مشاهد / زمـن النقـد

يوسف القعيد


| يوسف القعيد |
عقد أخيرا في القاهرة «المؤتمر الدولي للنقد الأدبي»- في دورته الثانية التي سميت «دورة الدكتور محمد غنيمي هلال»- وهذه التسميات نوع من التكريم لأنه لا توجد أبحاث أو دراسات تدور حول من تحمل الدورة اسمه. أو محاولات لتقييم دوره النقدي وتقويم إسهامه النظري في مجال النقد الأدبي.
حضرت حفل الافتتاح باعتباره يلخص المؤتمر كله. ربما كان في ذلك قدر من الظلم الشديد للجلسات الكثيرة التي تعقد. لكن كل الآخرين مثلي يركزون على حفل الافتتاح، يحضره الجميع وكل إنسان يمكنه أن يرى جميع الحاضرين في هذا الحفل.
من قبل كان هناك حفل للختام تعلن فيه التوصيات، لكن معظم المؤتمرات اخيراً تلغي مثل هذا الحفل. إلا إن كانت هناك جائزة تسلم في اللحظة الأخيرة من اليوم الأخير في المؤتمر، وحتى مثل هذه الجائزة تجعل المؤتمر كله مجرد مقدمة للحظة إعلان الجائزة... بل وتصرف اهتمام الحاضرين جميعا للجائزة. لا أحد يتابع الأبحاث. لا أحد يحضر الجلسات. إلا بنصف عقل وبنصف ذهن وبنصف تركيز وبنصف اهتمام.
أما الأنصاف الأخرى فهي تتجه إلى الجائزة... لدرجة أنه لو كان الأمر بيدي لأعلنت الجائزة من اللحظة الأولى في الجلسة الأولى لكي أريح وأستريح ويستريح الجميع. ومن يحضر فليحضر رغبة الحضور. ومن يمتنع عن الحضور فهو حر وهو الخاسر. لكنها لعبة الإثارة وجمع الناس بأي طريقة وصلت حتى للمؤتمرات العلمية.
حفل الافتتاح قدمته الناقدة الشابة الدكتورة كرمة سامي.. وقفت على المسرح باعتبارها أصغر أعضاء لجنة الدراسات الأدبية سنا... لم يقدمها أحد. وهي أيضا لم تقدم نفسها، مع أنهم في الغرب يبدأون بتقديم أنفسهم... وكرمة سامي، ابنة سامي فريد. الصحافي المثقف والكاتب الذي رافق يحيى حقي سنوات طويلة من عمره، وله كتاب شديد الجمال عن يحيى حقي.. لم يحظ مثل غيره من الكتب بالاهتمام المطلوب. وهي زوجة محمد حبوشة الصحافي بالأهرام العربي... وهي ناقدة أدبية لها اهتماماتها الكثيرة.
بعدها تكلم الدكتور أحمد درويش، مقرر لجنة الدراسات الأدبية والنقد بالمجلس الأعلى للثقافة... كانت كلمته طويلة. مع أنه في مثل هذه الجلسات الافتتاحية مطلوب الاختصار بقدر الإمكان. لكني توقفت أمام فكرة ركز عليها كثيرا في كلمته... ألا وهي انزعاجه من النقد الصحافي، واعتباره أن هذا النقد أضر كثيرا بالنقد الأكاديمي.
وأنا أختلف معه تماما في الفكرة التي استهلكت جزءا كبيرا من وقت كلمته... لأن النقد الصحافي لا يقوم مكان النقد الأكاديمي. فالنقد الصحافي انطباعي يكتبه صحافي غير متخصص في النقد. ويلعب دورا مهما في لفت نظر القارئ العادي للنقد وللعمل المنقود، أي يشيع حالة من الاهتمام.
محمد عز الدين المناصرة... الشاعر والناقد والباحث الأكاديمي... ألقى كلمة الباحثين العرب. وأعين عن زمن النقد، ردا على مقولة زمن الرواية التي أطلقها جابر عصفور. مع أنه كان يطلقها في مواجهة زمن الشعر.
الدكتور عماد أبوغازي. الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر... ينطبق عليه القول: ما قل ودل. أعلن عن الملتقى الدولي الأول للنقد الأدبي والعربي.. ابتداءً من العام المقبل. ويشمل النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي والفن التشكيلي والغناء والموسيقى. وستكون هناك جائزة القاهرة للنقد الأدبي تمنح مع الملتقى... الذي يعد الملتقى النوعي الرابع. الأول ملتقى الرواية. ثم الشعر والقصة القصيرة وأخيرا النقد الأدبي. وهو خبر جديد بكل المقاييس.
ثم كانت هناك محاضرة لجابر عصفور وهذا تقليد جديد أدارها عبدالسلام المسدي. لم يقرأ جابر من ورقة مكتوبة. كانت هناك نقاط محددة أمامه. وقال إنه سيدون هذه المحاضرة بعد أن يدون المناقشات حولها. ولكن لأن جابر استغرق في المحاضرة ساعتين.. فإن المسدي قال إن المناقشات حولها ستتم في أروقة المؤتمر. وجابر استفاد كثيرا من مهنة الأستاذ الجامعي.. لأنه ارتجل كلمته على مدى ساعتين كاملتين. ولأنه من المستحيل تلخيص ما قاله جابر، وأتوقف عند نقاط الخلاف والاتفاق.
أولا: قال إن الناقد لا بد أن يتبع اتجاها واحدا في نقده. وهذا خطأ لأن الناقد يمكن أن يؤلف بين أكثر من اتجاه. ثانيا قال إن الناقد له وظيفة تعتمد على ثلاثة أسس. الأول التحليل. والثاني التفسير. والثالث التقييم.
لكنه لم يتوقف عند علاقة النص بصاحبه. وعلاقتهما معا - النص وصاحبه - بالعصر الذي كتب فيه والمجتمع الذي صدر عنه. وعن معارف الناقد قال إن الناقد يجب أن يكون ملما بتراثه. عارفا بتراث الغرب... لديه معرفة حقيقية بالواقع الذي يكتب عنه. وقال إن هذه الحقائق تمثلت في طه حسين. الذي كان يعرف التراث العربي. وسافر فرنسا وعاش فيها. ثم رجع إلى مصر. فعرف كل ما كان يجرى في ثقافة مصر. واستشهد بالدكتور محمد غنيمي هلال. كانت له معرفة بالتراث العربي. ثم معرفة بالتراث الأوروبي من خلاف فرنسا. مثل طه حسين. وعندما عاد إلى مصر كان عارفا بالواقع الثقافي المصري.
ثم يتوقف جابر أمام مثلين لم تكتمل فيهما هذه المعارف الثلاث... أولهما لويس عوض. قال إنه لم يكن ملما بالتراث العربي. وإن كان يعرف التراث الغربي والواقع الثقافي الذي يكتب عنه. والشيخ محمد محمود شاكر الذي لم يعرف الثقافة الغربية. لكنه كان يعرف التراث العربي. وأيضا لم يكن يعرف الواقع الثقافي المحيط به. وفي تصوري أن المثل الأول فيه ظلم كبير. لأن الدكتور لويس عوض كان يعرف التراث العربي معرفة جيدة. رغم أنه لم يستعرض هذه المعرفة أبدا. ثم إن لويس عوض بسبب مسيحيته. لم يكن يحب أن يبحر كثيرا في التراث الإسلامي. لكنه كان يعرفه. والكتاب الذي كتبه في أواخر عمره: «مقدمة في فقه اللغة العربية». عكس الكثير من المعرفة باللغة العربية والقرآن الكريم.
وعموما هذا الكتاب يعد مقدمة لكتاب كبير لم يكمله لويس عوض بعد مصادرة هذا الجزء الذي صدر من كتابه. أيضا أعتقد أن لويس عوض رغم أنه كتب شعر النثر. إلا أنه كان يعرف جيدا الشعر العربي العمودي. وربما كانت لديه محفوظات كثيرة منه. لكنه لم يكن يميل بالاستشهاد بها، لأن المسيحية شكلت له كثيرا من الرؤى الثقافية. أما الشيخ شاكر.. فالرجل دخل التراث العربي ولم يخرج منه. ولم يتابع الثقافة المعاصرة. وكان شديد العداء للكتابة بالعامية ولشعرائها. وكل هذه الأمور تحول بينه وبين أن يلعب دورا ثقافيا مهما.
عقد أخيرا في القاهرة «المؤتمر الدولي للنقد الأدبي»- في دورته الثانية التي سميت «دورة الدكتور محمد غنيمي هلال»- وهذه التسميات نوع من التكريم لأنه لا توجد أبحاث أو دراسات تدور حول من تحمل الدورة اسمه. أو محاولات لتقييم دوره النقدي وتقويم إسهامه النظري في مجال النقد الأدبي.
حضرت حفل الافتتاح باعتباره يلخص المؤتمر كله. ربما كان في ذلك قدر من الظلم الشديد للجلسات الكثيرة التي تعقد. لكن كل الآخرين مثلي يركزون على حفل الافتتاح، يحضره الجميع وكل إنسان يمكنه أن يرى جميع الحاضرين في هذا الحفل.
من قبل كان هناك حفل للختام تعلن فيه التوصيات، لكن معظم المؤتمرات اخيراً تلغي مثل هذا الحفل. إلا إن كانت هناك جائزة تسلم في اللحظة الأخيرة من اليوم الأخير في المؤتمر، وحتى مثل هذه الجائزة تجعل المؤتمر كله مجرد مقدمة للحظة إعلان الجائزة... بل وتصرف اهتمام الحاضرين جميعا للجائزة. لا أحد يتابع الأبحاث. لا أحد يحضر الجلسات. إلا بنصف عقل وبنصف ذهن وبنصف تركيز وبنصف اهتمام.
أما الأنصاف الأخرى فهي تتجه إلى الجائزة... لدرجة أنه لو كان الأمر بيدي لأعلنت الجائزة من اللحظة الأولى في الجلسة الأولى لكي أريح وأستريح ويستريح الجميع. ومن يحضر فليحضر رغبة الحضور. ومن يمتنع عن الحضور فهو حر وهو الخاسر. لكنها لعبة الإثارة وجمع الناس بأي طريقة وصلت حتى للمؤتمرات العلمية.
حفل الافتتاح قدمته الناقدة الشابة الدكتورة كرمة سامي.. وقفت على المسرح باعتبارها أصغر أعضاء لجنة الدراسات الأدبية سنا... لم يقدمها أحد. وهي أيضا لم تقدم نفسها، مع أنهم في الغرب يبدأون بتقديم أنفسهم... وكرمة سامي، ابنة سامي فريد. الصحافي المثقف والكاتب الذي رافق يحيى حقي سنوات طويلة من عمره، وله كتاب شديد الجمال عن يحيى حقي.. لم يحظ مثل غيره من الكتب بالاهتمام المطلوب. وهي زوجة محمد حبوشة الصحافي بالأهرام العربي... وهي ناقدة أدبية لها اهتماماتها الكثيرة.
بعدها تكلم الدكتور أحمد درويش، مقرر لجنة الدراسات الأدبية والنقد بالمجلس الأعلى للثقافة... كانت كلمته طويلة. مع أنه في مثل هذه الجلسات الافتتاحية مطلوب الاختصار بقدر الإمكان. لكني توقفت أمام فكرة ركز عليها كثيرا في كلمته... ألا وهي انزعاجه من النقد الصحافي، واعتباره أن هذا النقد أضر كثيرا بالنقد الأكاديمي.
وأنا أختلف معه تماما في الفكرة التي استهلكت جزءا كبيرا من وقت كلمته... لأن النقد الصحافي لا يقوم مكان النقد الأكاديمي. فالنقد الصحافي انطباعي يكتبه صحافي غير متخصص في النقد. ويلعب دورا مهما في لفت نظر القارئ العادي للنقد وللعمل المنقود، أي يشيع حالة من الاهتمام.
محمد عز الدين المناصرة... الشاعر والناقد والباحث الأكاديمي... ألقى كلمة الباحثين العرب. وأعين عن زمن النقد، ردا على مقولة زمن الرواية التي أطلقها جابر عصفور. مع أنه كان يطلقها في مواجهة زمن الشعر.
الدكتور عماد أبوغازي. الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر... ينطبق عليه القول: ما قل ودل. أعلن عن الملتقى الدولي الأول للنقد الأدبي والعربي.. ابتداءً من العام المقبل. ويشمل النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي والفن التشكيلي والغناء والموسيقى. وستكون هناك جائزة القاهرة للنقد الأدبي تمنح مع الملتقى... الذي يعد الملتقى النوعي الرابع. الأول ملتقى الرواية. ثم الشعر والقصة القصيرة وأخيرا النقد الأدبي. وهو خبر جديد بكل المقاييس.
ثم كانت هناك محاضرة لجابر عصفور وهذا تقليد جديد أدارها عبدالسلام المسدي. لم يقرأ جابر من ورقة مكتوبة. كانت هناك نقاط محددة أمامه. وقال إنه سيدون هذه المحاضرة بعد أن يدون المناقشات حولها. ولكن لأن جابر استغرق في المحاضرة ساعتين.. فإن المسدي قال إن المناقشات حولها ستتم في أروقة المؤتمر. وجابر استفاد كثيرا من مهنة الأستاذ الجامعي.. لأنه ارتجل كلمته على مدى ساعتين كاملتين. ولأنه من المستحيل تلخيص ما قاله جابر، وأتوقف عند نقاط الخلاف والاتفاق.
أولا: قال إن الناقد لا بد أن يتبع اتجاها واحدا في نقده. وهذا خطأ لأن الناقد يمكن أن يؤلف بين أكثر من اتجاه. ثانيا قال إن الناقد له وظيفة تعتمد على ثلاثة أسس. الأول التحليل. والثاني التفسير. والثالث التقييم.
لكنه لم يتوقف عند علاقة النص بصاحبه. وعلاقتهما معا - النص وصاحبه - بالعصر الذي كتب فيه والمجتمع الذي صدر عنه. وعن معارف الناقد قال إن الناقد يجب أن يكون ملما بتراثه. عارفا بتراث الغرب... لديه معرفة حقيقية بالواقع الذي يكتب عنه. وقال إن هذه الحقائق تمثلت في طه حسين. الذي كان يعرف التراث العربي. وسافر فرنسا وعاش فيها. ثم رجع إلى مصر. فعرف كل ما كان يجرى في ثقافة مصر. واستشهد بالدكتور محمد غنيمي هلال. كانت له معرفة بالتراث العربي. ثم معرفة بالتراث الأوروبي من خلاف فرنسا. مثل طه حسين. وعندما عاد إلى مصر كان عارفا بالواقع الثقافي المصري.
ثم يتوقف جابر أمام مثلين لم تكتمل فيهما هذه المعارف الثلاث... أولهما لويس عوض. قال إنه لم يكن ملما بالتراث العربي. وإن كان يعرف التراث الغربي والواقع الثقافي الذي يكتب عنه. والشيخ محمد محمود شاكر الذي لم يعرف الثقافة الغربية. لكنه كان يعرف التراث العربي. وأيضا لم يكن يعرف الواقع الثقافي المحيط به. وفي تصوري أن المثل الأول فيه ظلم كبير. لأن الدكتور لويس عوض كان يعرف التراث العربي معرفة جيدة. رغم أنه لم يستعرض هذه المعرفة أبدا. ثم إن لويس عوض بسبب مسيحيته. لم يكن يحب أن يبحر كثيرا في التراث الإسلامي. لكنه كان يعرفه. والكتاب الذي كتبه في أواخر عمره: «مقدمة في فقه اللغة العربية». عكس الكثير من المعرفة باللغة العربية والقرآن الكريم.
وعموما هذا الكتاب يعد مقدمة لكتاب كبير لم يكمله لويس عوض بعد مصادرة هذا الجزء الذي صدر من كتابه. أيضا أعتقد أن لويس عوض رغم أنه كتب شعر النثر. إلا أنه كان يعرف جيدا الشعر العربي العمودي. وربما كانت لديه محفوظات كثيرة منه. لكنه لم يكن يميل بالاستشهاد بها، لأن المسيحية شكلت له كثيرا من الرؤى الثقافية. أما الشيخ شاكر.. فالرجل دخل التراث العربي ولم يخرج منه. ولم يتابع الثقافة المعاصرة. وكان شديد العداء للكتابة بالعامية ولشعرائها. وكل هذه الأمور تحول بينه وبين أن يلعب دورا ثقافيا مهما.