مقال / فن التكثيف بامتياز!


| إبراهيم صموئيل |
لم تنل رسوم الكاريكاتير في بلداننا العربية ما تستحقه من العرض في الصالات، ومن إقامة المهرجانات والندوات المخصّصة لها، ومن الطباعة والنشر في الكتب ما نالته، وتناله، اللوحات الزيتية ورسوم الحفر «الغرافيك» ومعارض النحت على الحجر أو الخشب وغيرها مما يندرج تحت عنوان «الفنون الجميلة».
وبالرغم ما لفن الكاريكاتير من إمكانات خاصة، وفريدة، يتميّز ويمتاز بها كالقدرة على التكثيف الشديد للفكرة، والدخول عبر السخرية والمفارقات إلى لبّ الموضوع، وملامسة جوهر الحدث، ووضع الإصبع على بذرة الجرح أو الظاهرة الاجتماعية أو الحدث السياسي، وكذلك الوصول إلى أوسع الفئات والطبقات الاجتماعية على اختلاف مستوياتها الثقافية عبر موطنه الرئيس: الصحف والمجلات ومحطات التلفزة، فضلاً عن طبيعته الساخرة، في الغالب، التي تستهوي عموم الناس... بالرغم من ذلك، فإنه لم ينل ما نالته بقية ألوان الفنون.
فهل سبب ذلك لكون رسوم الكاريكاتير تحظى بوسائل نشر واسعة جداً لا تحظى بها فنون أخرى بحيث تجعلها تلك المنابر في غنى عن الصالات والمهرجانات... أم لأن الكاريكاتير لا يُنظر إليه باعتباره «فناً إبداعياً راقياً» كالنحت والحفر وغيرها من الفنون؟! في ظني أن العامل الثاني هو السبب!
فرغم تلهّف القراء والمتخصصين لمتابعة الرسم الكاريكاتوري في أي صحيفة أو مجلة، وتلقّفهم لموضوعاته بغبطة واهتمام.. إلا أنهم حين يتحدثون عن ألوان الفنون الجميلة، أو يعزمون على إقامة معرض أو طباعة كتاب أو عقد ندوة، فعلى الأغلب تكون رسوم الكاريكاتير خارج أو آخر مقترحاتهم!
وفي الواقع، فإن عدداً من رسوم الكاريكاتير ترتقي إلى مستويات عالية جداً من الإبداع، وتغوص في أعماق سحيقة من النفس البشرية، وتكشف عن مكنونات في الظواهر والأحداث والبشر ببصيرة نافذة وبعيدة المدى. أليست أعمالاً خالدة أن يمدّ أبٌ سجين ذراعيه إلى أقصى ما يمكن من شباك السجن، ويرفع ابنه الطليق في الخارج ذراعيه إلى أقصى ما يستطيع، من دون أن تتمكّن الأذرع من التلامس بسبب مسافة قصيرة بينها تكمن فيها كل تجربة السجن وآلامها؟ أو يصوّر رسمٌ «عيادة» يدخل إلى غرفة طبيبها أناس محتقنون بالهموم والأسى وسُلب حقّهم بالتعبير الجهير عنها، فيبوحون ويعبّرون ويصرخون على مسمع من الطبيب، ثم يغادرون وقد تخفّفوا من أحمالهم وأعباء حياتهم وعبّروا على نحو طليق كما يشتهون؟! أو أن تتجمّع بضعة حيوانات في الغابة لتتابع- مذهولة مستنكرة- الاقتتال الدموي بين البشر الجاري في عالمنا؟!
أعمال لا تحصى، في هذا اللون من الفن، تملك كل مقومات الاستمرار في الذاكرة والوجدان، والتأثير العميق في النفس، والإبداع الفني التعبيري بأشدّ بنائه كثافة. وفنانون عرب كثيرون كناجي العلي وعلي فرزات وصلاح جاهين وبهجت عثمان وجورج البهجوري، وغيرهم حازوا مكانة عالمية عبر أعمالهم، وارتقوا بهذا اللون من الفن إلى مراتب عالية، من دون أن تسعى دور النشر إلى طباعة أعمالهم في كتب، أو تقيم مؤسسات وهيئات مختلفة المعارض لأعمالهم والندوات والمهرجانات عن نتاجاتهم إلا ما ندر وعلى ما يشبه الاستحياء.
سأقول: في ظني «وليس في اعتقادي»، أن علّة الظاهرة الغريبة هذه تعود إلى مغالطة فادحة إزاء هذا اللون وهي النظر إليه، والتعامل معه، والموقف منه على اعتباره جزءاً من العمل الصحافي اليومي، الموقت، والعابر، الذي سرعان ما يطوي الزمن صفحاته كما تُطوى الأخبار اليومية للجريدة، في حين أن أعمال هذا الفن العظيم، وهو عظيم حقاً، تملك من الديمومة والعمق، والذكاء ما تفتقد إليه أعمال حسبناها خالدة، وبذا تكون المشكلة الأم فينا نحن وليست فيه على الإطلاق.
لم تنل رسوم الكاريكاتير في بلداننا العربية ما تستحقه من العرض في الصالات، ومن إقامة المهرجانات والندوات المخصّصة لها، ومن الطباعة والنشر في الكتب ما نالته، وتناله، اللوحات الزيتية ورسوم الحفر «الغرافيك» ومعارض النحت على الحجر أو الخشب وغيرها مما يندرج تحت عنوان «الفنون الجميلة».
وبالرغم ما لفن الكاريكاتير من إمكانات خاصة، وفريدة، يتميّز ويمتاز بها كالقدرة على التكثيف الشديد للفكرة، والدخول عبر السخرية والمفارقات إلى لبّ الموضوع، وملامسة جوهر الحدث، ووضع الإصبع على بذرة الجرح أو الظاهرة الاجتماعية أو الحدث السياسي، وكذلك الوصول إلى أوسع الفئات والطبقات الاجتماعية على اختلاف مستوياتها الثقافية عبر موطنه الرئيس: الصحف والمجلات ومحطات التلفزة، فضلاً عن طبيعته الساخرة، في الغالب، التي تستهوي عموم الناس... بالرغم من ذلك، فإنه لم ينل ما نالته بقية ألوان الفنون.
فهل سبب ذلك لكون رسوم الكاريكاتير تحظى بوسائل نشر واسعة جداً لا تحظى بها فنون أخرى بحيث تجعلها تلك المنابر في غنى عن الصالات والمهرجانات... أم لأن الكاريكاتير لا يُنظر إليه باعتباره «فناً إبداعياً راقياً» كالنحت والحفر وغيرها من الفنون؟! في ظني أن العامل الثاني هو السبب!
فرغم تلهّف القراء والمتخصصين لمتابعة الرسم الكاريكاتوري في أي صحيفة أو مجلة، وتلقّفهم لموضوعاته بغبطة واهتمام.. إلا أنهم حين يتحدثون عن ألوان الفنون الجميلة، أو يعزمون على إقامة معرض أو طباعة كتاب أو عقد ندوة، فعلى الأغلب تكون رسوم الكاريكاتير خارج أو آخر مقترحاتهم!
وفي الواقع، فإن عدداً من رسوم الكاريكاتير ترتقي إلى مستويات عالية جداً من الإبداع، وتغوص في أعماق سحيقة من النفس البشرية، وتكشف عن مكنونات في الظواهر والأحداث والبشر ببصيرة نافذة وبعيدة المدى. أليست أعمالاً خالدة أن يمدّ أبٌ سجين ذراعيه إلى أقصى ما يمكن من شباك السجن، ويرفع ابنه الطليق في الخارج ذراعيه إلى أقصى ما يستطيع، من دون أن تتمكّن الأذرع من التلامس بسبب مسافة قصيرة بينها تكمن فيها كل تجربة السجن وآلامها؟ أو يصوّر رسمٌ «عيادة» يدخل إلى غرفة طبيبها أناس محتقنون بالهموم والأسى وسُلب حقّهم بالتعبير الجهير عنها، فيبوحون ويعبّرون ويصرخون على مسمع من الطبيب، ثم يغادرون وقد تخفّفوا من أحمالهم وأعباء حياتهم وعبّروا على نحو طليق كما يشتهون؟! أو أن تتجمّع بضعة حيوانات في الغابة لتتابع- مذهولة مستنكرة- الاقتتال الدموي بين البشر الجاري في عالمنا؟!
أعمال لا تحصى، في هذا اللون من الفن، تملك كل مقومات الاستمرار في الذاكرة والوجدان، والتأثير العميق في النفس، والإبداع الفني التعبيري بأشدّ بنائه كثافة. وفنانون عرب كثيرون كناجي العلي وعلي فرزات وصلاح جاهين وبهجت عثمان وجورج البهجوري، وغيرهم حازوا مكانة عالمية عبر أعمالهم، وارتقوا بهذا اللون من الفن إلى مراتب عالية، من دون أن تسعى دور النشر إلى طباعة أعمالهم في كتب، أو تقيم مؤسسات وهيئات مختلفة المعارض لأعمالهم والندوات والمهرجانات عن نتاجاتهم إلا ما ندر وعلى ما يشبه الاستحياء.
سأقول: في ظني «وليس في اعتقادي»، أن علّة الظاهرة الغريبة هذه تعود إلى مغالطة فادحة إزاء هذا اللون وهي النظر إليه، والتعامل معه، والموقف منه على اعتباره جزءاً من العمل الصحافي اليومي، الموقت، والعابر، الذي سرعان ما يطوي الزمن صفحاته كما تُطوى الأخبار اليومية للجريدة، في حين أن أعمال هذا الفن العظيم، وهو عظيم حقاً، تملك من الديمومة والعمق، والذكاء ما تفتقد إليه أعمال حسبناها خالدة، وبذا تكون المشكلة الأم فينا نحن وليست فيه على الإطلاق.