صعب كثيرا أن تكتب في موضوع تتمنى ألا تفكر حتى في الكتابة عنه ونحن نقترب من العام 2011. وصعب اكثر ان تتخيل ان الحرية يمكن ان يقفل عليها باب القفص كما لو انها طير تعب جناحاه فدخل شباك الصياد منهكا متعبا... والأصعب من الاثنين انك تكتب في الكويت.
مرة أخرى نعيد ونكرر... كلما وُجد انسان وُجدت حرية وكلما وُجدت حرية وُجد تعبير عنها، بل ربما كان الانسان، أشرف المخلوقات واسماها، أداة التعبير الكونية للحرية بمختلف صورها واتجاهاتها. او بالأحرى الأداة - الجسر لفهم الخلق ورسالته، والطريق الوحيد الى التطور والتطوير والرقي والعدل والسوية. ألم ينتشر الدين العظيم بالتمييز فالإدراك فالاقتناع؟
استهلال لا بد منه حول قضية الحريات العامة في الكويت والبيانات المتلاحقة التي تذكرنا دائما بـ«الثوابت» وكأننا عن ثوابت ديننا وقانوننا ودستورنا غافلون! فصاحب الرأي لا يمكن ان نرضى بأن تنتقل المواجهة معه من اطار حرية التعبير الى اطر اخرى مكممة لهذه الحرية ومقيدة لها. سواء أحببناه ام كرهناه... أحبنا ام كرهنا. اقتنعنا بما يقول ام رفضناه... اقتنع بما نقول ام انتقدنا وحاربنا... تباعدت المسافات على ضفتي مواقعنا الفكرية والسياسية ام تقاربت... تلاقت توجهاتنا ام اختلفت...
والمكان؟ في الكويت التي كانت منارة فكرية متوهجة تعود سفن الخليج كلها اليوم الى موانئها فتكتشف ان بحارتها الذين قويت سواعدهم بنسائم الحرية والانفتاح والتعددية ارتحلوا عنها وفضلوا الغرف الضيقة على الشطآن الفسيحة.
والزمان؟ في العصر الذي يتجه الكثيرون الى ما كنا عليه بينما نحن نتجه الى ما كانوا عليه، عصر ثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات، عصر الحضارات التي لا يحجب صراعها المخيف سوى تقدم العقل على ما عداه والحوار على التحجر والانفتاح على الانغلاق.
وبين المكان وما كان، وصراع الانسان والزمان، نحجر على رأي ونقسو على صاحبه ونوجه رسالتنا الحجرية الى عالم متحفز منتظر: هذا هو ردنا على حرية التعبير.
الكويت منارة قضائية في المنطقة... القضاء الكويتي كان ويبقى وسيبقى مفخرة للديرة وأهلها والسياج الحامي للمستقبل. الكويت للجميع والقانون للجميع والدستور للجميع والدين فوق الجميع. لا لمصادرة الحريات وتكميم الافواه ولا لاحتكار المعرفة وتقييد الرأي. الكويت دولة لا تقبل القسمة بين معسكرات وهمية تحاول جاهدة فرز الناس ومحاكمة نياتهم وتأويل افكارهم. الكويت هي الثابت في زمن اصبحت التجارة بالثوابت عملا لمن لا عمل له، ونحن أهلها نعرف تماما كيف وحَّدتنا قيمنا الدينية، وآلف بيننا تراثنا التاريخي، وصهرتنا عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، وميزتنا حرية التفكير والتعبير والديموقراطية.
الكتابة ليست معبرا للاعتقال. الكتابة نافذة للخروج من سجون كثيرة داخل العقل والقلب والوطن والطائفة والقبيلة. الكتابة سيف في يد المسؤول لا سيف عليه . هي كلمة... والكلمة اداة التعبير الكونية للحرية بكل صورها واتجاهاتها.
جاسم بودي