فهيد البصيري / الإعلام والإنسان

تصغير
تكبير
الحياة أصبحت صعبة مع الإعلام الحديث وقل لي ما هو نوع إعلامك أقل لك من أنت، وبدلاً من التحكم في الإعلام صار الإعلام حكماً علينا، وهذه الأيام الإعلام في استراحة لأنه مشغول بكأس العالم ولكنها استراحة محارب وسوف يعود ويعود معه صداع الرأس، ومشكلة المفاعل النووي الإيراني، والجنوب اللبناني، وغزة والضفة، فهو لا يعيش إلا على فلسفة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، ولولا كثرة المشاكل والقضايا والنزاعات لأغلقت محطات الدنيا أبوابها، وهناك نكتة تقول ان نابليون قرأ جريدة «البرافدا» الروسية وقال لو كان لديّ صحيفة كهذه الصحيفة لما علم أحد بهزيمتي في «واترلوا»، و«البرافدا» تعني بالعربية الحقيقة رغم أن هذه الصحيفة ليس لها في السابق علاقة بالحقيقة من بعيد ولا قريب، ولكن نابليون كان يريد جيشاً من الأكاذيب ليحول هزائمه إلى نصر، ومات نابليون وعاشت «البرافدا» إلى اليوم.

ولا تبدأ الحروب إلا بإذن من الإعلام، ثم تأتي الخطوة الثانية في الحرب وهي أيضاً إسكات إعلام العدو وبأي وسيلة، وعندما غزا العراق الكويت خفت صوت الكويتي، وعندما شن التحالف الحرب على العراق لم يعد أحد يسمع المذيع العراقي (أبو صماخ)، وكان لدى العراق في ذلك الوقت جيشان أحدهما الجيش العادي والآخر جيش من الإعلاميين المحترفين.

والإعلام هو السلاح السحري للحكومات في السيطرة على شعوبها، وفي الدول الدكتاتورية والدول الشيوعية السابقة كان الإعلام وسيلة من وسائل التربية للشعوب، وفي الغرب هو وسيلة من وسائل غسيل الدماغ على الناشف فـ «الجمهوريون» لهم محطاتهم، و«الديموقراطيون» لهم قنواتهم وهم في حرب غير معلنة، وكان سقوط نيكسون بسبب الإعلام، وكان فوز بوش الابن بسبب الفضيحة الإعلامية لأخينا كلينتون (أبو عين زايغة)، وهي حرب حقيقية ولكن سلاحها الكلمة وذخيرتها الأكاذيب في أغلب الأحيان، وبالإعلام وحده تستطيع أن تسقط حكومة بأكملها بل وتشكل حكومة في مكانها لذلك تستعين الدول الديكتاتورية بالإعلام للبقاء أطول فترة ممكنة، وفي النهاية يلتهمها الإعلام بعد سقوطها وكأنه لا دخل له في الموضوع فهو مجرد إعلام! رغم أنه وراء كل مصائب الدنيا، والخاسر الدائم هم السياسيون، والرابح الدائم هو الإعلام والإعلاميون فهم بألف وجه ووجه وهي طبيعة الإعلام الذي تحول إلى مشاريع تجارية ضخمة فلم يعد يهمه سوى الربح ولو على حساب الحقيقة.

والإعلام هو القاضي والجلاد لعصرنا الحالي، وحتى القضاء توارى خلفه وبات يحسب له ألف حساب، وإذا قال الإعلام انك مجرم فستتحول إلى مجرم بالفعل وفي غضون أيام ستصبح في عيون خلق الله قطاع طرق من الطراز الأول، وإذا أحبك فبإذن الله وخلال دقائق ستصبح بطلاً أسطورياً ولا عزاء لصلاح الدين.

واستأسد الإعلام واحتل عدداً من الكليات في جامعات العالم العريقة وفرض فيها أبناءه من الأساتذه المختصين في الإعلام أيضاً، والإنسان كائن غريب يصنع الشيء (ويتورط فيه) وبدلاً من أن يركض الإعلام خلف الناس لالتقاط أخبارهم، صار الناس يبوسون الأيادي ليرضى عنهم حتى أقوى خلق الله يلهث خلفه فالحكومة تخشى الإعلام، والنواب يدارونه، والسياسيون يمتدحونه، والفنانون يغازلونه، والتجار (يعلفونه)، والكل يقول (يا ويلي منه ويا ويلي عليه) فهم يقاتلون من أجل الشهرة ويموتون فزعاً من التشهير.

ويا سبحان الله ما صنعه الإنسان أصبح اليوم يصنع الإنسان ويشكله ويضحكه ويبكيه ويأمره وينهاه ويقوده وفي النهاية يقضي عليه وهذا ما أخشاه على الكويت.



فهيد البصيري

كاتب كويتي

albus.fahad@ hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي