د. محمد القزويني / وللحرية قافلة... لكن شعبية!

تصغير
تكبير
هل لا يزال المسؤولون العرب يعتقدون أن قضية فلسطين عربية، وأن للعرب فقط الحق في حلها، وبالطريقة التي يرون، وعلى من يريد أن يحمل هذه القضية من غير العرب أن يتبنى الموقف والرأي العربي... إن كان ثمة موقف.

قافلة الحرية التي انطلقت إلى غزة، تركية المبادرة، وتركية المنطلق، وهي الآن تركية الاستمرار والدفع والمعالجة، ولعل بشائر النتائج الأولية تمثلت في فتح مصر لمعبر رفح بعد أن ظلت ترفض فتحه، كما بدأت أصوات المؤسسات الغربية حكومية، وأهلية، اوروبية وغربية، تتعالى لانهاء الحصار ولوم الكيان الصهيوني، مع ورود بعض الأنباء عن تصدعات في المؤسسات الصهيونية العسكرية والمدنية، وأحاديث عن مطالبات إسرائيلية بإقالة بعض مسؤوليهم. يجري هذا وسط أنباء متواترة عن الاستعداد المتواصل لإرسال، أو بالأحرى انطلاق قافلة حرية أخرى في الأيام القليلة المقبلة. هذه المجموعة من المواقف تتالت إثر انطلاق تلك القافلة المباركة ذات الطبيعة الشعبية، قادتها ورعتها وتدافع عنها تركيا. قبل تركيا كانت إيران، وما زالت، ترفع الصوت الحاد في كل المحافل ضد إسرائيل، وتطالب بتقريع كل من يساند إسرائيل ويسالمها، وتعلن صراحة عن مساعداتها للفلسطينيين، وبدل أن يلتف العرب حولها أخذوا يحاربونها، ويدعمون من هاجمها، حتى إذا ما فشلوا بحثوا عن أعذار أخرى لخلق حاجز بين إيران وقلوب الملايين من العرب الذين وجدوا في مواقف ايران المؤيدة للحق العربي جدية وثباتا أكثر، وإخلاصا أكبر مما في مواقف أهل القضية وأصحابها. ولا ندري ماذا يخبئ الغد لتركيا، وكيف سترد الدول العربية الجميل لها لموقفها الإنساني من قضيتنا خاصة أنها عرت بعض المواقف العربية ليس بالقول بل بالفعل عبر أخذها على عاتقها التصدي الحاسم والحازم لمخططات كيان بني صهيون، فهل سيكافأها العرب كما حدث مع إيران من قبل أم أنهم قد عرفوا هذه المرة صديقهم الحقيقي الذي يضع مصالحه وسلامة بلده على كفه، وينطلق ليحارب الصهاينة ومن ورائها من كبريات الدول جنباً إلى جنب العرب. أم أن عربنا سيبحثون عن صديق يفعل كما يفعل بعض العرب أنفسهم حينما يقولون شيئاً، وفي العلن وأمام وسائل الإعلام العربية يلعلعون بمواقف واتفاقات لم تحصل كما قال بذلك بعض الديبلوماسيين الأجانب.

لقد أثبتت قافلة الحرية أن للعالم ضميراً حياً متفاعلاً إن اقتنع، لكنه في حاجة إلى من يخاطبه بالاسلوب الذي يستوعبه واللغة التي يفهمها، فما بالنا نفشل في تجييش العالم واستنهاضه لمساندة قضية فلسطين العادلة، فقد كان للرأي العام العالمي الأثر الكبير في حل العديد من المشاكل، وما قضية جنوب افريقيا منا ببعيدة. ان قضيتنا عادلة ولكننا نسيء استعمالها وتسويقها، فكم فقدنا من أصوات حرة شريفة أخرى، كصوت الرئيس الفينزويلي شافيزالذي قطع علاقاته مع إسرائيل لعدوانها على لبنان، لكن فعلته تلك لم تجد حتى كلمة شكر من أصحاب القضية الفلسطينية. ان السبب في رأيي أننا تركنا مصير القضية بيد الساسة العرب، وهم لارتباطاتهم الدولية لا يستطيعون فعل أكثر مما فعلوا، فليكن الحل إذاً لدى الشعوب التي تحسن دائما انتزاع حقوقها من غاصبيها. فلنتحول إلى الضمائر الحية للشعوب التي أوصلت تلك الحكومات إلى كراسيها فهي الكفيل بمحاسبة مسؤوليها عن تقاعسهم، شريطة أن نحسن التصرف، وألا ندع رعاعنا يلجأون لتصرفات ارتجالية تحدث ردة فعل عكسية في تلك المجتمعات. وللفلسطينيين أقول ان تصوير المسألة على أنها مأساة «شعبنا الفلسطيني» يوحي للعالم أن القضية محصورة في فئة معينة، وأن من يريد أن يتدخل فلابد من موافقة ورضا أصحاب القضية، أما لو طرحت عبارة «الشعب الفلسطيني» فذلك يعني فتح الباب على مصراعيه للأفكار والجهود والمبادرات وتنوعها للدفاع عن هذا الشعب المظلوم.

أجل لقد حان الأوان لتنطلق قوافل الحرية الشعبية بأشكالها وأساليبها كافة، فقد أسقطت الشعوب حكومات، والجأت أخرى لسلوك نهج جديد يقوم على العدالة والمساواة. فلتترك حكوماتنا المبادرة للشعوب العربية لتنظم وتدعو وتنادي وتجتمع وتسير جماهير العرب جنباً إلى جنب مع دعاة الإنسانية وحماتها في دول العالم الحر، فماذا أنجزت لنا مثلاً «لجنة القدس» في الجامعة العربية رغم مرور عقدين من الزمن على انشائها، فالحال الفلسطيني في موقعه الكئيب نفسه بل وإلى الاسوأ. وعلى منظماتنا الانسانية وناشطينا أن يدعو الحكومات في شأنها وألا يكون شعارها «طريق القدس يمر عبرالحكومات» كما ينادي الثوريون المتحمسون، وهذا الكلام ليس دفاعاً مني عن تلك الحكومات بل كي لا نفتح معارك لا تفيد، وحتى لا تتبعثر الجهود في خلافات لا طائل من ورائها، فلعل الحكومات ستكون أسعد الناس لو تحقق الحل دون أن تخسر هي شيئاً.

بقي تساؤل أخير ما زال يحيرني وهو لماذا نجد العالم يهب بسرعة للاجتماع وتقرير ما يجب عمله عند حدوث أزماتنا، لكن جامعتنا العربية العتيدة تجتمع متأخرة، ان لم تأت بعد انقشاع الأزمة ونهايتها، وغالباً يكون غيرنا قد اتخذوا قراراتهم، بل وقاموا باجراءات عملية؟



د. محمد القزويني

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي