شفافية / كن خلوقا!

u0633u0627u0631u0629 u0627u0644u062fu0631u064au0633
سارة الدريس
تصغير
تكبير
|سارة الدريس|

كعادة بعض أساتذة الجامعة، لا يقُبل عذر طبي ان كان من أحد المستشفيات الخاصة... لذلك ذهبت الى المستوصف الحكومي المتهالك التابع لمنطقتنا، حر الشمس يكاد يحرق كل شيء!، لدرجة أحس بلهيبها يكاد يمس خديّ، أما الزحمة رهيبة!، لا تخف حدتها أبدا، ليلا، نهارا، في عز الظهيرة، مغرب وعشاء، هي العنصر الثابت دائما، لا ينقص أبدا، ولا تخف حدته، وزيادة على كل ذلك، لست بصحة جيدة في ذلك الوقت، أن تكون مريضا وتحس باعياء شديد وسط هذه الأجواء، لهو الهلاك بعينه!

أوقفت سيارتي في المواقف المخصصة، على بعد يكفي لاقامة صالة أفراح!، دخلت من باب المستوصف، واذا بطابور المرضى يتعدى الباب الخارجي!، نساء ورجال مصطفين خلف بعضهم البعض بعشوائية وفوضوية، فالطابور واحد، للجنسين معا!

وقفت خلف اخر رجل، انتظر وصولي للشباك، لآخذ رقماً حسب الترتيب التسلسلي، الذي وصل اليه أعداد المراجعين للدخول الى غرفة الطبيب.

جالت عيناي على الموجودين، أناس مساكين، ربما لا يملكون مالا كافيا يساعدهم على تلقي العلاج من المستشفيات الخاصة الباهظة، وهناك من هم مثلي، أتوا ليدعوا علامات المرض بغية بضع خربشات غير مفهومة على ورقة العذر الطبي!

لا تظهر على المستوصف أي ملامح للنظافة والتعقيم، كأنه مركز شرطة في أحد الأحياء الفقيرة، منظر «الكاشي» الأبيض ذي الحصوات السوداء مقزز، وكأن الغبار استعمره منذ سنين، وبنى عمارات من الجراثيم عليه!، وشباك الاستقبال المكون من الألومنيوم المنقوش على شكل خرائط من خدوش، والزجاج غير الواضح المعالم اثر بواقي الملصقات المنزوعة من عليه!

جاء دوري أخيرا، كانت موظفة واحدة تقف خلف الشباك، فتاة في العقد الثالث من العمر، لا يظهر منها سوى كفيها ومساحة شاسعة من جبهتها وعينيها، جبهة صفراء وعينين ذابلتين، يتضح لي أنها نزعت نفسها من الفراش غصبا!

وضعت بطاقتي المدنية على الطاولة، كنت أرتدي نظارتي الشمسية، والعباءة المحببة الى قلبي، والتي أحس وكأنها فستان أسطوري طاووسي!، اذا نحن ربما في المستوى الظاهري نفسه، كوننا نشترك بعباءة ونقاب!، نقابها يكشف عينيها وجبهتها، ونظارتي عبارة عن نقاب مقلوب!، يخفي عيني وجبهتي ولا يكشف الا أنفي وشفتي، اذا كلانا لا نرتدي نقابا!، أليس القصد من النقاب اخفاء الوجه الذي هو عورة في نظر البعض؟، وبما أن الأغلبية يخفين وجههن ويكشفين مساحة العين، اذا أنا فعلت العكس!، ما الضير في ذلك!

أرى أن النقاب هو ستر كامل الوجه بما فيه العينين!، اللهم الا من فتحة صغيرة جدا، لترى هذه الفتاة طريقها فلا تقع بفضل ما تلبس من أوشحة، ثم تنكب على وجهها!

أقبلت على الموظفة وقلت: السلام عليكم، لم ترد السلام!، سلام يا مسلمة!، سلام يا عباية!، سلام يا نقاب!، سلام ياهووووووه!، سكت!، فقالت الموظفة: «وين الختم يا ميثة؟»، أوه ميثة!، اذا هناك موظفة في الداخل!، ربما تأكل «صمونة الفلافل الصباحية»!

انتظرت بضع دقائق، فصرخت الموظفة: «ويييييين الختم يا ميثة خلصينا»، قلت في نفسي «صوتك عورة يا أمة الله، لا تفتني الرجال»، صرخت الموظفة حتى كادت أبواب المستوصف ترتج، وكأنها ردت على ما قلت في نفسي! «ويييين الختم يا ميثوووه، وين قلعتييييه»!، وين قلعتيه؟!، تذكرت الانكليز عندما كنت قبل سنتين في لندن، عندما تصطدم أنت بأحدهم، هو من يبادر بالاعتذار لك!، وقتها تعلمت قول كلمة «Sorry» منهم.

أعطتني الموظفة ورقتي دون أن تقول «تفضلي» أو «هاج» أو «اخذي»، «فانقلعت» كما انقلع الختم!، وكما انقلعت الأخلاق الانسانية من بعض موظفي المؤسسات الحكومية، المؤسسات التي لا رقيب عليها، لو كانت هذه الموظفة في أحد المستشفيات الخاصة، ان طلبت منها تقليم أظافري لفعلت مخافة تأنيب الرقيب المسؤول عن شؤون الموظفين وشكاوى العملاء!

الأخلاق لا تحتاج لرقيب، فاحرص على أن تكون الأخلاق كساء يغطيك تماما، فتكون خلوقا في عملك، وفي الشارع، مع نفسك والآخرين، فالرقيب موجود دائما، فوقنا وحولنا، الرقيب حاضر دائما، ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، لذلك كن خلوقا دائما عزيزي المسلم.





[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي