ملامح / شكرا... البغلي والمعتوق

تصغير
تكبير
|د. عالية شعيب|

طال انتظاري انا وغيري من الغيورين على الفن الكويتي لمعرض ذكي، يحترم الذواقة والمشاهدين. «ذكي» بمعنى انه يتضمن جهدا واضحا لابراز جوانب الذات والمخيلة، وفرد عضلات الموهبة الكامنة.

من زمن طويل ويطول، كلما جاءت دعوة او سمعت عن معرض ذهبت فرحة، أحمل امالا وطموحات بما ينتظرني من قمح وزبيب وعنب في لوحات تنتظر الشروق من عيني، لكني اصاب بالخيبة، باستثناء مشاهد يتيمة هنا وهناك، في لوحات منفردة تضج بوحدتها الذهبية وسط تكرار ورتابة وشخابيط غير مبررة.

أكثر ما أسعدني في معرض الفنانين الشابين نواف المعتوق وفيصل البغلي، انهما اختارا الغرابة وسط صحراء قاحلة من المكرر والمألوف، وانهما اختارا الاختلاف باصرار وجدية بينما كل ماحولهم عادي ومعتاد وعشوائي ومعروف.

أما نواف المعتوق، فينثر الأسئلة وعلامات الاستفهام من خلال تشكيل غرائبي لكائنات ملتوية وشائكة بدبابيس ودوائر معقوفة لايبين منها طرف معنى. لكنك كمتذوق لاتملك الا ان تقف مندهشا ومأخوذا بالتجربة ذاتها. كل هذا الجهد الباهر، وكل هذه الدقة جديرة بالوقوف. وجدت فرنسيس بيكون، الفنان الانكليزي الجدلي بسيرته الشائكة وحياته المضطربة ولوحاته الغرائبية، يتربص بي خلف لوحات البغلي. ذات الشعور وذات الانجذاب والفلسفة، لكن بشخصية أخرى ومفردات مختلفة.هناك رسائل كثيرة منثورة في طيات اللوحات، عن المجهول تارة، والشكوك التي تلف الروح تارة اخرى. باختصار، هنا انسان مختلف، يجتهد لطرح الاسئلة في محاولة لتأملها مرة، وفي محاولة لايجاد اجوبة لها مرة أخرى. في سلسلة أشخاص من حياتي، وجدت البورتريه بطعم خاص، فالعين تخترقك بنظرتها الثاقبة الحارة، تستجوبك، لكنه بورتريه ليس عاديا، فهناك خربشات تحلق من عنق الثوب، او من فجر الجبين الناصع. وحده الفنان يدركها.

أما فيصل البغلي، فرسوماته اقرب للكاريكاتر الساخر والفلسفي الاستفهامي ايضا. هناك فضاء مترامي الاطراف، حر في مخيلة الفنان، يذهب فيه الى اخر المدى ويبدع، فضة وخوخا وعطرا فواحا. ثم هناك السوداوية في الجانب الاخر منه، فتدخل عالم الكوابيس والاشباح المتراصة التي تسائلك ولا من مجيب لها.

نقول شكرا لهما، لانهما اختارا المعنى على التفاهة والعشوائية، واختارا الاختلاف وسط المألوف، والتغيير بدل التكرار. نشد على يدهما ونتمنى للمواهب الاخرى النائمة او الكامنة او تصحو وتسجل ثورتها أيضا... وايضا.



Aliashuaib.net

admin@aliashuaib.net
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي