«كائنات من غبار» لهشام بن الشاوي ... رواية بروليتارية تحتفي بالحب الافتراضي

غلاف الرواية

هشام بن الشاوي




مصطفى لغتيري *
دأب مؤرخو الأدب على اعتبار الرواية ملحمة البرجوازية، ولعل السبب في ذلك أن ظهورها كشكل كتابي ارتبط بانبثاق البرجوازية إلى الوجود، وسعيها الحثيث للتحكم في وسائل الإنتاج، لتكون وريثة شرعية للارستقراطية والإقطاع، فلم تتوان في خلق الشكل الأدبي الذي يعبر عنها وعن طموحاتها، ومما يؤكد هذا الطرح أن شخوص الرواية الأثيرين، هم أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة، من موظفين وأساتذة وأطباء وكتاب... وبطريقتها الفنية تنبري الرواية لشرح ظروفهم المعيشية، والتعبير عن همومهم الوجودية والنفسية، وتصوير تطلعاتهم المشروعة وغير المشروعة، والمتتبع لمسار الرواية الطويل، سيلمس- لا محالة - صحة هذا الطرح، سواء تعلق الأمر بالمتون المغربية أو العربية أو العالمية، بيد أن هذه القاعدة غير مقدسة، إذ لا نعدم بين زمن وآخر روائيين يجنحون عن هذا التوجه، فينتقون شخوصهم من الطبقات الاجتماعية المسحوقة، تلك التي تكتوي بنار شظف العيش، دون أن يمنعها ذلك من السعى جاهدة لاقتناص لحظات المتعة العابرة، ومن هؤلاء حنا مينة ومحمد شكري وغيرهما.
وأزعم أن من يقرأ رواية « كائنات من غبار «الصادرة حديثا، لن يتردد في إضافة اسم كاتبها هشام بن الشاوي إلى هذه الثلة من الروائيين، الذين استهواهم المهمش والهامشي في درجاتهما القصوى، فالسارد في هذه الرواية ينتمي إلى الطبقة «البروليتاريا «المسحوقة، التي تكسب رزقها بعضلاتها وعرق جبينها بمعناه الحقيقي وليس المجازي، فهو يشتغل في أحد ورش البناء صحبة رفاق من طينة خاصة، أول ما يدل على ذلك أسماؤهم، التي نحتت على المقاس حتى تناسبهم، وهي في الغالب ألقاب يطلقونها على بعضهم، فتتغلب على أسمائهم الحقيقية، بل تمحوها إلى الأبد، وهذه الألقاب من قبيل «كبالا» و«بعية» و«بو الركابي»... هؤلاء الرفاق يطربون وينتشون على إيقاعات المغني الشعبي «الستاتي»، وهوايتهم المفضلة التحرش بالنساء بطريقتهم الخاصة، التي تشبه ما قام به « كبالا» الذي «أفرغ الكأس في جوفه دفعة واحدة، وردد بصوت طفولي حاد، كما تعود حين يرى نسوة مارات أمام الورش:
«وا باااغي اللحممم، واباغي لحايممممة رطيبة»، يفهمن غزله الوقح البذيء، يتضاحكن في غنج مزهوات بأجسادهن» ص 76.
ومما يؤجج طابع الإثارة في هذه الرواية أن السارد متورط في قصة حب افتراضي، مع امرأة، يتواصل معها عبر الانترنيت ويجمع بينهما أحد المواقع الإلكترونية، هذا الحب الافتراضي يتسامى به السارد عن واقعه المر، الذي يفرض عليه حياة قاسية وصعبة مع رفاق لا يفهمون الحب إلا في الممارسة الجنسية، وهم يسخرون من عواطفه الجياشة تجاه امرأة
تفصل بينه وبينها آلاف الأميال، وهكذا ما إن يسمعونه يحدث حبيبته، التي تهاتفه على حين غرة، حتى يسخرون منه «خصوصا وهو يتكلم بلهجة مصرية مع حبيبته التي يسميها» قطته الشامية».
كتبت هذه الرواية بأسلوب سلس وممتع ومتين، يفاجئ القارئ بانسيابيته، وجمله السردية، التي تحكم الكاتب في بنائها بشكل يفي بالمطلوب، وهذا ما يجعلني أدعي- قرير العين- بأن هذه الرواية تؤشر على ولادة روائي مغربي قادم بقوة، فلنتأمل هذا المقطع الوصفي من الرواية:
«في هدأة الليل البهيم، تلوح القرى المجاورة غارقة في صمت أواخر الشتاء. يتناهى نباح الكلاب متقطعا وبعيدا. النجوم تسبح في الفضاء السحيق تحرس القمر الشاحب، وقد توارى خلف السحب.
قبالة البيوت، نصبت خيمة كبيرة في الساحة الواسعة، إضاءتها الساطعة تسلب ليل القرية صمته الجليل وظلامه الدامس. يلوح الحزن على صفحات وجوه الفلاحين، المتناثرين داخل الخيمة، مشكلين جماعات صغرى، متفرقة، متحلقين حول الصواني الشاي وأطباق الكسكس، تحدثوا بصيغة الماضي عن الجد الفقيد- بكلمات مختصرة، كأنما ينتزعونها انتزاعا من قلوبهم- عن تعلقه بقريته، التي لم يفارقها إلا لماما»
ص 72.
* قاص وروائي مغربي
دأب مؤرخو الأدب على اعتبار الرواية ملحمة البرجوازية، ولعل السبب في ذلك أن ظهورها كشكل كتابي ارتبط بانبثاق البرجوازية إلى الوجود، وسعيها الحثيث للتحكم في وسائل الإنتاج، لتكون وريثة شرعية للارستقراطية والإقطاع، فلم تتوان في خلق الشكل الأدبي الذي يعبر عنها وعن طموحاتها، ومما يؤكد هذا الطرح أن شخوص الرواية الأثيرين، هم أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة، من موظفين وأساتذة وأطباء وكتاب... وبطريقتها الفنية تنبري الرواية لشرح ظروفهم المعيشية، والتعبير عن همومهم الوجودية والنفسية، وتصوير تطلعاتهم المشروعة وغير المشروعة، والمتتبع لمسار الرواية الطويل، سيلمس- لا محالة - صحة هذا الطرح، سواء تعلق الأمر بالمتون المغربية أو العربية أو العالمية، بيد أن هذه القاعدة غير مقدسة، إذ لا نعدم بين زمن وآخر روائيين يجنحون عن هذا التوجه، فينتقون شخوصهم من الطبقات الاجتماعية المسحوقة، تلك التي تكتوي بنار شظف العيش، دون أن يمنعها ذلك من السعى جاهدة لاقتناص لحظات المتعة العابرة، ومن هؤلاء حنا مينة ومحمد شكري وغيرهما.
وأزعم أن من يقرأ رواية « كائنات من غبار «الصادرة حديثا، لن يتردد في إضافة اسم كاتبها هشام بن الشاوي إلى هذه الثلة من الروائيين، الذين استهواهم المهمش والهامشي في درجاتهما القصوى، فالسارد في هذه الرواية ينتمي إلى الطبقة «البروليتاريا «المسحوقة، التي تكسب رزقها بعضلاتها وعرق جبينها بمعناه الحقيقي وليس المجازي، فهو يشتغل في أحد ورش البناء صحبة رفاق من طينة خاصة، أول ما يدل على ذلك أسماؤهم، التي نحتت على المقاس حتى تناسبهم، وهي في الغالب ألقاب يطلقونها على بعضهم، فتتغلب على أسمائهم الحقيقية، بل تمحوها إلى الأبد، وهذه الألقاب من قبيل «كبالا» و«بعية» و«بو الركابي»... هؤلاء الرفاق يطربون وينتشون على إيقاعات المغني الشعبي «الستاتي»، وهوايتهم المفضلة التحرش بالنساء بطريقتهم الخاصة، التي تشبه ما قام به « كبالا» الذي «أفرغ الكأس في جوفه دفعة واحدة، وردد بصوت طفولي حاد، كما تعود حين يرى نسوة مارات أمام الورش:
«وا باااغي اللحممم، واباغي لحايممممة رطيبة»، يفهمن غزله الوقح البذيء، يتضاحكن في غنج مزهوات بأجسادهن» ص 76.
ومما يؤجج طابع الإثارة في هذه الرواية أن السارد متورط في قصة حب افتراضي، مع امرأة، يتواصل معها عبر الانترنيت ويجمع بينهما أحد المواقع الإلكترونية، هذا الحب الافتراضي يتسامى به السارد عن واقعه المر، الذي يفرض عليه حياة قاسية وصعبة مع رفاق لا يفهمون الحب إلا في الممارسة الجنسية، وهم يسخرون من عواطفه الجياشة تجاه امرأة
تفصل بينه وبينها آلاف الأميال، وهكذا ما إن يسمعونه يحدث حبيبته، التي تهاتفه على حين غرة، حتى يسخرون منه «خصوصا وهو يتكلم بلهجة مصرية مع حبيبته التي يسميها» قطته الشامية».
كتبت هذه الرواية بأسلوب سلس وممتع ومتين، يفاجئ القارئ بانسيابيته، وجمله السردية، التي تحكم الكاتب في بنائها بشكل يفي بالمطلوب، وهذا ما يجعلني أدعي- قرير العين- بأن هذه الرواية تؤشر على ولادة روائي مغربي قادم بقوة، فلنتأمل هذا المقطع الوصفي من الرواية:
«في هدأة الليل البهيم، تلوح القرى المجاورة غارقة في صمت أواخر الشتاء. يتناهى نباح الكلاب متقطعا وبعيدا. النجوم تسبح في الفضاء السحيق تحرس القمر الشاحب، وقد توارى خلف السحب.
قبالة البيوت، نصبت خيمة كبيرة في الساحة الواسعة، إضاءتها الساطعة تسلب ليل القرية صمته الجليل وظلامه الدامس. يلوح الحزن على صفحات وجوه الفلاحين، المتناثرين داخل الخيمة، مشكلين جماعات صغرى، متفرقة، متحلقين حول الصواني الشاي وأطباق الكسكس، تحدثوا بصيغة الماضي عن الجد الفقيد- بكلمات مختصرة، كأنما ينتزعونها انتزاعا من قلوبهم- عن تعلقه بقريته، التي لم يفارقها إلا لماما»
ص 72.
* قاص وروائي مغربي