ما إن سمعت بخبر وفاة أحد رجالات الكويت المخضرمين إلا وأنا أجد الأفكار تتزاحم في عقل عبد عايش الظروف الصعبة وعرف ماذا تعني كلمة «مخضرم»!
لقد أخذ الله أمانته ورحل عنا رجل الكويت محمد الرشيد... ومن منا لا يعرف مواقفه في أحلك الظروف، كنا في أول عام صحافة نتنقل مع الجموع بعد حل مجلس أمة 1985 وكانت كلمته في ديوان النائب السابق أحمد الشريعان ذات وقع خاص... رزانة ما بعدها رزانة.
تركنا محمد الرشيد... رحل عنا وإنا لله وإنا إليه راجعون، وهنا نذكر بما كنا نعرضه دوما في أن الرجال بمواقفهم يصنعون التاريخ وحتى لو رحلوا عن هذه الدنيا الزائلة فهم بيننا إلى أن يأخذ الله أمانته.
إنها دورة الحياة تمنح لنا بالمجان كي نختبر قدرة العقل في التمييز بين الغث والسمين، كي نميز بين حق المواطنة علينا في مد جسور التعاون في ما بيننا نحن البشر الضعفاء ممن تثار نفوسهم وتقودهم إلى حيز السياسة التي جعلتنا في دائرة الخلاف ندور وهناك، من بعيد تطل علينا مصلحة الكويت ونتشدق في حبنا لها وأفعالنا تتغير على مدار الساعة وكأنه لم تعد لدينا ثقافة وحالة معنوية تمكننا من عرض المواصفات الخاصة بالمواطنة، فكل يغني على مصالحه وهوى «ربعه»!
في الأمس كنت أظن أن القيادة موجودة ولكنها مركونة، في الأمس كنت أعتقد ان الرجال تظهر معادنهم في المواقف، في الأمس كنت أتوقع من أصحاب العقول النيرة أن يحتكموا لعقلية الجيل المخضرم من أمثال المرحوم محمد الرشيد... كنت وكنت ولكن رغم أن الشواهد تدل على أن الوضع غير مناسب لتحقيق تلك الأمنيات فقمت بدراسة القيادة الجيدة لأن القيادة مرتبطة بالثقافة والمعتقدات والقيم والأوضاع الأمنية، الاقتصادية، وكل ما يحيط بنا... بحثت عن قيادة شابة مرتبطة أفكارها وقيمها بالجيل المخضرم ولم أجد إلا عددا محدودا جداً يكاد لا يذكر... إنها السياسة، والمصالح المتبادلة، والخروج عن المألوف هم الأسباب الحقيقية في تدهور أوضاعنا، وقد ذكرنا بعض إفرازاتها في مقالات سابقة.
أوضاع معلوم فيها التقصير ولم نجد من يستطيع اتخاذ القرار تجاهها، كقضية أم الهيمان التي دفعت النائب الطاحوس لتقديم استجوابه!
كيف كان يتحرك جيل المرحوم محمد الرشيد، كيف نغير مفاهيم القيادة لدينا، كيف نستطيع العيش بعيداً عن الفكر الإبداعي الذي تجد الفرد مهما كان وضعه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كيف نلمس الاحترام ورقي الأدب في الحوار، كيف لنا تحقيق ما يمكن تحقيقه لو أبعدنا طابع التسييس والتصعيد، واعتمدنا الشفافية والحرية المسؤولة، وعودة هيبة القانون الذي لا يسمح لمجموعة من اقتحام مخفر شرطة، قانون لا يسمح لمراهق في سفك دم طفل بريء.
الله يرحم محمد الرشيد، ويرحم جميع أمواتنا وأموات المسلمين، وعسانا نستطيع في المقبل من الأيام الاحتكام إلى العقل قبل أن تأخذنا عجلة التسييس والعوامل الأخرى التي أدت إلى تدهور وضع البلد... والله المستعان!
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com