سلطان وحسام ... غرق «مسيحي» في «المنهول» حاول «مسلم» إنقاذه... فجمعهما الموت
| أسيوط (مصر) - من نعمات مجدي |
يومئذ، رأى المصريون في هذا المشهد الإنساني الفريد دلالة قوية، على متانة النسيج الوطني، وصفعة على وجوه وأقفية من يصفقون لحرباء «الفتنة الطائفية»، كي ترقص، وتهز ذيلها، وتبث سمومها في مجتمع آمن منذ زمن بعيد بأن «الدين لله والوطن للجميع».
وكما غادرها «أحمد وبيشوي» غرقا... ودعها «سلطان مصطفى وحسام حنا» في بالوعة صرف صحي.. ذهب حنا إلى مصيره المحتوم أولا، فحاول مصطفى انقاذه، فلم يفلح، وابتلعهما الموت في بطنه، الذي لا يشبع أبدا.
هكذا مات مصطفى وحنا.. بعد ان عاشا سنوات من الحب والصداقة والوفاء، كانت لكل منهما أحلامه وطموحاته، التي تعلق بها في «آفاق رحبة»، ولكن الموت كان في انتظارهما في «قاع كئيب».
مات مصطفى وحنا تاركين وراءهما حزنا عميقا، ضرب بجذوره في أفئدة أهالي قرية «باقور» في محافظة أسيوط (375 كيلو مترا جنوب صعيد مصر)، الذين لا يزالون يبكون شابين، لم تكد الحياة تفتح لهما أحضانها، حتى سبقها إليهما الموت.
«الراي» زارت القرية الحزينة وزارت موقع الحادث في مكان ليس ببعيد عن القرية وتعرفت على تفاصيل الحكاية.
> بداية النهاية
على بُعد 350 كيلو مترا من جنوب القاهرة، وتحديدا في مدينة القوصية في محافظة «أسيوط».. حصل الحادث الأليم حين كلف مقاول الصرف الصحي الصديقين مصطفى وحنا بتنظيف إحدى البيارات في مشروع مجلس المدينة، الذي بدأ العمل فيه قبل 5 سنوات، ولم ينته حتى الآن، فاختل توازن حنا وأشرف على الموت، فهمّ صديقه مصطفى بانقاذه، ولكن كانت للقدر كلمته الحاسمة، فقد مات الصديقان مثلما مات «أحمد وبيشوي».
أحد شهود العيان الذي رصد لحظة غرق الصديقين - صاحب محل الأقمشة - عزت عزيز حبيب قال لـ «الراي»: يبعد محلي عن هذه البالوعة نحو 10 أمتار فقط وفي الليلة المشؤومة سمعت أصواتا وصراخا بالقرب من البالوعة، فهرعت إلى هناك فعلمت أن شابين غرقا في البالوعة، أثناء تنظيفها.
مضيفا: «في هذه اللحظة هرع بعض الأهالي للاتصال بإدارة الدفاع المدني والإنقاذ وادارة الصرف الصحي في القوصية لكن لم يحضر أحد قبل مرور 4 ساعات، حاول خلالها بعضهم الاستعانة بوسائل بدائية لم تجد نفعا».
واستطرد قائلا: قامت ادارة الدفاع المدني بمد «جريد النخل» حتى يحاول الشابان التقاطه والتعلق به لكي يتم انقاذهما، وللأسف الشديد كان القدر أسرع من هذه المحاولات الفاشلة، وغرق الشابان ولفظا أنفاسهما الأخيرة بسبب الغازات الخانقة المنبعثة من البالوعة، كما أن وسائل النجدة - التي حضرت متأخرة - لم يكن لديها الإمكانات الكافية لانتشال الجثتين، وكانت عربات الكسح في حالة رديئة، وتطلب الأمر وقتا طويلا لتفريغ السيارة وانتشال الجثتين.
وفي قرية «باقور» والتي تبعد نحو (20 كيلو مترا جنوب مدينة أسيوط).. التقينا والدة سلطان الشهير بـ «سمسم».. كان قلبها موجوعا على فلذة كبدها والدموع تنهمر من عينيها من دون انقطاع، وقالت: ابني كان معتمدا على نفسه منذ الصغر، حتى إنه كان يعمل أثناء الدراسة، ولكنه - للأسف الشديد - حصل على شهادة الثانوية الأزهرية ولم ينتظر دوره في طابور العاطلين حتى يحصل على فرصة عمل، وشق طريقه وحصل على فرصة عمل في أحد مشروعات الصرف الصحي في مدينة القوصية بأجر يومي 25 جنيها، كان ينفق جزءا منها على تنقلاته ومصاريفه الشخصية ويمنحني الجزء المتبقي.
وأضافت: كان ابني يستيقظ عند الفجر ويتحمل مشقة الانتقال ذهابا وعودة إلى عمله الذي لا ينتهي إلا عند غروب الشمس. منوهة بأن ابنها - رحمه الله - كان عطوفا، وحنونا على الأسرة كلها، خصوصا شقيقه الأصغر خالد الذي يعاني من ضمور في جسده.
تقاوم دموعها من دون جدوى وتضيف: ودعنا صباح يوم الحادث وكأنه يوم الوداع الأخير، فقد أصر على مشاركتنا وجبة الإفطار، وطلب منا أن نسامحه إن كان قد أخطأ في حق أي منا.
وعن علاقته بصديقه حسام حنا قالت: علاقته بحسام كانت قوية، ليست علاقة عمل فقط، فقد كانا صديقين يحب كل منهما الآخر.
وعلى بعد 10 أمتار من منزل صديقه «حسام حنا» التقت «الراي» والدته فتحية ميخائيل وبعض أقاربه.
ولكن قلبها الموجوع والمفجوع بوفاة نجلها، أفقدها الرغبة في الكلام فقط قالت: «حسام حصل على دبلوم التجارة، وله 8 إخوة، وكان يحب صديقه جدا».
وهكذا مات الصديقان مخلفين جذوة حزن في قلوب ذويهما وأهالي قريتهما لن تنطفئ بسهولة رحمهما الله!
اختلفت الديانة ولكن جمعهما وطن واحد، ومصير واحد، اختلفت الديانة، ولكن جمعهما الحب، والنهاية الحزينة، اختلفت الديانة وجمعتهما الصداقة والمشهد الأخير في حياة كل منهما.
وما أشبه الليلة بالبارحة.. فلم يكد يمضي شهر على حادث مصرع «أحمد وبيشوي».. كان «أحمد» يصارع الموت مع موج غادر، فهرع إليه «بيشوي» لإنقاذه، فاحتضنهما الموت تحت جناحيه، وغاص بهما في ظلمات ثلاث.
يومئذ، رأى المصريون في هذا المشهد الإنساني الفريد دلالة قوية، على متانة النسيج الوطني، وصفعة على وجوه وأقفية من يصفقون لحرباء «الفتنة الطائفية»، كي ترقص، وتهز ذيلها، وتبث سمومها في مجتمع آمن منذ زمن بعيد بأن «الدين لله والوطن للجميع».
وكما غادرها «أحمد وبيشوي» غرقا... ودعها «سلطان مصطفى وحسام حنا» في بالوعة صرف صحي.. ذهب حنا إلى مصيره المحتوم أولا، فحاول مصطفى انقاذه، فلم يفلح، وابتلعهما الموت في بطنه، الذي لا يشبع أبدا.
هكذا مات مصطفى وحنا.. بعد ان عاشا سنوات من الحب والصداقة والوفاء، كانت لكل منهما أحلامه وطموحاته، التي تعلق بها في «آفاق رحبة»، ولكن الموت كان في انتظارهما في «قاع كئيب».
مات مصطفى وحنا تاركين وراءهما حزنا عميقا، ضرب بجذوره في أفئدة أهالي قرية «باقور» في محافظة أسيوط (375 كيلو مترا جنوب صعيد مصر)، الذين لا يزالون يبكون شابين، لم تكد الحياة تفتح لهما أحضانها، حتى سبقها إليهما الموت.
«الراي» زارت القرية الحزينة وزارت موقع الحادث في مكان ليس ببعيد عن القرية وتعرفت على تفاصيل الحكاية.
> بداية النهاية
على بُعد 350 كيلو مترا من جنوب القاهرة، وتحديدا في مدينة القوصية في محافظة «أسيوط».. حصل الحادث الأليم حين كلف مقاول الصرف الصحي الصديقين مصطفى وحنا بتنظيف إحدى البيارات في مشروع مجلس المدينة، الذي بدأ العمل فيه قبل 5 سنوات، ولم ينته حتى الآن، فاختل توازن حنا وأشرف على الموت، فهمّ صديقه مصطفى بانقاذه، ولكن كانت للقدر كلمته الحاسمة، فقد مات الصديقان مثلما مات «أحمد وبيشوي».
أحد شهود العيان الذي رصد لحظة غرق الصديقين - صاحب محل الأقمشة - عزت عزيز حبيب قال لـ «الراي»: يبعد محلي عن هذه البالوعة نحو 10 أمتار فقط وفي الليلة المشؤومة سمعت أصواتا وصراخا بالقرب من البالوعة، فهرعت إلى هناك فعلمت أن شابين غرقا في البالوعة، أثناء تنظيفها.
مضيفا: «في هذه اللحظة هرع بعض الأهالي للاتصال بإدارة الدفاع المدني والإنقاذ وادارة الصرف الصحي في القوصية لكن لم يحضر أحد قبل مرور 4 ساعات، حاول خلالها بعضهم الاستعانة بوسائل بدائية لم تجد نفعا».
واستطرد قائلا: قامت ادارة الدفاع المدني بمد «جريد النخل» حتى يحاول الشابان التقاطه والتعلق به لكي يتم انقاذهما، وللأسف الشديد كان القدر أسرع من هذه المحاولات الفاشلة، وغرق الشابان ولفظا أنفاسهما الأخيرة بسبب الغازات الخانقة المنبعثة من البالوعة، كما أن وسائل النجدة - التي حضرت متأخرة - لم يكن لديها الإمكانات الكافية لانتشال الجثتين، وكانت عربات الكسح في حالة رديئة، وتطلب الأمر وقتا طويلا لتفريغ السيارة وانتشال الجثتين.
وفي قرية «باقور» والتي تبعد نحو (20 كيلو مترا جنوب مدينة أسيوط).. التقينا والدة سلطان الشهير بـ «سمسم».. كان قلبها موجوعا على فلذة كبدها والدموع تنهمر من عينيها من دون انقطاع، وقالت: ابني كان معتمدا على نفسه منذ الصغر، حتى إنه كان يعمل أثناء الدراسة، ولكنه - للأسف الشديد - حصل على شهادة الثانوية الأزهرية ولم ينتظر دوره في طابور العاطلين حتى يحصل على فرصة عمل، وشق طريقه وحصل على فرصة عمل في أحد مشروعات الصرف الصحي في مدينة القوصية بأجر يومي 25 جنيها، كان ينفق جزءا منها على تنقلاته ومصاريفه الشخصية ويمنحني الجزء المتبقي.
وأضافت: كان ابني يستيقظ عند الفجر ويتحمل مشقة الانتقال ذهابا وعودة إلى عمله الذي لا ينتهي إلا عند غروب الشمس. منوهة بأن ابنها - رحمه الله - كان عطوفا، وحنونا على الأسرة كلها، خصوصا شقيقه الأصغر خالد الذي يعاني من ضمور في جسده.
تقاوم دموعها من دون جدوى وتضيف: ودعنا صباح يوم الحادث وكأنه يوم الوداع الأخير، فقد أصر على مشاركتنا وجبة الإفطار، وطلب منا أن نسامحه إن كان قد أخطأ في حق أي منا.
وعن علاقته بصديقه حسام حنا قالت: علاقته بحسام كانت قوية، ليست علاقة عمل فقط، فقد كانا صديقين يحب كل منهما الآخر.
وعلى بعد 10 أمتار من منزل صديقه «حسام حنا» التقت «الراي» والدته فتحية ميخائيل وبعض أقاربه.
ولكن قلبها الموجوع والمفجوع بوفاة نجلها، أفقدها الرغبة في الكلام فقط قالت: «حسام حصل على دبلوم التجارة، وله 8 إخوة، وكان يحب صديقه جدا».
وهكذا مات الصديقان مخلفين جذوة حزن في قلوب ذويهما وأهالي قريتهما لن تنطفئ بسهولة رحمهما الله!