مليحة الشهاب / الفعل الثقافي عند المرأة صورة لثقافة الرجل

تصغير
تكبير
| مليحة الشهاب | في مجتمع تشكله الثقافة الذكورية وتهيمن عليه، لدرجة تظن معها أنه الجنس الأوحد الذي يتمتع بكينونية الأنوجاد. في مجتمع كهذا تبدو الثقافة عند الرجل أمر تكميلي (وجاهي) استعراض عضلات فكرية أمام الآخر، بينما المرأة، فالثقافة عندها حالة تنويرية واستكشافية؛ تنير ذاتها وتستكشف العالم من حولها والعوالم المحرومة منها والممارسات المحظورة عليها. وبالتالي تعيد المرأة ترتيب حياتها وفقا لقناعاتها الجديدة، حيث تقوم بهدم التراتبية المتوارثة من البيئة؛ والتي حكمت عليها بالوأد المادي والمعنوي. هذه الثقافة المستحدثة في عوالم المرأة، والتي مكنتها من الإمساك بأداة الوعي الإنساني في تجلياته الفكرية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، لتكتشف ذاتها المساوية للرجل في حق الوجود وممارسته كمنحة ربانية. لقد كان لهذه الثقافة أن تظهر في كتابات المرأة، عاكسة عمق التغيير الذي أحدثته في وعي وتراتبية التفكير عندها. لكن دائما هناك خيبة أمل تصفع كل التنبؤات بتشكل مشهد ثقافي نسوي يعمل على إحداث تغيير حقيقي في وضع المرأة ومكانتها الإنسانية والاجتماعية. فما نلاحظه في الرواية النسوية، ذلك الوجود المكثف للنزعة الأيروسية، وظهور نماذج تتكئ على الصوت الأنثوي كنبرة وحيدة في السمفونية التكوينية للذات المؤنثة.. قد يكون ذلك ردة فعل طبيعية لحالات التهميش والإقصاء الذي تعرضت له المرأة، ووضع جسدها في عتمة المحرم، واتباع كل ما يتعلق بها وما يصدر منها في منطقة المحظور، فتحول لديها إلى هاجس للأنوجاد، ويغدو محورا ولبنة أساسية في تشكيل البناء الروائي (الإبداعي بشكل عام). فهي بوعي أو دون وعي تحاول أن تكسر التابو الاجتماعي وتحطم المحرمات الذكورية، ومن ناحية أخرى فهي تختبر لغتها الجديدة في التعبير عن أشيائها الأكثر حميمية، وهي تظن أنه الجسد، وهذا الاعتقاد نتاج للبرمجة العصبية التي تلقتها منذ الصغر بل منذ لحظة التكوين. فهي برمجة ذكورية بامتياز. لكن السؤال هل هذه الأسباب، منفردة أو مجتمعة، كافية لتبرر ظهور الجسد بأيروسيته الطاغية وبهذه الكثافة في الفعل الإبداعي للمرأة..؟. أعتقد بأنه توجد أسباب أخرى، منها على سبيل المثال: أن يقال عنها أنها جريئة، أو لأنه أقصر الطرق للشهرة، أو بحقيقة أن المرأة المبدعة ما زالت أسيرة للبرمجة الذكورية وجاءت كتاباتها تعبيرا عن التصورات الذكورية عن الأنثى، وأن وعيها عجز عن إعادة البرمجة أو أنها لم تحاول القيام بذلك وهنا تكمن المشكلة. لأنها بذلك تكرس فكرة الرجل عن المرأة، مما يؤدي إلى تكون ردة فعل عكسية متطرفة، يقوم الذكر من خلالها بإعلاء سقف التابو، وتصعيد الحجر على المرأة..

وهنا على المرأة أن تخرج من هذا النفق، وتعيد تشكيل وعيها بأن جسدها ليس كل شيء، وتعمل بجد على مقاربات الذات الأنثوية في أطيافها الأكثر ثراء وخصوصية كالأمومة الخلاقة ومعاني العطاء وطبيعة التفاني.





كاتبة سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي