رؤى / شاعر... من زحل !

تصغير
تكبير
| علي سويدان |

عثرَ علماءُ الفضاء على مادة الهيدركربون التي تتيح إمكانيةَ الحياة على سطح ثامن أكبر الأقمار التي تدور في فلك كوكب زحل، ألتمسُ من السيِّدات والسادة الشعراء الكرام الهبوط الآن من الأماكن المتواجدين فيها والانضمام إلى المجتمع والناس ولا يظنوا أن هذه الكلمات مُوَجَّهة لهم خاصة بل هي قضية تَهُمُّ سكانَ كوكب الأرض جميعاً، لنَحْبِسِ الأنفاسَ قليلاً ولْنَسْتَذْكِر أن في الدنيا مَنْ إذا زال عنها زال معه أثرُه واندثر فيها ذِكْرُه، وفيها من هو باقٍ حتى تزولَ الأرضُ وينتهي الْمُقام، ولو رحل عنا بجسده فأثره خالد بيننا ولا جدال في ذلك، ولكن باللهِ عليكم حين يكتُبُ الشاعرُ قصيدة ليقرأها الناس فإذا بهم يحتاجون لمترجم خاص يفسرُ قصيدتَه ويقرأُ فنجانها وطلاسم مفرداتها نتأكد حينها أنه لم يكتُبْها ليقرأَها الناس بل لتقرأَها فئةٌ دون غيرها، وبذلك يكون قد انتفى المقصود من كتابة الشعر وتقديمه مادةً للقرّاء وأخذ منحى بعيداً عن الحياة لا دور له في إثراء المعرفة عند القارئ أو تفعيل القيم بين الناس، ولهذا وجدنا عزوفاً كبيراً من الناس عن الشعر وعن فعالياته! إن الشعر الذي نفهمه نحن العرب هو ذلك الشعر الذي كان يفهمه الناس من شعرائهم في العصر الجاهلي دون ترجمان، وينسحبُ الأمر على العصور التي تلتْ، لا تقولوا ان العرب كانوا أقرب لِلُغَتِهم آنذاك، لأننا لسنا في سياق الحديث عن اللغة ولا الخيال في الكتابة، بل نحن نتحدثُ عن عناصر ومدلولات حشرْناها في سياقات لغوية لا تُؤدي الغرض اللغويَّ ولا المعنويَّ، أُقسمُ بالله العظيم لو جئنا بمن يَعُدُّ نفسَه شاعراً اليوم ويكتبُ تلك الطلاسم وقرأنا عليه قصيدةً من العصر الجاهلي بل من العصر الأموي لعجز عن فهم كثيرٍ من مفرداتها، الشعر مادة تُكتب بشعور كاتبها ويتذوقها الناس وليس فئة من الناس، لِتَبْقَ تلك الكتابات الغامضةُ في مذكراتٍ شخصية ما دامتْ محدودةً في خِطابِها ومعدومةَ الأثر في البشر، لقد نحا البعضُ إلى كتابة ما لا يفهمه الناس، ثم جعَلوا من أنفسهم شعراءَ المجتمع الذي لا يفهم كلامهم، فهل يُعقَلُ هذا؟! لا يجوز لأحدٍ أن يعترض على موضوع القصيدة التي يكتبها الشاعر ولكن حين يكتُب الشاعر قصيدتَه لَزِمَهُ أنْ تتضمنَ قصيدَتُه تعابيرَ ترتكز إلى عناصر من حياة الناس، ولا تتعارضُ مع سياق الفهم عندهم، وغير مهملة مفاتيح التفاهم اللغوي بينهم، إنها عناصر يجبُ الأخذ بها في أي مسلكٍ من مسالك التعبير عن الفكرة بمفردات ومدلولات يحتملها اليوم سياق الفصحى، فالوصول إلى فهم الناس هو هاجس الشاعر وهاجس كل كاتب، اكتبْ أيها الشاعر ما شئتَ وأبدعْ كيفما تشاء، ولكن إن كان الناس يفهمون ما تكتب من شعر فأنت شاعر من مجتمعهم، أما إن كنتَ تكتب ما لا يفهمون فربما أنتَ شاعر من كوكب زحل!



كاتب وأكاديمي سوري

Swaidan8@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي