سعود عبدالعزيز العصفور / بصراحة / الله خلق الحكومات وفرق

تصغير
تكبير
شهور والعالم «معفوس»، والجميع ينتظر مؤتمر شركة آبل في واشنطن دي سي والذي أعلنت فيه عن أحدث منتجاتها. لم يكد ينتهي المؤتمر حتى تسابقت خطوط الاتصال، لدى وكالات الأنباء وشبكات الأخبار، تنقل أخباره، هذا ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة آبل، وهذا ما أعلن عنه، وهذا هو جهازهم الجديد، وهذه هي مزاياه، وتلك هي الإضافات الجديدة، وهذا هو سعره، وذلك ما سيحدث للأجهزة القديمة، وغير ذلك من الأخبار العاجلة والمتخصصة والتي غاصت في الحدث حتى آخر تفاصيله.

كل ذلك من الطبيعي والمفروض أن يلفت انتباه أمثالي من المهتمين بالتكنولوجيا، لكنه لم يلفت انتباهي بقدر ما لفته ذلك الخبر الذي تجاهله العديد من وكالات الأنباء. المدعي العام في ولاية نيويورك يحقق في «شبهة» قيام شركة أبل بالتمييز في طريقة بيعها لجهاز «الآي باد» بين زبائنها ذوي البشرة البيضاء والأصول القوقازية وزبائنها ذوي الأصول الصينية. مجرد قيام شركة ابل بما يمكن اعتباره تمييزاً في طريقة البيع بين بعض زبائنها على أساس عرقي أو عنصري كان كفيلاً لقيام مكتب المدعي العام بفتح تحقيق في الموضوع للتأكد من عدم ارتكاب الشركة لمثل هذه الجريمة الكبرى، في عرفهم بالطبع.

أين وصلوا وأين وصلنا؟ سؤال كان لا بد أن يقفز إلى مخيلتي وأنا أقرأ ذلك الخبر بغض النظر عن نتائج التحقيق وتفاعل شركة أبل معه. شبهة تمييز عنصري لأكبر شركة تكنولوجية في الولايات المتحدة تدفع السلطات هناك إلى التحرك، وجرائم، وليس شبهات، واختراقات للقوانين ونسف لمبادئ العدالة والمساواة، وتخريب لمفاهيم المواطنة، وتقسيم لفئات المجتمع، واعتداءات شاهرة ظاهرة على المال العام، وانتهاكات صريحة ووقحة لحقوق الإنسان وكرامته، وتعسف ضد أصحاب الفكر والرأي، كل ذلك يمر أمام أعين المعنيين به والمسؤولين عنه في بلادنا ولا يتحرك ساكن ولا يتوقف متحرك، وكأن شيئاً من ذلك كله لم يكن.

لأنهم يحترمون الإنسان وحقوقه، ولأنهم يحترمون آدميته، ولأنهم يحترمون القانون ويفرضونه، ولأنهم يحترمون الفكر وأصحابه، ولأنهم يحترمون الديموقراطية ودورها، ولأنهم يحترمون دستورهم ومبادئه، لذلك كله هم الآن سادة العالم «الحر» وقادته، ولأننا على كل ما هو خلاف ذلك، فلسنا من ذلك العالم «الحر» ولا نمت له بصلة. حكوماتهم تبحث عن العدالة والمساواة والشفافية، وحكوماتنا تبحث عن «السرية»، صحيح إن «الله خلق الحكومات وفرق».

***

الحرية لسجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم»





سعود عبدالعزيز العصفور

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي