لغة الأشياء / خارج خيمة السيرك


| باسمة العنزي |
تتمسكين ببوصلة مهشمة وأنت تذرعين مساحات معتادة، تتساءلين أحيانا كيف يمكن أن يتحول جل ما نراه لوهم مغموس بملح الواقع؟! تلوذين بقطعة آمنة داخلك، تدعكين خيبتك باسفنجة الانتظار المهترئة، في لحظات صفوك كما ضيقك تتبدى الحقائق أمامك واضحة، يذهلك الاختلاف والتناقض ومهرجان الأقنعة والأصباغ على الوجوه وعدة التنكر والحركات الباعثة على الضحك واستدرار الانتباه، كل شيء يدور حولك في خيمة السيرك بسرعة رهيبة!
وحيدة تجلسين على مقاعد المتفرجين المعدنية والكل في المركز داخل الحلبة يتغامزون ويتشاجرون ويشتمون ويقهقهون ويقفزون بنشوة، تقارعين سأمك وانزعاجك بقناعة قديمة ملفوفة بورق الهدايا وملقاة في حقيبة يدك.
تحاولين - لمجرد المحاولة - الزج برأسك في اللجة لكنك سرعان ما تتراجعين مذعورة. الجموع في الأسفل تمارس الكذب والبشاعة بخفة جارحة!
وهذه الكلمة، وهذه الصفحة التي
كتبت عليها اليد آلاف المرات،
لن تبقى بداخلك،لا تصلح للحلم،
تسقط أرضا: تستمر هناك»*
في صخبهم المتعالي لا ينتبه أحد للجالسة وحيدة في صفوف المتفرجين الأخيرة، وحدك تطلين من عل على عالم مألوف بتفاصيل مختلفة تلتقطها ملاحظتك وتزهدين بتدوينها، يتشابهون من بعيد، مهرجي خيمة السيرك الذين لا يستثيرون شيئا سوى الشعور بتفاهة عالمهم الافتراضي. يسكبون الماء على دهشتك وهم يصرون على لبس أقنعتهم طوال الوقت، حتى في الفاصل بين فقرة وأخرى لا يتخلون عن لزوجة ضحكاتهم وقصدير أحاسيسهم.
لم تكن خيمة السيرك الوحيدة في نواحينا، تكاثرت الخيام الملونة وازداد عدد المهرجين وأصبحت بين كل منزل وآخر وبين كل مدرسة ومتجر... صار لكل منا الكثير من الاختيارات اليومية لمشاهدة العروض المسلية. والتصفيق المنفعل للفقرات المكررة.
«لا أحد ممن أرادوا ربط الزمن،
أولئك الذين حدثوا الدخان،
الحكومات، التجار، العابرون، سيستمر في الحركة مربوطا بخيطه»*
فقاعات صابون تملأ المكان الممتلئ بالحياة الرخيصة، تلك التي لا تتطلب سوى أقل قدر من المعرفة والنزاهة والعمل. المهرجون المراوغون يدركون صعوبة أن يستمر العرض طويلا في المكان نفسه، كما يعلمون أن الجمهور المنفعل على المقاعد الأمامية اجتاحته نشوة المشاركة ومغادرة كرسي المتفرج، مما يكثر من عدد المنافسين ويسرق الضوء من قدامى المهرجين.
أتردد في مغادرة خيمة السيرك بعد أن أصبحت غريبة في مكان ملون أكثر من اللازم، ومزعج أكثر من المألوف ومزركش أكثر من المعقول. في اللحظة التي لا يمكنك فيها الانسجام مع الخارج عليك الولوج لمناطق طمأنينتك الداخلية، أغمض عيني والموسيقى المختلطة بثرثرتهم تتصاعد، أتنفس بعمق، أقرر أن أقاطع العرض مغادرة رغم أن الخارج لا يبشر بالكثير!
«يتجدد الوضوح:
تستجيب الأشياء لريح الحياة
ويؤسس النظام خبزه وحمامته»*
* المقاطع الشعرية لبابلو نيرودا «مئة قصيدة حب»... عن دار أزمنة 2009.
تتمسكين ببوصلة مهشمة وأنت تذرعين مساحات معتادة، تتساءلين أحيانا كيف يمكن أن يتحول جل ما نراه لوهم مغموس بملح الواقع؟! تلوذين بقطعة آمنة داخلك، تدعكين خيبتك باسفنجة الانتظار المهترئة، في لحظات صفوك كما ضيقك تتبدى الحقائق أمامك واضحة، يذهلك الاختلاف والتناقض ومهرجان الأقنعة والأصباغ على الوجوه وعدة التنكر والحركات الباعثة على الضحك واستدرار الانتباه، كل شيء يدور حولك في خيمة السيرك بسرعة رهيبة!
وحيدة تجلسين على مقاعد المتفرجين المعدنية والكل في المركز داخل الحلبة يتغامزون ويتشاجرون ويشتمون ويقهقهون ويقفزون بنشوة، تقارعين سأمك وانزعاجك بقناعة قديمة ملفوفة بورق الهدايا وملقاة في حقيبة يدك.
تحاولين - لمجرد المحاولة - الزج برأسك في اللجة لكنك سرعان ما تتراجعين مذعورة. الجموع في الأسفل تمارس الكذب والبشاعة بخفة جارحة!
وهذه الكلمة، وهذه الصفحة التي
كتبت عليها اليد آلاف المرات،
لن تبقى بداخلك،لا تصلح للحلم،
تسقط أرضا: تستمر هناك»*
في صخبهم المتعالي لا ينتبه أحد للجالسة وحيدة في صفوف المتفرجين الأخيرة، وحدك تطلين من عل على عالم مألوف بتفاصيل مختلفة تلتقطها ملاحظتك وتزهدين بتدوينها، يتشابهون من بعيد، مهرجي خيمة السيرك الذين لا يستثيرون شيئا سوى الشعور بتفاهة عالمهم الافتراضي. يسكبون الماء على دهشتك وهم يصرون على لبس أقنعتهم طوال الوقت، حتى في الفاصل بين فقرة وأخرى لا يتخلون عن لزوجة ضحكاتهم وقصدير أحاسيسهم.
لم تكن خيمة السيرك الوحيدة في نواحينا، تكاثرت الخيام الملونة وازداد عدد المهرجين وأصبحت بين كل منزل وآخر وبين كل مدرسة ومتجر... صار لكل منا الكثير من الاختيارات اليومية لمشاهدة العروض المسلية. والتصفيق المنفعل للفقرات المكررة.
«لا أحد ممن أرادوا ربط الزمن،
أولئك الذين حدثوا الدخان،
الحكومات، التجار، العابرون، سيستمر في الحركة مربوطا بخيطه»*
فقاعات صابون تملأ المكان الممتلئ بالحياة الرخيصة، تلك التي لا تتطلب سوى أقل قدر من المعرفة والنزاهة والعمل. المهرجون المراوغون يدركون صعوبة أن يستمر العرض طويلا في المكان نفسه، كما يعلمون أن الجمهور المنفعل على المقاعد الأمامية اجتاحته نشوة المشاركة ومغادرة كرسي المتفرج، مما يكثر من عدد المنافسين ويسرق الضوء من قدامى المهرجين.
أتردد في مغادرة خيمة السيرك بعد أن أصبحت غريبة في مكان ملون أكثر من اللازم، ومزعج أكثر من المألوف ومزركش أكثر من المعقول. في اللحظة التي لا يمكنك فيها الانسجام مع الخارج عليك الولوج لمناطق طمأنينتك الداخلية، أغمض عيني والموسيقى المختلطة بثرثرتهم تتصاعد، أتنفس بعمق، أقرر أن أقاطع العرض مغادرة رغم أن الخارج لا يبشر بالكثير!
«يتجدد الوضوح:
تستجيب الأشياء لريح الحياة
ويؤسس النظام خبزه وحمامته»*
* المقاطع الشعرية لبابلو نيرودا «مئة قصيدة حب»... عن دار أزمنة 2009.