«الراي» على الجبهة الأمامية... الأممية

«ويك إند» جنوبي بين صناديق الاقتراع و... صناديق الرصاص

تصغير
تكبير
|بيروت - من
وسام ابو حرفوش|
... غالباً ما يختصر الجنوب الجهات الأربع في وطنٍ استقيظ استقلاله في العام 1943 على حرب مفتوحة مع «نكبة فلسطين» في العام 1948... وها هو «كما هو» منذ أكثر من نصف قرن خط تماس ومتراس وجبهة أمامية وساحة لحرب من جولات وصولات، جولتها المقبلة مقبلة في لحظة ما، كما كل «اللحظات» التي انفجرت فيه على مدى الصراع العربي - الاسرئيلي المترامي، وكان أكثرها عنفاً ومأسوية في أعوام 1978، 1982، 1993، 1996 و2006.
وهذه الجبهة الامامية التي اسمها الجنوب هي «كما هي» جبهة اممية سبقت العولمة في «عالميتها» منذ أن كانت ساحة متقدمة في «الحرب الباردة» بين معسكري الأميركيين والسوفيات وكل «ادواتهما»، وبعدما تقدمت «كل الساحات» في قوس الأزمات الممتدة من طهران الى فلسطين، مروراً بكابول وبغداد واسلام اباد وسواها من عواصم «العاصفة» التي تهب على المنطقة التي تعيش حروباً صغيرة في انتظار حرب كبيرة قد تكون ساحتها جنوب لبنان.
الى هذه الجبهة الأمامية الأممية توجهت «الراي» عشية الاحد الاستثنائي في الجنوب الذي كان على موعد اليوم مع مجموعة من الاحداث الكبيرة دفعة واحدة.
فمن أين ندخل الى الجنوب؟...
من مظاهر الاحتفال بالذكرى العاشرة لتحريره التي تصادف بعد يومين، أم من صناديق الأقتراع التي تفتح على مصرعيها اليوم؟ من «بروفة» الحرب في المناورة الاسرائيلية الأضخم على تخومه، أم من الحركة الديبلوماسية الصاخبة على مرمى العين منه؟ من صمته المدجج بالصواريخ، أم من الصراخ المدوي في سكونه؟
أن تدخل الى الجنوب الجميل فعليك ان تعبر من كل بواباته، في السياسة والأمن والانتخابات والاجتماع والمعيشة و... الحرب. وفي الطريق الى كل هذه التضاريس الوعرة، تطاردك الأخبار السريعة عبر الـ «S.M.S» في مشوار متعرج بين صناديق الاقتراع وصناديق الرصاص:
• انتشار كثيف للجيش اللبناني في صيدا، عاصمة الجنوب، لحراسة «الغليان الانتخابي» وشظاياه التي حشدت نحو 4000 آلاف جندي ورجل امن في الزواريب العتيقة والشوارع المفتوحة على صراع بلدي كأنه حرب بقاء.
• «سكاكين سياسية» في جزين، عروسة الشلال، تضاهي في حدّتها جمالية السكاكين التي تعودت مدينة الاصطياف التي تفاخر بهذه الحرفة تقديمها هدايا للزوار و«الزعماء» في الداخل والخارج.
• مجلس الشيوخ الأميركي وافق على قرار للرئيس باراك اوباما بتحصين «القبة الفولاذية» في اسرائيل بـ 205 ملايين دولار لاعتراض صواريخ «حزب الله»، بعدما اثارت الولايات المتحدة مسألة تزويد سورية الحزب صواريخ «سكود» الكاسرة للتوازن.
• الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يسأل من على شاشة عملاقة عن سر «الدفق» الديبلوماسي العربي والاجنبي على بيروت، راسماً علامة استفهام في موازاة الحركة الصاخبة لزعماء عرب ومسؤولين غربيين في اتجاه لبنان.
• صناديق اقتراع ستفتح اليوم من الـ 7 صباحاً وحتى الـ 7 مساء في «تمرين ديموقراطي» اهلي تحت مرمى شبح الحرب... توافقات بالجملة بين حركة «امل» بزعامة رئيس البرلمان نبيه و«حزب الله»، ومعارك «بالمفرّق» في غير مكان.
• مناورة «نقطة التحول 4» الاسرائيلية تجري اليوم على «مرمى حجر»، في نشاط مدني عسكري هو الأضخم الذي تشهده اسرائيل، وسط الكلام الكثير عن «حرب حتمية» مجهولة التوقيت» حتى الآن بين اسرائيل و«حزب الله»، وربما معه سورية.
• «حزب الله» المستعد للمنازلة، في حال تأهب قصوى، ورجاله لن يذهبوا الى صناديق الاقتراع بعدما قرروا البقاء على مقربة من «صناديق الرصاص» تحسباً لـ «مفاجأة ما» في ضوء المناورة الاسرائيلية أو أي سيناريو محتمل.
مصدر أمني رفيع ابلغ الى «الراي» ان قيادة «اليونيفيل» نقلت الى المسؤولين اللبنانيين تطمينات بأن المناورة ستكون بعيدة عن الحدود مع لبنان، وتالياً فإنها لا تضمر أي توتير على الحدود الشمالية، وهي مجرد عملية «فحص» لجهوزية فرق الانقاذ وما شابه.
تطمينات اسرائيل لا تُطمئن لبنان، الذي يتبلغ رسائل مزدوجة، واحدة تتحدث عن «صيف هادئ» وأخرى تؤشر الى وضع خطر لا يمكن التكهن بـ «منزلقاته» ولو بعد حين... وفي ضوء هذا الشيء ونقيضه يمضي الجنوب الى «قدَره» عبر مشهد علني لا يشبه ما هو «غير مرئي» فيه أو ما يدور في «الخفايا» من حوله.
طقس ربيعي، يزاوج بين الشمس والهواء المنعش، يضيف على مدن الجنوب وبلداته وقراه فائضاً من الجمالية المترامية على مد النظر... بساتين تتباهى بأخضرها، وجبال كأنها مرفوعة على الأكف، ووديان تغرق في قيلولة، أما الناس التي يطلق عليها هنا «شعب المقاومة»، فهي في استراحة ما بين عاصفتين.
فمنذ عقود والجنوب إما في عين العاصفة أو في «استراحة محارب» في صراعٍ من جولات يكاد ألا ينتهى معها من ترميم ما تهدم حتى يُهدم ما ترمم، وهكذا دواليك في منطقة جعلتها الجغرافيا جبهة امامية و«اممية» لحروب دائمة.
فمن صيدا الى النبطية، «طقوس انتخابية» توحي هنا بـ «معركة» وهناك بمجرد «اعتراض»، لكن كلما توغلتَ في اتجاه جنوب الجنوب صار «الهدوء» اكثر إنباءً من الضجيج المتدحرج في وسائل الاعلام عن ان «الحرب المؤجلة» تقترب على وقع التقارير عن تهديدات اسرائيل ومناوراتها، وعن تعاظم القوة الصاروخية لـ «حزب الله» واستعداداته.
على طول «الخط الأزرق» المحروس برجال «القبعات الزرق» ودورياتهم المؤازرة للجيش اللبناني، صمتٌ ربما يكون ثمرة انصياع الجميع للقرار 1701 ومندرجاته، وربما يكون «هدوء ما قبل العاصفة».
في كفركلا الحدودية، المطلة على مستعمرة «المطلة» الاسرائيلية، لوحة يتوعد من خلالها زعيم «حزب الله» الاسرائيليين بـ «مفاجآت»، وعلى مقربة منها دورية لـ «اليونيفيل». أما خلفها فتبدو المستعمرة الاسرائيلية، و«كأن شيئاً لم يكن»، مع وفد كشفي يقوم بجولة سياحية على الحدود، يمكن ان تراه بالعين المجردة.
وفي العديسة اللبنانية، المتاخمة لـ «مسكاف عام» الاسرائيلية، الحال عينها، فمَن بقي من الناس هنا يستعد للانتخابات البلدية في «ويك أند» ديموقراطي على مرأى من الحِراب الاسرائيلية واجهزة الرصد والمناظير الليلية... تجهيزات اقلام الاقتراع اكتملت من عوازل وصناديق ولوائح شطب وأحبار وما شابه.
ربما يختلف المشهد في بلدات ذات غالبية مسيحية عن تلك التي تُوالي «الثنائي الشيعي»، اي حركة «امل» و«حزب الله». فمرجعيون (المسيحية) التي لم يبق من سكانها سوى 10 في المئة بسبب النزوح الاضطراري، إما نتيجة الحروب وإما بسبب انعدام فرص العمل، هي اليوم على موعد مع معركة انتخابية بين لائحتين مكتملتين وبعض المستقلين لأن الاستحقاق البلدي بالنسبة اليها فرصة للتنافس على السلطة المحلية لادارة عملية «الانماء» في البلدة شبه «المهجورة».
والمفارقة الاكثر اثارة للانتباه في جولتنا الجنوبية، أن الناس هناك لم تأخذها الحمى الانتخابية عن انها تعيش على تماس مع أتون من الحمم التي يصعب معرفة «ساعة الصفر» لانفجارها. الجميع يتوقعون حرباً ويستبعدونها في آن، وهو لسان حال كل القادة والخبراء والتقارير.
الثابت الوحيد في المشهد الجنوبي، شمال نهر الليطاني وجنوبه، أن «حزب الله» الذي عاود بناء ترسانته أضعافاً مضاعفة موجود كأنه الهواء، تشعر به من دون ان تراه، وهو في حال تأهب عكستها تصريحات مسؤوله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق الذي قال: «المقاومون سيبقون اليوم على الثغور وأيديهم على الزناد، بينما يتوجه شعب المقاومة الى صناديق الاقتراع»، كاشفاً عن ان الحزب طلب من آلالاف من عناصره البقاء في جهوزية تامة في مواجهة المناورة الاسرائيلية التي تبدأ اليوم.
***
تخرج من الجنوب وكأنك تدخل اليه، فهو «الجهات الأربع»... ها هو في مطار بيروت، يهبط ويقلع مع حركة الطائرات الديبلوماسية الكثيفة، وها هو ذاهب الى واشنطن غداً مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وها هو على الطاولة في مجلس الامن بـ «التلازم» مع الملف النووي الايراني... انه الجغرافيا التي تبدأ حدودها في دمشق وطهران وتل ابيب ولا تنتهي في باريس وواشنطن ونيويورك وكل عواصم الصراع في المنطقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي