت عقب الغزو الاجنبي للبلاد.
بعض أئمة المساجد منحهم نفوذهم المتنامي بين أوساط المصلين من تسلق هرم السلطة وتسنم مناصب برلمانية وأخرى حكومية، كما هو الحال مع النائب الراحل حارث العبيدي عضو جبهة التوافق السنية الذي كان يعتلي منصة خطبة الجمعة في أحد جوامع حي اليرموك (غرب بغداد)، والنائب صباح الساعدي عن «حزب الفضيلة الاسلامي» الذي كان يؤم المصلين في جامع الرحمن في حي المنصور، ووزير الثقافة السابق أسعد الهاشمي خطيب أحد جوامع حي الحمراء (غرب بغداد) والمتهم بقضايا أرهاب.
وتحت ديكتاتورية صدام حسين، كان المسجد يخضع لاوامر سلطة الدولة، في سنوات الثمانينات والتسعينات كان يفرض على إمام المسجد خطبته وطريقة القائها، وحتى شخصية هذا الإمام، وأكثر من هذا فقد أتخذ النظام السابق طرقا معينة في توظيف الخطباء والائمة وجعل بعضهم وكلاء ومخبرين لاجهزته الامنية.. لكن في ديموقراطية العراق الفتية فيبدو ان رواية الماضي تخضع للسياسة بمختلف الاساليب.
فعملية بناء المساجد خضعت نوعا ما لاعتبارات سياسية، فالأحزاب الإسلامية (من الطرفين) والمشاركة في الحكم منذ 7 سنوات، سارعت لكسب ود الجماهير والقواعد الشعبية من خلال التقرب منهم بإقامة المناسبات الدينية في المساجد والحسينيات، والمساهمة في عملية اعادة تأهيل المساجد وتوسيعها وترميمها وتأثيثها أيضا، وتعيين بعض الأشخاص من مرتادي تلك المساجد في المؤسسات الحكومية، او كحراس أمنيين في المساجد والحسينيات.
«المساجد كانت تبنى قبل 2003، بتبرعات من الأهالي والميسورين من ابناء الطائفة، اما في الوقت الحاضر فقد وضع ديوان الوقف الشيعي موازنة وخطة سنوية لاعادة تأهيل المساجد الخاوية»، كما يقول الخطيب، الذي أكد بانه لم يتم بناء جوامع جديدة منذ سبع سنوات كمساجد مركزية ورسمية بسبب عدم توافر الاراضي من الدولة.
لكن شهودا من سكان بغداد أكدوا لـ «الراي» ان «بعض المساجد الصغيرة تم بناؤها في مناطقهم»، ويقول نعيم الساعدي من سكان حي القاهرة (شرق بغداد) أنه تم بناء «حسينية حبيب بن مظاهر الاسدي» على أرض تابعة لأمانة العاصمة، باشراف من قبل أعضاء المجلس البلدي في الحي، لكن جهة التمويل غير معلومة بالنسبة اليه ويعتقد بأنها متأتية من التبرعات الاهلية.
وحصل تنافس كبير بين الاحزاب الاسلامية الشيعية على تقاسم النفوذ في المساجد والحسينيات المنتشرة في عموم البلاد، وباتت بعض تلك المؤسسات الدينية تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر لهذا الحزب او ذاك.
مشهد التنافس هذا أتضح جليا في الصراع الذي كان قائما ولا يزال بين «المجلس الاسلامي الاعلى في العراق» بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، للسيطرة ولو شكليا على الجوامع والحسينيات.
غالبية المساجد والحسينيات الشيعية تعود تبعيتها لمرجعية النجف الاشرف وتحديدا المرجع الكبير آية الله علي السيستاني، وعلى مستوى أقل بالنسبة للمراجع الثلاثة الاخرين، كما ان عددا لا يستهان به من الجوامع والحسينيات في مناطق الفرات الاوسط والمحافظات الجنوبية وعدد من أحياء العاصمة بغداد الرسمية مثل(مدينة الصدر، الشعلة، الجوادين..الخ) تتبع مرجعية السيد محمد صادق الصدر والد زعيم التيار الصدري، اضافة الى مرجعية الشيخ كاظم الحائري الزعيم الروحي «لحزب الفضيلة الاسلامي» التي ينحصر مقلدوها في محافظات البصرة والناصرية والعمارة.
في الطرف الاخر، فان التنافس كان بدرجة أقل في الصراع من أجل السيطرة على الجوامع السنية، من قبل «الحزب الاسلامي العراقي»، أكبر الاحزاب السنية وأعرقها في البلاد، وما يعرف بـ«هيئة علماء المسلمين» المعارضة للعملية السياسية القائمة في البلاد منذ 2003، والتي يتزعمها حارث الضاري، على أعتبار أن مرجعيتهم الدينية واحدة.
معظم تلك الجوامع باتت حاليا تحت نفوذ هيئة الوقف السني التي يترأسها أحمد عبد الغفور السامرائي، رغم ان بعض الجوامع السنية تشرف عليها هيئات دينية أخرى مثل «مجلس علماء العراق» وهو هيئة غير رسمية تعتبر مرجعا لابناء السنة.
في عهد نظام البعث وفي ذروة ما كانت تعرف في حينها بـ«الحملة الايمانية»، منح الرئيس السابق الضوء الأخضر لرجال حاشيته والتجار المقربين من السلطة ببناء مساجد في عموم البلاد، مقابل اعفاءات ضريبية كبيرة يحصلون عليها، فضلا عن مزايا اخرى تمكنهم من استيراد سلع وبضائع مختلفة بعض منها كان ضمن قائمة الممنوعات التي يحضر دخولها الى البلاد بموجب العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على العراق آنذاك.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي