رئيس بلدية لندن يفشل في جر كاميرون إلى حلبة خليج المكسيك

البريطانيون يشعرون بخطر أزمة «بي بي» على أمنهم القومي

تصغير
تكبير
|لندن من إلياس نصرالله|

تشهد العلاقة بين لندن وواشنطن توتراً ملحوظاً يُنبئ ببدء مرحلة جديدة في العلاقة الاستراتيجية بينهما التي يبدو أنها ستكون مثقلة في الفترة المقبلة بهموم اقتصادية جبارة تخص البلدين، أكثر من الهموم العسكرية والأمنية والسياسية على المسرح الدولي التي احتلت مركز الصدارة في هذه العلاقة المتميزة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، منذ صعود رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر إلى الحكم عام 1979.

ففي الأربع والعشرين ساعة الماضية انشغل المحللون السياسيون على شاطئي الأطلسي في محاولة لتفسير الانعطاف المفاجئ الذي فعله رئيس بلدية لندن بوريس جونسون أحد رموز حزب المحافظين البريطاني الحاكم الذي لأول مرة هاجم الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما في شكل خاص وعلى نحو مكشوف بسبب تشدده تجاه شركة النفط البريطانية «بي بي» في كارثة تسرب النفط في خليج المكسيك. فمع أن جونسون ليس عضواً في الحكومة الإئتلافية لحزبي المحافظين والليبراليين الديمقراطيين، إلا أنه يظل واحداً من رموز حزب المحافظين الذين يعتز الحزب بهم ويعتبرهم ذخراً له وواحداً من أعمدة الحزب الرئيسية. فقبل استقالته من عضويته في مجلس العموم لتسلم رئاسة بلدية لندن، شغل جونسون منصب وزير الثقافة في حكومة الظل برئاسة ديفيد كاميرون الذي أصبح رئيساً للوزراء في مايو الماضي. أي أنه لو لم يصبح رئيساً لبلدية لندن قبل عامين لكان الآن من المؤكد وزيراً في حكومة كاميرون.

فجونسون فجّر الصمت شبه الرسمي البريطاني حيال أزمة «بي بي» مع أوباما واعتبرها مسألة تهدد الأمن القومي البريطاني، إذ قال في تصريح لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية «البي بي سي» أن «الخطاب المعادي لبريطانيا الذي يخرج من أميركا مقلق إلى حدٍ ما». وكان جونسون يعلق على نتائج الانخفاض الشديد في قيمة أسهم شركة «بي بي» بحوالي 16 في المئة أول من أمس على أثر تصريحات أطلقها أوباما حول ضرورة أن تتحمل الشركة كامل المسؤولية عن الكارثة الطبيعية والإنسانية التي تسبب بها التسرب النفطي في خليج المكسيك. وقال جونسون «أود رؤية قليل من الرؤوس المتزنة وردود الفعل الهادئة حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة». وأضاف «عندما تنظر إلى الخطر الذي تتعرض له صناديق الائتمان البريطانية جراء «بي بي» وقيمة أسهمها وأهميتها الحيوية، فالمسألة تصبح قلقاً قومياً». وانتصر جونسون للشركة البريطانية وقال أن «ما حدث كان مجرد حادث عادي.. وتدفع الشركة ثمناً باهظاً جداً جداً له حقاً».

وكان كاميرون في طريقه إلى أفغانستان عندما أطلق جونسون هذه التصريحات، ومع أن رئيس الوزراء رفض الإنجرار إلى الجدل الذي أحدثه رئيس بلدية لندن في هذه المسألة وظل متمسكاً بموقفه الذي أعلنه في مطلع الأسبوع الجاري بأن الأزمة في خليج المكسيك تخصص شركة «بي بي» وحدها، إلا أن ما فعله جونسون يظل تعبيراً من القلق في الشارع البريطاني وخاصة في الأوساط المالية والتجارية بسبب تبعات التسرب النفطي الكارثي وضخامة حجم الأضرار التي تسبب بها للولايات المتحدة والتي لم تتضح حقيقتها بعد ولا أحد يقدر على تقدير حجمها بسبب استمرار تدفق النفط من بئر «ديب هورايزون» في مياه المحيط الأطلسي. واعتبر بعض المحللين أن يكون تصريح جونسون بهذا الخصوص جاء بالتنسيق مع كاميرون أو مساعديه، إذ من غير المعقول أن يضع جونسون زعيم حزبه كاميرون في موقف حرج في العلاقة الحساسة أصلاً مع الولايات المتحدة من دون تنسيق.

وكانت تقارير مالية بريطانية تحدثت عن أن صناديق إئتمان عديدة خاصة تلك المختصة بالتقاعد اشترت أسهماً لها في شركة «بي بي» كون هذه الشركة واحدة من أنجح الشركات وشهدت اسهمها على مدى القرن الماضي والعقد الأخير في شكل خاص استقراراً ملفتاً للنظر، بل ازدادت قيمتها في شكل كبير، مما شجع المستثمرين على توظيف أموالهم في شراء الأسهم فيها. فمع أن عدد العاملين في «بي بي» لا يتجاوز العشرة آلاف عامل وموظف، إلا أن حجم الاستثمارات البريطانية فيها كبير جداً، مما يجعل أي هزة في أسهمها خطراً يهدد الاقتصاد البريطاني برمته. وكانت التقارير ذاتها تحدثت خلال الأسبوع الحالي عن أن حجم الخسارة التي تكبدتها «بي بي» حتى الآن في خليج المكسيك وصل إلى 56 مليار جنيه استرليني، وهناك خطر أن تنخفض قيمة أسهمها إلى النصف خلال فترة قصيرة. ويزيد استمرار تسرب النفط وعدم قدرة الشركة على وضع حدٍ له من ضبابية الموقف ومستقبل قيمة أسهم الشركة.

ويلقي الرئيس أوباما بكامل المسؤولية على «بي بي»، حيث من المنتظر أن تواجه الشركة مئات الآلاف وربما الملايين من الدعاوى التي سيقيمها المواطنون الأميركيون ضدها لتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة للتسرب النفطي. هذا علاوة على التعويضات التي ستدفعها الشركة للحكومة الأميركية عن الأضرار التي لحقت وستلحق بالبيئة الأميركية عامة. ووفقاً لتقارير أولية سيصل حجم تكلفة المساعي التي تقوم بها «بي بي» لوقف التسرب النفطي إلى 25 مليار دولار.

ويرى بعض المراقبين أن موقف كاميرون الحيادي في هذه الأزمة مسألة مؤقتة، وأنه عاجلاً أم آجلاً سيجد نفسه ملزماً بالدفاع عن المصلحة القومية البريطانية والكف عن محاباة أوباما لأغراض في نفسه، أي نفس كاميرون. ولاحظ المراقبون أن كاميرون أعلن خلال زيارته أول من أمس إلى افغانستان إعلانه عن عزمه عدم زيادة عدد الجنود البريطانيين في أفغانستان على عكس ما ترغبه إدارة أوباما. فضمان عدم زيادة التكلفة المالية للمشاركة العسكرية البريطانية في أفغانستان من أولويات حكومة كاميرون التي تنادي بتقليص الميزانيات لتخفيف الديون المتراكمة على ميزانية الدولة. أما أزمة «بي بي» فلا علاقة مباشرة لها بميزانيات الحكومة ويمكن تأجيل النظر فيها ريثما يتضح الموقف في خليج المكسيك وتظهر حقيقة الأضرار التي تسبب بها التسرب النفطي.

غير أن رئيس قسم العمليات في شركة النفط البريطانية دوغ ساتلز، توقع أول من أمس أن يتفاقم حجم الأضرار نتيجة للتسرب النفطي في الأيام المقبلة ليس فقط بسبب استمرار التسرب، بل لأن ما وصل من النفط المتسرب إلى الشواطئ في لويزيانا وألاباما وفلوريدا هو طلائع النفط المتسرب، متوقعاً أن تزداد الكارثة فداحة في الأيام المقبلة لدى وصول كميات النفط الأخرى.



مساهمو «بي بي» وبينهم «هيئة الاستثمار»

ينتظرون بقلق قرار الشركة حول التوزيعات




هوستون - رويترز - قالت صحيفة «فايننشال تايمز» ان مساهمي شركة «بريتيش بتروليوم» (بي بي) ومن بينهم الهيئة العامة للاستثمار التي تساهم بحصة تبلغ 1.75 في المئة، ينتظرون بقلق قرار الشركة حول التوزيعات.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «بي.بي» تبحث تأجيل أو خفض توزيعات ارباحها النقدية عن الربع الثاني للمساعدة في تهدئة الغضب السياسي في الولايات المتحدة حول الكارثة البيئية التي سببها التسرب الهائل.

وساهمت المخاوف بشأن مدفوعات التوزيعات النقدية لـ «بي.بي» في الضغوط الحادة على سهم الشركة ومن بين ذلك انخفاضه لأدنى مستوى في 14 عاما في التعاملات الاميركية الاربعاء الماضي.

ودعا ساسة أميركيون «بي.بي» الى وقف توزيعاتها النقدية من الارباح واستخدام السيولة لتغطية تكاليف تطهير التسرب مع فشل الجهود لوقف تدفق النفط من البئر الواقعة تحت سطح البحر.

وقال الرئيس التنفيذي لـ «بي.بي» توني هيوارد لصحيفة «وول ستريت» «نبحث كل الخيارات بشأن توزيعات الارباح النقدية. لكن لم يتخذ أي قرار بعد».

وأضافت الصحيفة ان «بي.بي» قد تخفض أو ترجئ التوزيعات المقرر أن تعلن يوم 27 يوليو أو تدفعها بالكامل أو تسدد جزءا منها للمساهمين في اتفاق يلزمها بسداد بقية التوزيعات في وقت لاحق.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي