تواصل / المقوّض

u0641u0627u0636u0644 u0645u0635u0637u0641u0649 u0627u0644u0632u0628u0627u062f
فاضل مصطفى الزباد
تصغير
تكبير
| فاضل مصطفى الزباد |

أي حيز ذاك الذي يشغله مبدع ما حين يسترجع مدخرات كتابية مسدودة الجانبين، بائرة يتداولها ليصبح بذلك مجرد ناقل لمنقول متكرر ومستنفذ، يدعي من خلاله على الدوام تألقه واثبات ما تحفظه ذاكرته، ومدعيا كذلك انه الافضل ليتخلف من حوله عنه الى اقل درجة واقل قيلا منه، يتجاذب مشاحنة كلامية داخل عقله الباطن وداخل ذاته فهو يقع مابين ابداعه المنتهي الصلاحية وما بين تعزيز مستوى ما يعرف عنه.

ان ادعاء الافضلية لا يعد نجاحا بقدر ما هو عجالة تخط تشاطط التصور، لان فحوى الجدارة هو ان تتغير وتتميز نحو ما يغبطك عليه الاخرون بل ويحسدونك عليه، وذلك لما تأتيه من التجديد ورفعة الكتابة، لكن عدم الجدارة تقع عندما تقف مرتبكاً تلوك ما عندك من المفردات، متكلفا في استخدامها وكأنك تنتزعها من حوائط صخرية صلدة، التشكيل فيها اعتمد على النقل الخالي من الربط بين الاسلوب وبين الفكرة، ان لم تكن الفكرة نفسها تعاني التغريب ولانها لم تدخل ضمن نطاق الربط النصي مع الفكرة، فان سياقاتها الجمالية باهتة وغير مؤثرة فلا تثبت بهدف ولا تثمر بمغزى، فتراها تندرج ضمن ضياع مبهم وبهرجة تفقد القدرة على تحفيز الذهن واستثارة الادراك.

اعني هنا الشخص المقوّض، الذي يسعى الى تكرار الكلمات والتأكيد على اراقتها كلغة مرصوفة لا كصفة ترتقي بالموضوع، وكصرف نحوي بحت خال من اثارة المشاعر لم ترتق لاسلوب يحتضن الاشارات البراقة الملوّحة بالتميز والتفوق النصي، ربما هي اسباب تلغي الحرض على التغير كالغرور والشعور بالفوقية الزائفة لهذا فهو اعتقاد غير حاذق ولا يبعث انتعاشة التلقـّي، ونخلص هنا الى ان التأثير ينبثق مما نتعلم، فعلمنا مما نقرأ هو ما نعيه، وان ادراكنا لما نفهم هو ما نعقل، فهناك وعاءات لغوية نلجأ اليها عندما نركز على فكرة لا بديل عن ثوابتنا الابداعية لايصالها، فهي تجعل التركيز مادة قابلة للاستيعاب، وفقا لاسلوبنا الذي اما ان يرفع من شأن تلك الفـِكـَر وعلوها واما ان يحط من قدرها فتصبح ذبذبة رنين مزعج بل ومقرف، لذا فان ارادتك ان تكون مؤثرا فلابد ان تقتنع بانك تحمل فكره وتركيز واسلوب جذاب، وهذا افضل بكثير واقول مقالة وارفع درجة من الخوض في مخاضات الكلمات المنمقة والمتورمة والتي تندرج على حساب التجميع الذهني للفكرة مضحية بحافز المتابعة، لا تولي اهتماما الا بالابهار.

ليس كل التجارب تقترن بالنجاح، لأن سيادة الكتابة والتأثير ستكون بمقدار القدرة على استنشاق هواء الثراء الثقافي المبني على كيفية مراعاة اصول الوصول الى التكوين الابداعي المؤثر، ينبغي ان يطرح الاختزان العقلي كحدث مستساغ يتشكل لكي يترك بصمات انطباعية من قوة العلاقة المزدوجة مع النفس، ومع من يتلقون الكتابات انها الذاكرة، فاما ان تقف انت امام مرآتها وتستلهم منها تصوراتك بنجاح، واما ان تتحجر وتصاب بكهولة الكسل وضيق سعة المجال الذي يوعز فيك ومضات حبكـتـك المقتدرة، لابد اذا ان تتغير واذا اردت ان تتغير لابد ان تنضج والنضوج هنا هو تحليك بالنزاهة في حكمك على الاخرين، فاذا لم تستطع ان تتخلى عن فجاجتك اللا حوارية فان مستواك سيظل يحمـّلك نواقصا، وتحمل انت عليه من كبـَرك ينعش فيك التعالي الى حد التعمد بجرح الاخرين، ووضعهم في محفل النقيصة المكشوفة والمحرجة، من خلال الانغماس في رأي حـَـكـَمي يقوض الصلة بينك وبينهم.

ولأنك المقوّض فانه تحتدم فيك نوايا المناوئة، وقذف الاستكتام من القول متسببا في انهاء جو الثقة لكي تصبح حالة مستعصية النسيان والمسامحة، ينهشك الزهو ويعترضك نجاح الآخرين الذين ألهـَتـْـك نجاحاتهم عن مجاراتهم فلم تنظر الى ميمنة ما قدموه من ابداع وموهبة وجدارة، بل نظرت الى ميسرة لمعاني أسمائهم وحضور بصماتهم التي ربما أثارت فيك حفيظة الغيرة.

لذا فان ثقافتك المكتنزة، والتي تفترض نزاهتك لا ينبغي ان تقوم على التقويض، بدلا من البناء لأنك بذلك تفتري برأيك على من يقابلك وتجعل هذا الرأي بمثابة عهدة سمجة تحاول التخلص من موقفها بإبراز التفاوت الاحترافي بينك وبين غيرك، وفي كثير من الأحيان تفعل ذلك بشكل متعمد ومقصود بطريقة مهينة ومتكررة، وكأنك لا تستطيع ان تتقبل تطاول غيرك في بنيانه تجاهك.



* شاعر وكاتب

Fadel_al_subae@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي