مقال / ثقافة الشعارات!

تصغير
تكبير
| إبراهيم صموئيل |
من حقّ المثقف المبدع في أي جنس أدبي أو لون فني أن ينبذ ثقافة الشعارات وينفر منها نفوراً شديداً، ذلك أن الشعارات قد مثّلت خلال بضعة عقود مضت، رقابة صارمة، ووصاية ثقيلة الظل أشبه بفيل يربض على جسد نسر!
لقد حاولت ثقافة الشعارات أو على الأصح: حاول صانعو الشعارات ومروجو ثقافتها في مرحلة من الحياة الثقافية العربية تفصيل الفن والأدب على مقاس الشعار السياسي، وحشر الإبداع في حذاء الشعار السياسي حشراً زجرياً وإكراهياً بامتياز تحت عناوين وذرائع ومبررات بالغة السخف والسطحية علاوة على كذبها واحتيالات أصحابها؛ من مثل «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» والحال آنذاك أن المعارك لم تكن سوى هزائم مخزية ومشينة دفع الناس في ساحاتها وجبهاتها أرواحهم ودماءهم كما دفع المثقفون المبدعون أثماناً باهظة دون أن يجني أحد من الأجيال التالية سوى الخذلان!
العلّة في اعتقادي لم تكن في الشعار دوماً، وإنما في عوامل عدّة منها: نقل الشعار من ميدان السياسة إلى حقل الثقافة نقلاً ميكانيكياً ستالينياً ومحاولة فرضه من قِبل المؤسسات على النتاج الأدبي والفني. فشعار يُجيب بصيغة السؤال: «هل الفن للفن أم الفن للمجتمع؟» رأت فيه المؤسسات والهيئات الثقافية نصّاً قانونياً يُلاحق مخالفيه بالعقوبات والضرائب والنبذ، إذا ما خالف النتاج الفني أو الأدبي حيثيات القانون الصادر!
ومنها أن الشعار جامد، ساكن، ربما كان يخدم مرحلة سياسية محدّدة، في حين أن الحياة الثقافية متحركة، حيّة، ورحبة، وذات تكوين مختلف عن العمل السياسي المباشر، أما واقع الحال فقد تمّ وضع الموسيقى والأدب والفن التشكيلي والسينمائي على ظهر العربة السياسية والاقتصادية والعسكرية الماضية، أساساً، في تدهورها!
ومنها ما عُبّر عنه في شروط المسابقات الثقافية والجوائز الأدبية بالقول: «أن يتّسم العمل الأدبي بروح وطنية» والروح الوطنية هنا هي ما يراه موظفو المؤسسات ووزارات الثقافة والمراكز الثقافية الذين تولوا الإدارة بقرارات سياسية أمنية صرفة!
بالمقابل «ولا بدّّ من الإشارة إلى المقابل»، تتم مواجهة صانعي الشعارات وفارضيها على الحياة الثقافية خلال عقود مضت، بشعارات غرائبية من نوع «قتل الأب» ومن نوع «إلغاء التجنيس الأدبي» في حركة تمرد على الماضي البائس بحاضر غامض منفلش، يفتح الأبواب أمام كل من هبَّ ودبَّ لإنتاج ما هبَّ ودبَّ مما لا لون له ولا طعم ولا رائحة!
هل من مثقف مبدع لم يستقِ نتاجه من ثقافة نتاجات سابقة عليه حتى وهو يجدّد ويطوّر؟ هل وُلد شعر أدونيس مثلاً وتشكّلت ثقافته ومفاهيمه ورؤاه من عدمٍ أم من ثقافاتٍ سابقة عليه ومن آباء مبدعين أنتجوا، في الزمن، قبله؟! فكيف يمكن قتل الآباء وهم في الزمر الدموية والجينات للأجيال الجديدة؟!
الأمر الغرائبي الآخر: إلغاء تجنيس النتاج الأدبي لصالح مفردة «النص» والحال أن كل مكتوب في الدنيا وعبر التاريخ هو بالضرورة نصّ، بيد أن السؤال: هل هو نصّ شعري، أم روائي أم مسرحي أم ديني... الخ.
المسألة هنا ليست شكلية، إذ ثمة كتابات لا تخرج عن الأجناس الأدبية المتعارف عليها، وإنما تخرج عن المعنى برمّته، فتقدّم نفسها على أنها «نصّ»، وحالتها أنها فاقدة لأي معنى، وبهذا فهي لا تطوّر- في اعتقادي- ولا تجدّد بقدر ما تنسف كل شيء لتجمع الركام الحاصل وتطرحه في مواجهة القولبة والعقلية المتكلّسة والعسف الذي مُورس في الماضي!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي