د. حسن عبدالله عباس / سلفي... عيمي... بدوي... حضري!

تصغير
تكبير
لو أتيح لأي عالم اجتماع رسم خريطة للاختلافات الاجتماعية الدائرة في الكويت لوضع دائرة في المنتصف كتب فيها «الانقسامات الاجتماعية» ورسم دائرة أكبر حولها ويقسمها لثلاثة قطاعات بالعناوين: طائفية بين السلف والشيعة، قومية بين العرب والفرس، مدنية بين الحضر والبدو!

مع الأسف هذه الأمراض الاجتماعية الثلاث] شديدة الوضوح في المجتمع الكويتي الصغير. المجتمع الكويتي برغم حجمه الصغير إلا أنه يعاني من انقسامات كبيرة وخطيرة وفقاً لهذه الفروقات الاجتماعية. أو قل بدأت هذه القضايا الثلاث تتورم بسرعة أكبر في الأعوام الأخيرة بفضل سياسة الحكومة بتقريبها لمجاميع وإبعادها لأخرى.

فالمشادة بين النائبين «الحضريين» عادل الصرعاوي ومرزوق الغانم من جانب و«القبلي» ضيف الله بورمية الأربعاء الماضي، أو ظاهرة الجويهل قبل ذلك ما هي إلا أمثلة على نوع واحد من المشاكل الثلاث آنفة الذكر. وما واللوبي المكون من النائبين وليد الطبطبائي وفيصل المسلم ضد الفالي، أو قضية أبو طلحة، أو الحملة ضد الشيخ العريفي، إلا غيض من فيض من الأمثلة الكثيرة والمتنوعة على القسمين الآخرين والتي أظنها لن تنتهي طالما أن المعالجات مفقودة.

لست بعالم اجتماع حتى أشخص المشكلة وأحددها، ولكن من باب التعليق على مجريات الأحداث والظواهر الاجتماعية المميزة، يمكن للإنسان أن يتوصل إلى أن ظهور هذه الافرازات ووضوحها بهذه الدرجة وبهذه الشدة والعلانية لم نستشعرها إلا بعدما تسلم الشيخ ناصر زمام السلطة التنفيذية.

لا أقصد بأن إدارة الشيخ هي المسؤول المباشر عما يحدث أو أنها تقصد وتتبنى سياسة أوصلتنا لهذه النتيجة، ولكن كل ما أقصده أنه يوجد تزامن واضح بين الاثنين لا يمكن نكرانه! فهذه الحكومات الجديدة المتعاقبة لا شك أنها انقلبت على التقليد السياسي السائد فقربت المبعدين وأبعدت المقربين، وغربلت الكثير من المفاهيم القديمة واستبدلتها بقواعد جديدة في اللعبة!

وبمناسبة تغيير مواقع كل فريق وتقريب فئات معينة لها ثقل اجتماعي على حساب قطاعات أخرى، يجدر أن أذكر بأن هذه ليست ببدعة أو ابتكار كويتي، وإنما سياسة اعتيادية تمارسها السلطات على الدوام سواء هنا أو الدول الأخرى. كما ألفت نظرك إلى أنني لست في مقام الحكم عليها بأنها صحيحة أو غير ذلك، فهذا ليس مقصدي ولكن كل ما في الأمر أنها سياسات متغيرة تتناولها الحكومات المتعاقبة إما لضرورات زمانية، أو لظروف سياسية مستجدة على الساحة تستدعي معها التلوّن.

الفارق الوحيد والشيء المميز هذه المرة أن المنابزات والمهاترات والمشاحنات برزت بصورة نوعية وأكثر حدة عن ذي قبل. فالمعارضة في الماضي اهتمامها كان منصباً على الفساد الإداري وتردي أداء السلطة التنفيذية من دون أن يتسع التذمر ليشمل القطاعات المكونة للمجتمع. أما حالياً فحالة الخصام والطلاق الواضحة بين حكومة ناصر المحمد والمعارضة ابتعدت بشكل ملفت عن جبهة العمل السياسي وفتحت جبهات جديدة ومباشرة في ساحة المجتمع، ما يعني أن سقف تحدي المعارضة مرتفع للغاية ويستدعي بالضرورة الحذر ومــعــالجته قــبل نقطة اللا عودة!





د. حسن عبدالله عباس

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي