تواصل / الخصيم

فاضل مصطفى الزباد





|فاضل مصطفى الزباد|
الفرق بين الصلح والخصومة كالفرق بين التعنت والليونة، فما ينطبق على الصلح هو أمر لا يتجاوز التفاهم وما ينطبق على الخصومة، أمر يتقوقع داخل تحجيم ذلك التفاهم.
الأسباب موجودة ولا تضيع مبرراتها وردود الدفاعات تقتحم ما يتجاوزه من يضيّق الخناق على الآخر، لرده عن تصرف وربما زجره بنوع من الشدة والاستبداد في فرض الرأي، بما لا يتنازل عما يسقط تدخله الذي يراه أنه الأصح في ظرف معين، وفي بيئة معينة وموقف معين ويحدث نفور ويحدث خصام وتوتر وشد وجذب، كلامي يصل إلى حد التحرك العكسي المستمر ضد الآخر، وتحشيد الكراهية بل وحتى إساءة السمعة.
ليس هناك هدف واضح ينجم عن ذلك، وإنما نتيجة متخشبة تفترض المنع وحسب، ليس عتاباً بل إنه فرض لرأي وليست نصيحة وإنما ردع ينطق بحتمية الاذعان، وقتما تحدث رعشة عدم التقبل وصرامة الرفض التي تصل إلى درجة العناد.
الخصومة دائماً مرتبطة بالعناد، مفجرة كل حوائط العلاقات، صداقة، أخوة، ارتباط زواج، دائماً لا تقف على الحياد، تضيع معها حرية أحقية كل طرف في إبداء وجهة نظره ويضيع معها حق النقاش وحق الحوار، وحتى حق اتخاذ القرار، وضع يلتف التفافاً حول عنق كل طرف، تبديد كلامي وردود أفعال قلقة، موغلة في ضرام معركة حامية من التفرد والأنانية والتلويح بالتهديدات والتحدي وفقدان الصبر واستنزاف الحجج وتصاعد الوتيرة وتصلب العريكة.
تلك الخصومة قد لا تنفع معها التدخلات ولا النصائح ولا تقدير الكُبَراء، لأنها تدخل ضمن حفيظة ثائرة هائجة، تختلط فيها الهجمات والدفاعات والتشهير والتحذير.
بماذا يفكر الخصامي، هل يجبر الآخرين على التنازل عن إرادتهم وقناعاتهم، أم هل يَلِتْهُمْ «يُنقِصهم»، من شخصياتهم ليتخلّوا له عن دعائم وجودهم كبشر مثله ذلك المتبلد، يتخذ من تصفية حساباته أسلوباً لا يزداد إلا تصحّراً في أحاسيسه وظلماتٍ في مشاعره بسبب عدم إدراكه قيمة العفو، الذي يبرقه مع مقدرته، الذي إن تخلى عنه فإن ذلك يرديه في منعزل الكراهية. يركب الغلو باستخدام البأس ويشمّر إمالة الوجه باستخدام التجهم، يتأثر بمن يحادّون أضداده، يدّكِرْ العزوف وينفث الاحتقان، يحتفظ بالصورة التي رسمها عن مناقضيه زمناً يظل يتجاولها برأسه ويتخاطبها بلسانه، ليته عندما يمر بموقف يستلزم التحامه ومصاحبته أن يلجأ إلى ترضية حتى ولو كانت موقتة الظرف، لكنه لن يفعل بل يشعل الفتيل ويؤجج الإثارة يبدي ما يضمر من سوء دائماً، ويخفي مناززة التواضع والتوادد، مستقلبٌ أعذاره، ومستبعِدٌ لأماني المسامحة، ينحو نحو المناهضة ويستفز بالمعاكسة، يقر دفعة التأزم ولا ينوي الوصول إلى صدارة اللقاء وتخفيف اللهجة ولا إلا طرح مذكرة تفاهم قد تُجدْوِل التنازل وتستخلص وفاء التواصل.
من ذلك أقول، ان الخلاف مكيدة، والصلح معترف بمداخلات القيل والقال، فمن بغى فهو منصرف لهوى نزوته ومن عفا فإن له أفضلية رجاحة الحكمة ومأْلفة التراحم.
* شاعر وكاتب
[email protected]
الفرق بين الصلح والخصومة كالفرق بين التعنت والليونة، فما ينطبق على الصلح هو أمر لا يتجاوز التفاهم وما ينطبق على الخصومة، أمر يتقوقع داخل تحجيم ذلك التفاهم.
الأسباب موجودة ولا تضيع مبرراتها وردود الدفاعات تقتحم ما يتجاوزه من يضيّق الخناق على الآخر، لرده عن تصرف وربما زجره بنوع من الشدة والاستبداد في فرض الرأي، بما لا يتنازل عما يسقط تدخله الذي يراه أنه الأصح في ظرف معين، وفي بيئة معينة وموقف معين ويحدث نفور ويحدث خصام وتوتر وشد وجذب، كلامي يصل إلى حد التحرك العكسي المستمر ضد الآخر، وتحشيد الكراهية بل وحتى إساءة السمعة.
ليس هناك هدف واضح ينجم عن ذلك، وإنما نتيجة متخشبة تفترض المنع وحسب، ليس عتاباً بل إنه فرض لرأي وليست نصيحة وإنما ردع ينطق بحتمية الاذعان، وقتما تحدث رعشة عدم التقبل وصرامة الرفض التي تصل إلى درجة العناد.
الخصومة دائماً مرتبطة بالعناد، مفجرة كل حوائط العلاقات، صداقة، أخوة، ارتباط زواج، دائماً لا تقف على الحياد، تضيع معها حرية أحقية كل طرف في إبداء وجهة نظره ويضيع معها حق النقاش وحق الحوار، وحتى حق اتخاذ القرار، وضع يلتف التفافاً حول عنق كل طرف، تبديد كلامي وردود أفعال قلقة، موغلة في ضرام معركة حامية من التفرد والأنانية والتلويح بالتهديدات والتحدي وفقدان الصبر واستنزاف الحجج وتصاعد الوتيرة وتصلب العريكة.
تلك الخصومة قد لا تنفع معها التدخلات ولا النصائح ولا تقدير الكُبَراء، لأنها تدخل ضمن حفيظة ثائرة هائجة، تختلط فيها الهجمات والدفاعات والتشهير والتحذير.
بماذا يفكر الخصامي، هل يجبر الآخرين على التنازل عن إرادتهم وقناعاتهم، أم هل يَلِتْهُمْ «يُنقِصهم»، من شخصياتهم ليتخلّوا له عن دعائم وجودهم كبشر مثله ذلك المتبلد، يتخذ من تصفية حساباته أسلوباً لا يزداد إلا تصحّراً في أحاسيسه وظلماتٍ في مشاعره بسبب عدم إدراكه قيمة العفو، الذي يبرقه مع مقدرته، الذي إن تخلى عنه فإن ذلك يرديه في منعزل الكراهية. يركب الغلو باستخدام البأس ويشمّر إمالة الوجه باستخدام التجهم، يتأثر بمن يحادّون أضداده، يدّكِرْ العزوف وينفث الاحتقان، يحتفظ بالصورة التي رسمها عن مناقضيه زمناً يظل يتجاولها برأسه ويتخاطبها بلسانه، ليته عندما يمر بموقف يستلزم التحامه ومصاحبته أن يلجأ إلى ترضية حتى ولو كانت موقتة الظرف، لكنه لن يفعل بل يشعل الفتيل ويؤجج الإثارة يبدي ما يضمر من سوء دائماً، ويخفي مناززة التواضع والتوادد، مستقلبٌ أعذاره، ومستبعِدٌ لأماني المسامحة، ينحو نحو المناهضة ويستفز بالمعاكسة، يقر دفعة التأزم ولا ينوي الوصول إلى صدارة اللقاء وتخفيف اللهجة ولا إلا طرح مذكرة تفاهم قد تُجدْوِل التنازل وتستخلص وفاء التواصل.
من ذلك أقول، ان الخلاف مكيدة، والصلح معترف بمداخلات القيل والقال، فمن بغى فهو منصرف لهوى نزوته ومن عفا فإن له أفضلية رجاحة الحكمة ومأْلفة التراحم.
* شاعر وكاتب
[email protected]