تحقيق / أزمة الديون الأوروبية إذا تفاقمت قد تدفع بعض دول الخليج إلى إعادة النظر في برامجها الإنفاقية الاستثمارية

تصغير
تكبير
|إعداد حسين إبراهيم|

قال مصرفيون واقتصاديون ان منطقة الخليج قد تكون في مرحلة تعاف اقتصادي قوي مدفوع بالانفاق الحكومي الضخم الاتي من عوائد النفط، لكنهم اوضحوا ان المنطقة ليست محصنة ضد التأثر بالاضطراب الذي تشهده اوروبا.

ورغم ان ارباح الشركات اظهرت اشارات تعاف بعد تراجعاتها في العام 2009، فان اسواق الخليج تبقى متأثرة بما يحدث في الاسواق العالمية والذي اثارته المخاوف حول ديون عدد من الدول الاوروبية، وبالتحديد اليونان.

وذكرت «شعاع كابيتال» ان مؤشر ثقة المستثمرين في الخليج تراجع في ابريل، والمخاوف بشأن اليونان كانت احد اسباب ذلك. كما ان مؤشر مورغان ستانلي للاسواق الخليجية نزف اكثر من خمسة في المئة منذ وصوله في 12 ابريل الماضي الى اعلى مستوياته في 19 شهرا.

وفي حين ان مؤشرات الاسواق المتقدمة والناضجة تراجعت بصورة اضافية، فان اقتصاديين يحذرون من ان تأثيرات المشكلات الاوروبية ستصبح اكثر ظهورا.

ويقول رئيس قسم الابحاث في «ستاندرد تشارترد» في دبي ماريوس ماراثيفتيس ان «التأثير المباشر (على المنطقة) محدود ويمكن احتواؤه حتى الان، لكن ذلك يجب الا يغذي شعورا بالرضا»، مضيفا ان «الاسواق متعلقة ببعضها البعض بشكل كبير وهناك قنوات عديدة يمكن ان تؤثر اضطرابات الديون الاوروبية من خلالها على الخليج».

احدى هذه القنوات هي من خلال البنوك الاوروبية وبائعي السندات الذين هم مقرضون مهمون للحكومات والشركات في المنطقة.

وقالت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» ان «احد المخاوف يتمثل في ان مشكلات الديون السيادية في اوروبا يمكن ان تكبح اصدار السندات للشركات مع تزايد رغبة المستثمرين في تجنب المخاطر»، مضيفة ان «ازمة ديون اليونان قد تتسبب في انتشار مشكلات الائتمان وارتفاع تكلفة الديون، ما يدفع مصدري السندات الى تعليق جمع الاموال الى حين تحسن ظروف الاسواق».

وحتى الآن امكن تلافي موجات البيع الكبيرة في اسواق الائتمان الخليجية بشكل نسبي، لكن اذا ساءت الظروف في اوروبا، فان المناطق الاكثر مديونية في المنطقة، مثل دبي، ستعاني من ذلك على الارجح.

وذكر مصرفي بارز مقره دبي ان «هناك خطر عدوى. فقد تؤدي تلك المشكلات الى تقييد الائتمان في الخليج، بما ان البنوك الاوروبية مقرض رئيسي للمنطقة. ستكون هناك ايضا ضغوط في اسواق السندات، والخليج ليس محصنا ضد ذلك».

وربما الاهم من ذلك ان اقتصادات الدول الخليجية الغنية بالنفط، تعتمد بشكل كبير على اسعار النفط التي تراجعت خلال الازمة الاخيرة، حيث هوى خام برنت من 89.58 في الثالث من مايو الجاري الى 76 دولارا في الايام الاخيرة.

هذا المستوى من الاسعار يبقى مريحا لدول الخليج، لكن اذا استمرت الاسعار بالهبوط وظلت متدنية، فان الانفاق الحكومي قد يتعرض لضغوط وربما يدفع بعض الدول الى مراجعة ميزانياتها الاستثمارية.

ورأت الاقتصادية البارزة في «أرقام كابيتال» سلوى لبيب ان اسعار النفط تواجه تحديات اخرى، قائلة ان مراكز المضاربات على العقود المستقبلية قد تكون وصلت الى ذروتها، ما يشير الى ان تلك العقود قد تشهد مزيدا من التراجع.

واعتبرت لبيب ان تشديد الصين سياستها المالية هو خطر اضافي يواجه اسعار النفط وبالتالي منطقة الخليج، مضيفة ان «تراجع اسعار النفط هو احد اكبر المخاطر التي تواجه دول الخليج في وقت ما زالت اسواق دول مجلس التعاون الخليجي تبحث عن قوة دفع للعودة الى حالتها الطبيعية».

وتظهر المنطقة حاليا مؤشرات تعاف اولي من الازمة التي بدأت في العام 2008، وما تبعها من مشكلات «دبي العالمية». ولكن ذلك قد يتغير بسرعة اذا فشلت اليونان في الالتزام ببرنامج التقشف الذي تطبقه واعادت تأجيج المخاوف من الحاجة الى اعادة هيكلة ديونها.

وقال ماراثيفتس «اذا انفجرت اليونان، من سيكون التالي؟ اي عجز لليونان سيطلق سلسلة ردات فعل قد تكون اسوأ من تلك التي اعقبت انهيار ليمان براذرز. لانها دولة سيادية وغربية وعضو في منطقة اليورو».

خطة الانقاذ التي اقرتها منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي البالغة 750 مليار يورو ابعدت موقتا شبح التعثر في سداد الديون. لكن اجراءات التقشف الشديدة في دول اخرى في منطقة اليورو مثل البرتغال وايرلندا وايطاليا واسبانيا تثير مخاوف من حصول انكماش.

واوضح المصرفي الاقليمي ان «خطة الانقاذ هي مجرد وقف لاتساع الفجوة وليست حلا، لكن الحكومات بدأت متأخرة تشديد مالياتها. ومع ذلك اشعر الان بتوتر هو الاشد منذ انهيار ليمان براذرز».

غير ان اقتصاديين يقولون ان منطقة الخليج يمكن ان تتعلم دروسا من ازمة منطقة اليورو. وتخطط اربع من الدول الست في مجلس التعاون هي السعودية والكويت والبحرين وقطر لاطلاق عملة موحدة وهي حققت تقدما مبدئيا نحو تحسين التناغم بين سياساتها المالية.

وكتب كبير الاقتصاديين في «ان سي بي كابيتال» جارمو كوتلين في تقرير اخير ان «الازمة الاقتصادية العميقة التي ضربت منطقة اليورو قد تحمل دروسا مهمة للخليج».

وقال التقرير «ان مأزق منطقة اليورو يعود الى عدة عوامل كبيرة، لكن اهمها هو الفشل في الالتزام بالقواعد المصممة لضمان استدامة الوضع الجيد لمالية تلك الدول.. ان عملة موحدة من دون الية تنظيمية واضحة وذات مصداقية قد تمثل خطرا بظهور قيود اقتصادية».



(عن «فايننشال تايمز»)
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي