مفهوم القطاع الخاص ودوره في مسيرة تنمية المجتمع يستند في العرف العام على مبادئ أو أسس تختلف عن تلك التي تسير عليها الأجهزة الحكومية، وهذه المبادئ تتعلق بعضها بالجوانب الإدارية والفنية والمالية، وبعضها الآخر بالقوى البشرية بالأنظمة العامة. هذه المبادئ تجعل القطاع الخاص اكثر فاعلية وحيوية وكفاءة في الأداء والانجاز والالتزام فالشواهد كثيرة على فاعلية القطاع الخاص في التنمية العامة في المجتمعات، بل ان المجتمعات الناهضة تعتمد حكوماتها على القطاع الخاص في انجاز العديد من المشاريع والاستشارة وتقديم الدعم والرأي لمعالجة مشكلات كثيرة تتناول جوانب مختلفة من حياة الناس والمجتمع.
القطاع الخاص في المجتمعات الناهضة هو الذي يحدث التحولات الجذرية في تقدم المجتمع صناعياً، وعلمياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وغير ذلك، لدرجة ان معدل التقدم مرهون بمدى فاعلية مساهمات القطاع الخاص الذي عليه ان يتقيد بالمعايير، وبمواصفات الكفاءة والجودة والأداء والخبرة، وانضباطية السلوك والتعامل في اطار القانون والشفافية، وفاعلية الأداء العام. كل عمل أو مؤسسة أو شركة لها رأسمال وكوادر فنية وتقنية تؤدي اعمالها على الوجه الأكمل،لذلك لا يمكن النظر فقط إلى القطاع الخاص على انه قطاع ربحي يسعى لتعظيم فوائده بغض النظر عن ادائه وامكاناته وتقيده بالنظم والشروط فليس هناك اسوأ من مؤسسة خاصة هشة لا تسير على معايير الكفاءة والنظافة والالتزام والتمكن، وتريد فقط ان تجني الأرباح والصفقات.
هذه الرؤية للقطاع الخاص تعتريها شوائب كثيرة عند البحث في واقع القطاع الخاص لدينا. قانون الدولة تجاه انشطة وأعمال القطاع الخاص لدينا مازال ناقصاً، كما ان سياسات الدولة تجاه هذا القطاع لا تتصف بالتكامل والعمل بالأحكام والمعايير الصحيحة، فالكثير من الشركات والمؤسسات يتم التعامل الحكومي معها على أساس الوساطات والعلاقات وتوزيع المشاريع والمناقصات. مؤسسات وشركات تتهاوى لأتفه الأسباب وحالاتها غير مستقرة وتستجدي المساعدة من الحكومة حال تعرضها للمخاطر، بينما مؤسسات اخرى تعاني من اصولها المالية والفنية والبشرية الضعيفة، لكن الغالبية تكرر نشاطات غيرها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بعض هذه المؤسسات الخاصة سواء كانت في قطاع التعليم أو الاقتصاد، أو التجارة، أو المقاولات، أو الأعمال المصرفية والتدريبية، وغيرها، ليست لديها خبرات تراكمية وسياسات معتدلة وإمكانات عالية،لذلك فإن الهزة العالمية المالية الأخيرة أثرت فيها رغم ان التأثير عام. لكن البعض الآخر سقط أو مازال متعثراً، وديونه كبيرة لدرجة عدم القدرة على دفع رواتب العاملين، فلا غرابة ان تصبح بعض الشركات مجرد اسم على الورق أو شركات ورقية، الشركات المتعثرة سرحت اعداداً من المواطنين لعدم قدرتها على السداد ما يعني انها سلكت في الأساس سياسات خاطئة في أساليب عملها وخططها ورؤيتها للأحوال الاقتصادية، خصوصاً الرؤية المستقبلية التي تجنبها الوقوع وعدم القدرة على السير. نتمنى ان توضع ضوابط من الحكومة على القطاع الخاص الذي سيساهم في التنمية المقبلة، ويتولى العمل في مشاريع الدولة، خصوصاً الالتزام بتعيين المواطنين وبدعم العمالة الوطنية وبتطبيق سياسات الدولة التي تحتاج إلى تطوير في ظل حركة التنمية المقبلة. نعم الخصخصة اذاً سلاح ذو حدين في واقعنا المزري، وعلينا الحذر من الاندفاع غير المدروس. والسؤال كيف تنفذ الخصخصة، بينما الفساد ينخر في الدولة، والناس في خوف من المتنفذين؟
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
yaqub44@hotmail.com