المنقبة الغشاشة

تصغير
تكبير
|سارة الدريس|

اليوم... استيقظت الساعة الـ 7:30 صباحا، ككل الفتيات، يستغرق لبسي ورسم لوحة سيريالية على وجهي، قرابة الساعة وربع الساعة.

في هذه الأيام... لا اعلم لِمَ أعاني من حالة برود شديدة، «برود حركيا فقط، فقد اكتشفت اني احيانا ارد على بعض الأشخاص الذين يعانون من قلة الاستيعاب بعصبية وحدة»، لذلك... انتهيت من تجهيز نفسي بعد ساعة ونصف الا خمس دقائق، على الرغم من أن محاضرتي تبدأ الساعة التاسعة!، لم يتبق سوى 5 دقائق!

على عجالة، صعدت سيارتي، ليس في قاموس يومياتي شيء يسمى «تسخين السيارة»، مشيت بسرعة متجاوزة الحد الأقصى للسرعة المسموح بها، لكن فوجئت بزحمة رهيبة عند دوار العظام «الأمم»!، لذلك قلت في نفسي: واضح جدا أني لن أصل حتى بعد ربع ساعة من موعد بداية المحاضرة، بحثت عن اقرب «لفة» فرعية، دخلت منطقتنا السكنية، ورجعت البيت.

لم أقض أيا من مشاويري، فاليوم موعد امتحان منتصف الفصل لمادة الحضارة الاسلامية، بعد مرور ست سنوات، وقف قيد، واعادة قيد، وتحويل، ومعاندة استاذ، وحساب مواد غير متضمنة في الكلية المحول اليها، وتطبيق صحيفة جديدة الى آخره من تعقيدات غير عقلانية!، ما زلت أجاهد لأحصل على الاجازة الجامعية.

موعد الامتحان الساعة الثانية ظهرا، والآن الساعة التاسعة والنصف صباحا، امتلك وقتا طويلا لأدرس المادة مرة أخرى، استثمرت وقتي بالدراسة الى أن حان موعد الامتحان.

ذهبت واثقة من تحضيري واعدادي للاختبار، وفي الوقت ذاته، أثق بثقافتي الدينية، فأنا قارئة جيدة ولله الحمد، وثقافتي الدينية ممتازة وذلك بفضل ربي، لطالما حفظت حديثا وضعته نصب عيني، استحضره دائما عن رغبتي بالتعلم الديني والاستزادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُفَقِّهْهُ فِي الدّين»، لذلك حرصت حتى في دراستي لهذه المادة، أن أثقف نفسي بها، ولا أكون مجرد طالب حفظ الدرس لينال بضع درجات، وينسى كل ما حفظه بمجرد خروجه من قاعة الاختبار.

وصلت قاعة الامتحان، جلست في الصف الثاني، جاء الدكتور، وزع أوراق الاجابة، ومن ثم وزع أوراق الامتحان، ابتدأت حل الأسئلة المقالية، كانت سهلة ولله الحمد، واستطيع الاجابة عنها من خلال ما درسته من المقرر ومن خلال ثقافتي العامة أيضا، لكن!، كانت بجانبي فتاة كثيرة الحركة، عيناها تتجولان يمنة ويسرة، نظرت اليها بطرف عيني، لتنتبه الى أنها مزعجة جدا، لكن لا حياة لمن تنادي!

كانت ترتدي نقابا «غرابيا» من نوع «تكفه لا تطيح»!، يظهر جزءا كبيرا من عينيها ووجنتيها!، ترتدي عدسات رمادية، وتزينت بكحل يكاد يصل الى أذنيها، وأثقلت رموشها بأطنان من «الماسكارا» فبدت وكأنها مكنسة من القش!

حاولت جاهدة تجاهل حركتها، لكنها كانت تسترق النظر الى ورقتي!، قلت في نفسي «اقسم بالله لن أترك لك ِ مجالا لأن تري حرفا واحدا، لقد اجتهدت وبذلت السبب وتوكلت على الواحد الأحد، وهي تكاد تحدث تشققات في وسادتها من فرط النوم، وتأتي الآن لتغش بكل بساطة؟!، والله لن أترك لها سبيلا لذلك، وان أدى ذلك الى اعدامي!».

خبأت الورقة بذراعي، وملت بكتفي الى الأمام، وأكملت حل الأسئلة، انتهيت من السؤال الأول، أردت قلب الصفحة، فرأيت الطامة الكبرى!، أخرجت الفتاة بضع وريقات صغيرة «براشيم»!، ربما كان طولها 10 سم وعرضها 7 سم، ألصقتها بمشبك حديدي من الأعلى، لا تقل هذه الوريقات عن 20 ورقة!، كانت تقلب الصفحات الصغيرة، وتكتب في ورقة الاختبار!

انتهت الفتاة من «البرشامة»، وأعطتها الطالبة التي تجلس بجانبها!، هي ليست غشاشة فقط، بل ساعدت على أن تغش صديقاتها أيضا!، انها محترفة بهذه العملية وقد تكون مارست الغش في كل موادها وكل مراحلها الدراسية.

خشيت أن يلاحظهن الدكتور ويكتشف أمرهن، وبالتالي يعتقد أني نلت نصيبا من الغش من تلك الورقة الصغيرة، فقمت بحل الامتحان بشكل سريع، وقدمت الورقة.

خرجت من قاعة الاختبار، وانا في طريقي الى سيارتي، تذكرت منظر الفتاة المنقبة وهي تغش من الورقة الصغيرة، وقد كان أحد أسئلة الاختبار:

ما الاسلام؟!

وما رسالته الأساسية؟!

وما زلت في حالة ذهول مما رأيت!، تذكرت أحد الأشخاص، عندما تساءل مستنكرا تعبيري في غلاف كتابي الثاني عن المنافقين بشكل «كاريكاتيري»، ووضعي صورة شيطان يرتدي لبس رجل متدين، فسأل: هل يرضيك أن تضع قرون شيطان على صورة امرأة ترتدي النقاب أو العباية؟

بعد هذا الموقف!، لو كان هناك أبشع من قرون الشيطان، لوضعت!

لكن سأبقى واثقة، من أن الناس ليسوا حكما على الاسلام، بل الاسلام يجب أن يكون حكما على الناس.

لا تعبر هذه القصة عن النقاب كرمز، أو كرداء، ولا تعبر عن المنقبات الملتزمات بدينهن، واللاتي يحافظن على سمعتهن، ويلتزمن بأخلاقهن الرفيعة، ويحترمن ثقة أهلهن، انما هي فئة تعرف نفسها جيدا، ارتدت النقاب تلبية لنداء عرف أجبرها على ذلك، فهي في الواقع لا ترتديه لأنها ملتزمة، بل قد تكون لا تصلي، لأن الوضع العام الذي تعيش فيه، والقيود العرفية التي تحاصرها تحتم عليها ذلك، وللأسف شوهن هؤلاء الفتيات منظر النقاب بتركهن حيائهن وجعل النقاب وسيلة لاثارة الفتن باللعب على وتر الغموض!



Sara-aldress@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي