د. سامي ناصر خليفة / «تقرير الوهيب»... نقطة الكويت السوداء

تصغير
تكبير
قلنا ونؤكد ان أداء الوفد الكويتي برئاسة وزير الشؤون الدكتور محمد العفاسي في المناقشة الدورية الشاملة لسجل الكويت في حقوق الإنسان بجنيف، كان جيداً بصورة عامة ويستحق الإشادة في التقارير التي ألقيت على مسامع وفود العالم، عدا تقرير متعلق بأوضاع المواطنين بلا هوية «البدون» والتي ألقاها المقدم محمد الوهيب. هذا التقرير الذي كُتب بطريقة لا تتناسب ومحفل دولي ينظر بعين إنسانية لا أمنية، وبصورة شابتها الأخطاء وعدم الدقة، وتعمد تغييب الحقائق، والالتواء على الكلمات، والدفع باتجاه إخفاء أمور مهمة، وإبراز أمور ليست ذات أهمية للوصول إلى غاية أحسب أنها تضر سمعة الكويت في حال تم كشفها لاحقاً من قبل الوفود المشاركة، خصوصا أن الكويت ستمتثل إلى المتابعة الدولية في جلسة خاصة في شهر سبتمبر المقبل.

يقول تقرير الوهيب ان مصطلح «البدون» غير دقيق وليس له سند قانوني، متناسياً أن هذا المصطلح أصبح عرفاً اجتماعياً متداولاً في الأصرحة الرسمية كافة، وغيرها، بما في ذلك وزارة الداخلية نفسها، ويكفي أن يراجع الوهيب الصحافة، أو أرشيف مضابط جلسات مجلس الأمة ليقرأ ماذا يسميهم نواب الأمة وأعضاء الحكومة.

ويقول تقرير الوهيب انه بعد تحرير الكويت غادر عشرات الآلاف منهم إلى بلدانهم الأصلية، وكلمة «الأصلية» هنا التواء صريح على الحقيقة التي تؤكد أن الحكومة رفضت عودة من غادر الكويت أثناء الغزو خوفاً من بطش نظام صدام، ويكفي للوهيب جولة في عواصم الدول الأوروبية إضافة إلى كندا واستراليا ليعرف عدد من التجأ منهم إنسانياً إلى هناك.

ويقول تقرير الوهيب ان أكثر من 23 ألف شخص عدل وضعه وأخرج جنسيته الأصلية وأعطته الحكومة الإقامة، ولا أعلم ما إذا كانت جنسيات كالدومانيكان وسيراليون وجزر القمر وغيرها من دول العمق الأفريقي هي ما يقصدها التقرير بتعديل الأوضاع! بمعنى آخر ما لم يقله التقرير ان الحكومة شجعتهم على جلب جوازات سفر «مزورة» شرطاً لتعديل أوضاعهم القانونية وقد استجاب البعض منهم، وتلك الحقيقة موثقة في سلسلة تقارير أوضاع حقوق الإنسان التي صدرت عن مجلس الأمة منذ عام 2000.

ويقول تقرير الوهيب ان «الحكومة قد أصدرت العقود والمواثيق كافة (لاحظوا كلمة كافة) كالزواج والطلاق وغيرها لتلك الفئة»! وأعتقد أن أي إنسان يعيش في الكويت يعرف عدم صحة هذه المعلومة التي ألقاها الوهيب على مسامع عشرات الوفود العالمية المهتمة في حقوق الإنسان معرضاً بلاده إلى اللا مصداقية في الطرح. ثم يقول التقرير ان هناك أكثر من ألف عقد زواج جاء بتنفيذ أحكام قضائية، ولم يقل كيف ولماذا لجأت تلك الفئة للقضاء لتوثيق عقودها؟!

باختصار من يسمع من وفود دول العالم إلى تقرير الوهيب، الذي يصلح عليه منطق «كل حاجة تمام يا أفندم»، ستنتابه الدهشة والاستغراب، لذا أطالب مؤسسات المجتمع المدني المعنية وعلى رأسها «الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان» و«الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان»، اللتان حضر بعض أعضائهما كلمة الوهيب كمستمعين في قاعة المناقشة وامتعضوا حينها وهم يسمعون حقائق لا علاقة لها بالواقع في الكويت، أن يستنكروا الأمر أولاً، ثم التعاطي مع هذا التقرير ضمن سقف أعلى ممن كتب أو ألقى هذا التقرير، وذلك لبحث ما إذا كان ما كُتب في التقرير اجتهاد شخصي ذهب إليه المقدم الوهيب وهي مصيبة، أم هي رؤية الحكومة... وتلك طامة أعظم؟

وأطالب لجنة «البدون» في مجلس الأمة باستدعاء الوهيب ومواجهته بفحوى المغالطات التي جاءت في تقريره، ومعرفة السبب في تعمد كتابتها في تقريره، وأيضاً أطالب لجنة «حقوق الإنسان» في مجلس الأمة باستدعائه أيضاً لمعرفة الحكمة من التحدث بلغة أمنية في محفل إنساني.

وأخيراً كم كنت أتمنى من الوهيب لو أنه بادر في تقريره إلى الاعتراف بحقيقة المشكلة كما جاءت على لسان وزيره الفاضل الشيخ جابر الخالد في أكثر من مناسبة، أو كما جاءت على لسان الكثير من نواب مجلس الأمة، إذ ان الاعتراف في المشكلة هي البداية الحقيقية والجادة للحل. وكنت أتمنى لو قال اننا نعترف بوجود مشكلة معاناة إنسانية كبيرة يدفع ثمنها شريحة كبيرة من المواطنين اعترفت الحكومة بضرورة تجنيس من يستحق منهم مع تبيان جهود الحكومة والمجلس في إنهائها من خلال إقرار تشريعات وتنفيذ تطبيقات، بدلاً عن ما جاء بالتقرير الذي بحق كان نقطة سوداء داكنة شوّهت الظهور الأبيض والناصع لشكل ومضمون التقارير الكويتية الأخرى.

لقد أصبح المجتمع الدولي اليوم من خلال آلية عمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طرفاً أساسياً في متابعة أداء الكويت في ما يتعلق بسجلها الحقوقي، وعلينا أن نتحرى الدقة في كل معلومة نرسلها إلى هذا الصرح المهم في العالم، كي لا نجعل الكويت عرضة للاشتباه والمساءلة أمام مرأى ومسمع الجميع، وهذا في نظري هو بالضبط الخطأ الذي وقع فيه الوهيب.



د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

qalam_2009@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي