اختلف مع الجاسم في طرحه لكنني لا أقبل أن يتم اعتقاله بهذه الطريقة وحبسه بهذا الشكل لمجرد أنه قال رأيه، وإن كان رأيه فيه بعض الغلظة والقسوة، لكن سجلنا الناصع في الحريات الصحافية والفكرية لا نتمنى أن يتم تشويهه بهذه الطريقة.
الجاسم مثل أي شخص منا له حسناته وسيئاته... ايجابياته وسلبياته، وأرى أنه تعمد في كتاباته تعدي المعقول من القول والمقبول من النقد، لكنني لا أتمنى لبلدي أن يصل إلى هذه الحالة وهذه النتيجة، وأن تكسر القاعدة التي كنا نتفخر بها دائماً بعدم وجود معتقلين لأفكارهم لدينا، خاصة في هذا الوقت الذي نعيش فيه انفتاحاً إعلامياً وسياسياً غير مسبوق.
كان من الممكن اتخاذ أي اجراء آخر في حق الجاسم عبر القانون والمحاكم... خاصة وأنه لم يتجاوز حق ممارسة التعبير، حتى لو اتفقنا أن ما عبر عنه غير مقبول. ولكن من غير المقبول أيضاً أن تكون هذه هي النتيجة في بلد يتشدق بالديموقراطية ويرفعها تاجاً على رأسه.
الغريب أن من يقف الآن مع الجاسم في محنته هم خصوم الأمس، هم الذين لم يسلموا من مقالاته وقسوته حينما كان رئيساً لتحرير جريدة «الوطن»، لكنهم، وهم رموز الحرية في الكويت، يقفون مع الحق والحرية، ويقفون مع الكويت أولاً وقبل أن يقفوا مع الجاسم... حتى لا تتشوه صورتها، ولا يطول السوء سجلها.
ان الأمر المستغرب هو أن تقوم الدولة باتخاذ مثل هذه الاجراءات دون أن يكون هناك توضيح من قبل المسؤولين، أو متابعة للقضية حسب وجهة نظر الدولة. هناك حالة من الصمت المطبق في التعامل مع هذه القضية. كان من المفترض أن نسمع رأياً للناطق الرسمي باسم الحكومة، أو توضيحاً من وزير العدل... خاصة وأن ما يحدث اليوم يعد سابقة في تاريخ الكويت. يجب ألاّ يكون الغموض سيد الموقف، ولا أدري كيف تقبل الحكومة فكرة التعامل مع القضية في صمت في حين أن كرة الثلج صارت تكبر شيئاً فشيئاً، ولا بد من التعامل مع أحداثها بواقعية وتواصل بعيداً عن نظرية التجاهل المتبعة حالياً، خاصة وأن الشعب والمنظمات الدولية لا تسمع حالياً إلا صوتاً واحداً هو صوت أنصار الجاسم والمعارضين لاعتقاله.
أتمنى ألاّ تطول فترة احتجاز محمد الجاسم، وأتمنى أن تكون أيام الوحدة والخلوة فرصة لأبي عمر كي يستعيد شريط الذكريات ويتذكر، خاصة وأن أغلب من وقفوا معه لا يؤيدون موقفه وأقواله لكنهم وقفوا ضد القسوة في ردة الفعل، وضد أن تنقلب الكويت من بلد تنوير وحضارة وثقافة وحرية وديموقراطية... إلى سجن كبير.
هناك حالة من الصدام الواضح في هذه القضية... محمد الجاسم قرر النقد بقسوة، وهم ردوا التحية بمثلها. أتمنى ألاّ تكون هذه بداية مرحلة جديدة من القسوة في التعامل، وألاّ يكون محمد الجاسم هو خطوة في طريق الألف ميل من الضيق، ودامت الحرية سالمة... ودمتم سالمين.
ماضي الخميس
madialkhamees@hotmail.com