«الراي» ترصد يقظة الملف النائم في البر والبحر وتحاور خبيرين

«الذهب الأسود» يلمع فجأة في لبنان

تصغير
تكبير
|بيروت - من ريتا فرج|

ملف نائم اصيب بـ «يقظة» مفاجئة في بيروت التي صارت أخبار «ثروتها» النفطية على كل شفة ولسان، وها هي تحلم بـ «ثورة بيضاء» يمكن أن يشكلها «الذهب الاسود» المترامي في باطن البر والبحر.

فلم يكن اكتشافاً جديداً النتائج التي توصلت إليها شركة «نوبل الأميركية للطاقة»، بعد فحوص زلزالية ثلاثية الأبعاد، وأشارت إلى إمكانية بنسبة 50 في المئة لوجود حقل للغاز يسمى لفيتان، يحوي ما لا يقل عن 16 تريليون قدم مكعب للغاز، أو النفط في الحدود الشرقية للمتوسط، الممتد الى الحدود البحرية الدولية اللبنانية، فقد سبق أن أجريت عمليات تنقيب استهلها لبنان بدءاً من العام 1947.

الثروة النفطية لا تقبع في بحر لبنان فقط، فاليابسة تتمتع بغطاء رسوبي كثيف بحسب الدراسات العلمية التي أشارت إلى أنه يمتد على أطراف السلسلتين الجبليتين الشرقية والغربية. وتؤكد المعطيات أن هذا الغطاء، تتجاوز سماكته الثمانية آلاف متر، ويعود تاريخ تكونه إلى نحو 180 مليون عام، مما يؤهل الصخور الرسوبية للتمتع بالمواصفات الأولية لتشكيل الذهب الأسود النائم، خصوصاً أن هذه الصخور تمتاز بفراغات تسمح لها بتخزين السوائل وفي مقدمها النفط.

والتنقيب عن النفط في لبنان، بدأ بين عامي 1947 - 1967. وآنذاك تمّ حفر نحو سبع آبار ولكنها لم تعط النتائج المرجوة رغم وجود بعض الدلائل النفطية. وفي مرحلة لاحقة أجريت دراسات حديثة للتنقيب، وضعت ضمن خانتين: دراسات جيولوجية تقليدية وأخرى موجّهة.

في زمن الانتداب الفرنسي، اتخذت السلطة الفرنسية قراراً، بدرس جيولوجية المنطقة التي تخضع لسلطتها، أي لبنان وسورية والقسم الجنوبي من تركيا، فقام المهندس الجيولوجي الفرنسي لويس دوبرتريه منتدباً من ادارة المناجم في فرنسا ومن المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي باطلاق مشروع المسح الجيولوجي. وعلى امتداد خمس وعشرين عام عمل دوبرتريه ومجموعة من المساعدين على تنظيم خريطة لبنان الجيولوجية، وقد تم انجازها بحلول عام 1955.

في عام 1953 قامت الشركة الأميركية «US pacific Western C» بحفر بئر في بلدة يحمر الواقعة في منطقة البقاع الغربي، وبيّنت عمليات التنقيب عن وجود مادة الغاز على عمق 700 متر ومادة الاسفلت من عمق 650 متراً إلى 1134 متراً. وفي عام 1995 قام العالم الفرنسي جورج رينوار بدراسة شملت جميع محاولات استكشاف النفط والغاز في لبنان، وخلص إلى أن الأراضي اللبنانية غنية بالمواد العضوية مما يؤهلها إلى انتاج النفط.

تاريخ لبنان مع التنقيب امتد على مدى نحو 70 عاماً أي بدءاً من عام 1947 حتى وضع شركة «بي.جي.اس» لتقريرها عام 2007، الى أن خرجت «نوبل» الأميركية بالخبر شبه المؤكد، ويبرز الجدول المرفق أهم محطات حفر الآبار بين عامي 1947 و1967.



«بي. جي. اس» تقرع الجرس

في عام 2006 قامت شركة «Spectrum» البريطانية بعمليات تنقيب واسعة عن البترول، وأنهت أعمالها دون تزويد الدولة اللبنانية والوزارة المعنية بالتقرير النهائي بالنتائج. لكن الأرقام الأهم توصلت إليها شركة «بي. جي. اس». النروجية، وفي تقرير أصدرته عام 2007 أشارت الى وجود ملايين الإشارات النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية، بكميات تجارية تصل إلى 50 في المئة، ورجحت امتلاك لبنان لمخزونات تصل إلى 8 مليارات برميل، بعد أن قامت الشركة بمسح 700 كيلومتر مربع، على عمق 1000 - 1500 متر، وتوصلت إلى وجود كميات من النفط في المياه الساحلية الشمالية اللبنانية الممتدة من البترون وصولاً إلى صيدا. هذه النتائج وصفها أورنولف لوريتزن مستشار الشؤون الجيولوجية للشركة بالمهمة قائلاً: «إن لبنان سيكون في حاجة إلى كوادره قريباً» وأكد أن الشركة «أنفقت أكثر من 30 مليون دولار أميركي، وبالتالي فهي متأكدة تماماً من وجود النفط في المياه اللبنانية، ولو لم يتم التوصل إلى ذلك لما أنفقنا سنتاً واحداً».

نوبل والأطماع الإسرائيلية

وبالعودة إلى شركة «نوبل» للطاقة التي وضعت تقريرها عام 2009 وأضاءت عليه الصحف الإسرائيلية في شهر يونيو الجاري، تحت عنوان «لفيتان»، فقد أكدت وجود كميات مهمة من الغاز قبالة الشواطئ اللبنانية، والمساحة تتخطى هذه الحدود لتصل إلى المنطقة البحرية الدولية الممتدة بين حدود فلسطين وحدود قبرص. وما إن توصلت «نوبل» لهذه النتائج حتى بدأت إسرائيل بإعداد العدة، فكلفت شركة اميركية بالبدء بالتنقيب داخل منطقة تتخطى حدودها كي تصل إلى الشاطئ اللبناني، علماً أن الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة لم توقّع معاهدة قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة عام 1982 لأسباب كثيرة، في حين أن لبنان وقبرص وقعا عليها.

هذا الاكتشاف النفطي الجديد من المرجح أن يدخل لبنان في عصر الطاقة على وقع التنافس مع إسرائيل، خصوصاً إذا أقدمت الحكومة اللبنانية على وضع القوانين اللازمة لحماية الثروة السوداء، بشكل يؤمن للشركات الأجنبية الضمانة القانونية، لا سيما أن عمليات التنقيب لن تكلف الدولة أي فلس، وفقاً لما يؤكده بعض الخبراء.

ويذكر أن تشاك دافيدسون مدير عام شركة «نوبل»، أعلن أن هذا الاكتشاف سوف يجعل إسرائيل مصدِّرة غاز رائدة في العالم في الأعوام المقبلة، إذا نجحت في التنقيب. والملاحظ أن الحقول الاسرائيلية المسماة بـ «تمار» و«لفيتان» و«ألون» والتي شملها المسح تجري في حقل، إما يتداخل مع مناطق مقابلة للشواطئ اللبنانية أو مع مناطق بعيدة جداً عن الشواطئ الإسرائيلية.

عمليات التنقيب عن النفط والغاز في فلسطين المحتلة بدأت عام 1947 وتوقفت، الى أن استُؤنفت في العام 1955 من جانب شركة «نفط إسرائيل نافتا» المحلية، وقد بلغ معدل الإنتاج في بداية الستينات 100 برميل يومياً. ويلفت وليد خدوري المختص في شؤون الطاقة، إلى أن الشركات الإسرائيلية قامت بأعمال التنقيب خلال الستينات والسبعينات، في المناطق البرية وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 من دون أي نتيجة تذكر. وفي الفترة بين عامي 1958 و1961، تمّ اكتشاف حقول غاز برية صغيرة هي حقول: زوهر وكيدود وكنعانيم، الواقعة غرب البحر الميت. على أن الاكتشاف الأهم لوجود الذهب الأسود، أتت به شركة «نوبل» للطاقة، وأعلنت في نتائجها عن وجود كميات من النفط والغاز تقدر بـ 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل نفط في حوض الساحلي المائي الممتد من لواء الاسكندرون حتى جنوب غزة.

إزاء هذه الاكتشافات الجديدة التي توصلت اليها شركة «نوبل»، طرحت «الراي» ملف الذهب الأسود النائم في لبنان، على وقع الاهتمام المتصاعد في بيروت بالثروة النفطية الكامنة على اثنين من المهتمين: الخبير في شؤون الطاقة رودي بارودي واستاذ الجيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور علي حيدر.



رودي بارودي:

انتاج يكفي ربع قرن


يرى الخبير رودي بارودي أن الدراسات الزلزالية التي أجريت على طول الشاطئ اللبناني تشير إلى وجود مؤشرات للنفط أو الغاز، مقترحاً كيفية استفادة الجهات الرسمية من هذه الثروة، واضعاً أهم الخطوات التي يمكن اتباعها على المستوى القانوني والإداري والانتاجي.

• وضعت دراسة حول التنقيب عن النفط في لبنان. ما هي أهم النتائج التي توصلت اليها؟

- الدراسة التي أعددتها، وقدمت نسخة منها إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تقوم على حقائق علمية وليس توقعات. ومن المعروف أن التنقيب عن النفط في لبنان بدأ منذ العام 1947 حتى عام 1967 دون الوصول إلى النتيجة المطلوبة بسبب عدم توافر التكنولوجيا اللازمة. وبعد هذه الفترة لم يتم حفر أي بئر، وإنما أجريت دراسات مسحية في البحر قامت بها شركات أجنبية، توصلت إلى نتائج مهمة. وفي لبنان لم تهتم الجهات المعنية بمسألة التنقيب بإستثناء المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي قام بين عامي 2003-2004 بحملة شاليمار لمسح الفوالق الزلزالية البحرية، بغية التأكد إذا كانت تحوي مؤشرات نفطية. وفي تقريري ارتكزت على المعلومات التي تقدمت بها شركات عالمية والتي أكدت احتواء الشواطئ اللبنانية على كمية جيدة من الهيدروكربون. وتشير بعض الدراسات الى وجود النفط في المنطقة الممتدة من بكفيا بحنس صاليما معاملتين الشويفات، فهذه المنطقة لديها الطبيعة الجيولوجية نفسها للمنطقة الموجودة في سورية ودلتا النيل. والخبراء الجيولوجيين يؤكدون أن الطبيعة الصخرية ونوع التربة تشبه الى حد كبير المنطقة التي أعرّفها بـ «القوس السوري». وفي الوقت الذي استغلت فيه سورية وإسرائيل ومصر هذه الثروة، لم يقدم لبنان على أي خطوة. وهنا أود الاشارة إلى أن سورية التي تستخرج الغاز من أراضيها، اقترحت مرات عدة تقديم المساعدات المجانية للحكومة اللبنانية، بغية إجراء مسح شامل لليابسة، ولم تكن هناك أي استجابة. بالعودة إلى دراستي حول التنقيب عن النفط والغاز في الشواطئ اللبنانية، فقد اعتمدت على تقرير علمي تقدمت به شركة «East Med Seismic» التي قامت بمسح للشاطئ اللبناني (خارطة رقم 11) وأجرت مسحاً، وتوقعت انتاج لبنان لنحو90000 برميل في اليوم لمدة تراوح بين 20 و25 عام.

أما بالنسبة إلى تقسيم الشاطئ اللبناني الى مكعبات (خارطة رقم 2) وهذه التقنية معتمدة عند العديد من الدول، فالهدف من الاقتراح الذي تقدمت به إجراء تنقيب تدرجي عن النفط، يسهل عملية الاستخراج، على أن يتم ذلك بالتعاون مع شركات أجنبية، ومن دون أن يكلف ذلك الدولة اللبنانية أي تكاليف مادية. فالكثير من الشركات العربية والغربية على استعداد لمساعدة لبنان، وسبق أن قدمت مصر وسورية والجزائر وقطر عروضاً للدولة اللبنانية، ولم يحدث أي تقدم في هذا السياق.

• بعد التقرير الذي تقدمت به هل هناك من «خريطة طريق» مقترحة واستنتاجات يمكن تقديمها للجهات الرسمية المعنية؟

- التنقيب عن النفط في لبنان يحتاج إلى إجراءات قانونية ولوجستية وعلمية، وأقترح على الدولة اللبنانية ووزارة الطاقة الخطوات الآتية: ضرورة أن تقوم الحكومة بإنشاء شركة النفط الوطني بما يؤدي الى تطوير هيكلية الوزارة. إتمام إعداد القوانين الخاصة بالتنقيب، مع العلم أن هناك قانوناً صادراً في 9 أغسطس عام 1933 تحت باب نظام المناجم، تمّ تعديله لاحقاً عام 1983. ترسيم الحدود البحرية عبر الأمم المتحدة. إجراء البحوث من أجل التخطيط الاستراتيجي وتنفيذها وتعديلها. السعي للاستفادة من خبرات أصحاب المهنة أي الدول والشركات التي لديها خبرة في مجال التنقيب (مصر، قطر، السعودية، النروج، الجزائر). إقامة مركز معلومات خاص ببيانات الأعمال، من خلال فهرسة كاملة للمعلومات بدءاً من عام 1947 وصولاً الى نتائج المسح الزلزالي الذي قام به المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2003. وهذا التجميع الدقيق للمعلومات المتوفراة من العام 1947 حتى الآن، يعتبر نقطة انطلاق الدولة اللبنانية باتجاه استكمال الاجراءات القانونية والنظامية، تمهيداً للمباشرة بعمليات تحضير دفتر شروط عالمي لتلزيم البحث والتنقيب واستخراج النفط والغاز من المياه الاقليمية اللبنانية على أن يُرفع الى مجلس الوزراء. قياس وإدارة استراتيجيتنا الابداعية. استحداث آليات مشتركة للممارسات المثلى الواجب اتباعها من شركة النفط الوطني في لبنان. تسليط الضوء على الأماكن الجغرافية المؤاتية في مياه الحوض البحري اللبناني التي من المحتمل انتاج الهيدروكربون منها. التحقق من توافر الاحتياجات النفطية. ويعتبر حفر الآبار الاستكشافية في البحر السبيل الوحيد لاختبار احتمال وجود الهيدروكربون. الإدارة العلمية لجميع الاكتشافات والمخزون نتيجة عمليات التنقيب. جعل الاكتشافات الهيدروكربونية واحدة من أهم مصادر الدخل الوطني. العمل المشترك مع شركات خدمات، وشركات خاصة لادخالها في العمليات النفطية عبر تدريب الكوادر اللبنانية وضمان حق الدولة. وأخيراً يرتبط تجمع الهيدركربون دائماً ببعض المخاطر والنجاحات، إذ تبلغ نسبة نجاح عملية استكشافه في المنطقة لا سيما الواقعة في مياه دلتا النيل في مصر مثلاً، 85 في المئة تقريباً، وهي نسبة إيجابية جداً تزيد من فرص نجاح الاستكشاف اللبناني المحتمل للنفط أو الغاز في البحر. وفي هذا السياق وضعت رسماً بيانياً (الرسم البياني رقم 3) أو هرمياً لكل النقاط التي أشرت اليها وهي تتخذ منحى تصاعدياً في عملية التنقيب عن النفط التي قد تصل الى 90000 برميل في اليوم ويتراوح احتياطها بين 20 إلى 25 عاما.

• في حال تمّ التأكد عبر المسح الزلزالي والاجراءات التي اقترحتها من وجود كميات من النفط أو الغاز تساهم في سدّ الحاجة الوطنية. ما التكاليف المادية المتوقعة على عاتق الدولة اللبنانية؟

- ليست هناك أي تكاليف، فالشركات التي ترسو عليها المناقصة هي التي تتكفل بعملية التنقيب، ونحن في البداية في حاجة إلى قانون شفاف ينظم العلاقة بين الجهات الرسمية المعنية والشركات العملاقة، وإذا تمت الخطوات التي أشرت اليها فمن المرجح ان يتم توظيف ما بين 2000 و2500 عامل لبناني.

• ما مردود الشركات الأجنبية في عملية التنقيب، وما حصتها من الارباح وفقاً للمتفق عليه دولياً؟

- ترتبط هذه المسألة بطبيعة المناقصة التي يتم تحضيرها بعد وضع قانون شفاف يعطي الحماية القانونية لهذه الشركات. وعملية الارباح تتعلق بالمادة المستخرجة إذا كانت نفط أو غاز، وهناك بعض العقود مع بعض الشركات تشترط 10 في المئة من نسبة العائدات، والبعض الآخر 20 في المئة. كل هذه المراحل تحتاج بالدرجة الأولى الى مناخ سياسي مؤاتٍ، وإلى قرار وطني للاستفادة من الثروة النفطية.



علي حيدر: إسرائيل تتعدى

على الحدود البحرية اللبنانية

يقدم الدكتور علي حيدر قراءة علمية لأهم العوامل الطبيعية المساعدة على انتاج النفط أو الغاز، ويشير إلى أن الطبيعة الجيولوجية في لبنان تسمح له بتخزين الطاقة النفطية، لافتاً إلى أن الخريطة الصادرة عن وزارة البنية التحتية الإسرائيلية تتعدى على الحدود البحرية اللبنانية، التي تحتوي أيضاً وفقاً لتقرير شركة «نوبل» الأميركية على مخزون الذهب الأسود.

• ما العوامل المسببة لانتاج النفط أو الغاز، وإلى أي مدى تساهم الطبيعة الجيولوجية للبنان في احتمال تخزينه لكميات من الغاز أو النفط؟

- تتراكم المواد العضوية في قاع البحر والمحيطات، نتيجة كائنات بحرية كانت تعيش في المياه في السابق. وإذا تم الحفاظ على هذه المواد العضوية داخل الرسوبيات التابعة للقاع لفترة زمنية طويلة، وإذا تعرضت هذه الرسوبيات لدرجة حرارة بين 60 و120 درجة مئوية خلال الطمر، تتحول إلى نفط، أما إذا تعرضت لدرجة حرارة أعلى تراوح بين 150 و220 درجة خلال الطمر تتحول إلى غاز طبيعي. أما إذا كانت درجة حرارة الطمر أعلى من ذلك فتتحول إلى غرافيت أي أنها عملياً تحترق في جوف الأرض. هذا بالنسبة إلى الرسوبيات البحرية، أما إذا طُمرت مواد عضوية ناتجة عن بيئة برية، فينتج عن ذلك الفحم الحجري والغاز. وللحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط خصائص مهمة، فالمنطقة كانت مغمورة بالمياه عبر العصور الجيولوجية الثانية والثالثة والرابعة، وبالتالي فإن المواد العضوية التابعة لهذا الحوض أصلها تابع للبحار والمحيطات، أي أن ما تبقى منها قد يتحول إلى نفط أو غاز. يتواجد لبنان، جيولوجياً، ضمن منطقة غنية بالغاز الطبيعي، فإلى الشمال والشرق باتجاه سورية تتوافر هذه المادة، وكما في الجنوب أي فلسطين ومصر. الجزء الساحلي من هذه الدول يشكل جيولوجياً بنية كبيرة غنية بالغاز الطبيعي تسمى القوس السوري (الخارطة رقم 4) وهي تمتد من حوض النيل في مصر شمالاً نحو فلسطين ولبنان وسورية. هناك عوامل جيولوجية مساعدة وأخرى لا تساعد على تخزين النفط أو الغاز، ومن بين هذه العوامل وجود مجموعة من الطبقات الرسوبية في جوف الأرض بعضها ذات نفاذية عالية (أي يسمح بمرور السوائل والغازات) والبعض الآخر ذات نفاذية متدنية (لا يسمح بمرور السوائل والغازات). الرسوبيات الموجودة مقابل لبنان في الجزء الشرقي للحوض المتوسط، لديها هذه النتائج من الرسوبيات النافذة وغير النافذة، وهذا يجعل الحوض مؤهلاً لاحتواء النفط أو الغاز الطبيعي. ومن العوامل التي قد لا تساعد لبنان في الحصول على هذه الثروة الطبيعية، وجود مجموعة من الانكسارات الكبيرة، جزء منها يمتد على طول المناطق اللبنانية براً وبحراً (أي أن كتل الصخور كانت أجزاء صلبة قبل الانكسار وتفكك بعد الانكسار)، وبعض الانكسارات في الطبيعة يسمح بمرور النفط والغاز من جهة لأخرى، والبعض الآخر لا تسمح بذلك. والخوف بالنسبة للبنان أن تكون هذه الانكسارات قد سمحت بتسريب كميات كبيرة من النفط والغاز من جوف الأرض إلى السطح، ما يعني فقدان جزء من الثروة النفطية. والدراسات التي جرت في أعماق لبنان براً وبحراً تظهر مجموعة من المصائد (أي الأمكنة الصالحة لاحتواء النفط أو الغاز في جوف الأرض) لاسيما في المناطق البحرية. وجرى مسح زلزالي ثنائي الأبعاد للمناطق الساحلية اللبنانية تمّ على أساسه تحديد الأماكن المؤهلة لاحتواء النفط والغاز، ثم جرى بعد ذلك مسح ثلاثي الأبعاد لتحديد حجم بعض هذه المناطق.

• أصدرت شركة «نوبل» الأميركية اخيراً تقريراً حول إمكان وجود النفط أو الغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط خصوصاً في المنطقة الممتدة بين لبنان وفلسطين. هل قرأت هذا التقرير، وما تعليقك على الادعاءات الاسرائيلية حول احتكار منطقة تواجد هذه الثروة رغم أن جزءاً منها يقع في الحدود البحرية اللبنانية؟

- إسرائيل كانت تعمل على مسح نحو 10 في المئة من السواحل المحاذية لها، وقررت في الفترة الاخيرة أن توسع نشاط البحث. وتعتبر وزارة البنية التحتية في إسرائيل أن السواحل التابعة لكل الاراضي الفلسطينية، باستثناء سواحل غزة، هي من حق إسرائيل من حيث التنقيب، وتعتبر أن المناطق الساحلية المقابلة للبنان هي من حقها، وتظهر الخارطة (الخارطة رقم 5) الصادرة عن هذه الوزارة أن بعض البقع الساحلية تابعة فعلاً للمناطق اللبنانية، لكن اسرائيل تنفي ذلك وتعتبرها من حقها خاصة الأجزاء الممتدة من رقم 364 الى رقم 370 (الخارطة رقم 6). وهنا يكمن الخلاف مع الجانب اللبناني. وبالتفصيل قامت إسرائيل باكتشاف حقول عدة للغاز في المناطق الساحلية المقابلة لحيفا، فكانت هناك حقول «تمار» و«ضاليط»، وحديثاً كشفت عن حقل «ليفتان». وتقوم شركة «نوبل» الأميركية، بمساعدة إسرائيل في عملية الاستكشاف، ورفعت الشركة تقديرات حقل تمار من الغاز الطبيعي، إلى ما بين 207 الى 2038 مليار متر مكعب أي بزيادة نحو 30 في المئة. وهذا يعني أن حقول الغاز الطبيعي المواجهة لحيفا، والتي قد تمتد في جوف الأرض باتجاه السواحل اللبنانية، هي أغنى بالغاز الطبيعي مما كنا نتوقعه سابقاً، وهذا قد يحوّل اسرائيل كياناً مصدِّراً للغاز. والجدير بالذكر أن هناك كميات كبيرة من النفط قد تتواجد تحت الغاز الطبيعي في جوف الارض، بناءً على تقديرات شركة «نوبل». وعليه فإن هذا الحقل الجديد سيسمح لإسرائيل بإشباع حاجاتها من الغاز الطبيعي لفترة تمتد إلى 35 عاماً، وفي حال قامت بتصدير الغاز ستكون قبرص أحد زبائنها، ولكن قبرص تستهلك كميات قليلة من الغاز، وهنا تلعب تركيا دوراً مهماً، لأن الزبون الأهم لإسرائيل، سيكون القارة الاوروبية، أي أن عملية التصدير ستمر عبر تركيا، ولكن العلاقات الديبلوماسية المتوترة (بين أنقرة وتل أبيب) ستمنعها في الوقت الحالي، أما إذا نجحت فتصدير الغاز سيتجه نحو أوروبا الغربية، ما سيدفع اوروبا إلى تخفيف الاعتماد على مصادر الغاز الطبيعي من شمال افريقيا، وهذا سيقوي موقع إسرائيل في الاتحاد الاوروبي كما لدى اليابان وكوريا وتايوان، وهي عبارة عن أسواق ضخمة تستهلك ثلثي الانتاج العالمي من الغاز السائل.

بالعودة إلى حقل «لفيتان» المكتشف حديثاً، هناك كمية ضخمة من الغاز الطبيعي. وتعمل على هذا الحقل، شركتا «نوبل انرجي»، و«دليك انرجي»، وأظهر المسح الاهتزازي الحديث وجود كميات ضخمة مشتركة بين إسرائيل ولبنان، ما قد يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة تنظيم عمل مفاعل الطاقة عسقلان، والذي كان مصمماً في الأصل كي يعمل بالفحم الحجري، فتقوم بتشغيله بالغاز الطبيعي. ويقدر ما يحويه حقل «لفيتان» بنحو 453 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، واكتشافه يعطي لإسرائيل أماناً اقتصادياً ودعماً سياسياً. وتذهب التقديرات التي قالت بها شركة «نوبل» أن الحقل المكتشف يسد حاجة إسرائيل لمدة 100 عام، علماً أن الاستهلاك السنوي الحالي يصل إلى 5 مليارات متر مكعب، وقد يزداد ليصل إلى 10.2 مليار متر مكعب عام 2019 و15.5 مليار متر مكعب عام 2029، ويتوقع المحللون أن يزداد الطلب على الغاز الطبيعي لدى إسرائيل بوتيرة أسرع من ذلك. هذا الاكتشاف يسمح لإسرائيل بتوسيع مخزونها لاستعماله في الحالات الطارئة عبر تعبئة حقل ماري الذي بدأ بالنضوب.

• ماذا عن البر اللبناني وهل تسمح طبيعته الصخرية في تخزين النفط أو الغاز الطبيعي؟

- الصخور في البر اللبناني ترسبت أصلاً في بيئة رسوبية بحرية، أي أنها تشكل امتداداً لصخور موجودة تحت الجزء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. في البر اللبناني مصائد نفطية عدة ولكنها قريبة من فالق اليمونة، وهذا يجعلها تسرب بعض الثروات من جوف الأرض نحو السطح عبر هذه الفوالق. أهم النتائج الأساسية للمسح الزلزالي في السواحل اللبنانية، تمثلت في ايجاد مصيدة كبيرة مقابل ساحل العبدة في الشمال اللبناني، وهناك عامل مهم يساعد على الحفاظ على الغاز أو النفط في السواحل اللبنانية، يعود إلى توافر طبقة ملحية عازلة، تعود إلى العصر الجيولوجي الثالث، ما يسمح نسبياً بالحفاظ على هذه الثروة الدفينة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي