عندما يتقدم شاب وسيم مهذب، لابنتك التي دفعت عليها «دم قلبك» ربيتها وصرفت عليها، يطرق بابك ليأخذها جاهزة بملابسها وسيارتها و«بلاك بريها»، فإنك بعد السؤال عن الحسب والحساب البنكي والنسب والعائلة والقبيلة والعرق والمذهب والطائفة والشهادة والوظيفة واللون والشكل والطول والوزن... تسأل عن الاخلاق!
ولان الاخلاق مهمة، لذلك لا تسأل اصدقاءه مثلا عن رأي المتقدم للزواج في نظرية التطور والارتقاء لدارون، أو تسأل اهله عن رأيه في ازمة اليونان، او معلوماته عن بركان ايسلندا، أو هل يمتلك خطة خمسية أو عشرية لاسرته، أو رأيه في قانون الخصخصة...لان كل هذه الامور السابقة لا تهم، ولا يفهم فيها الاب، وحتى لو يفهم سيدخل في نقاش يطول لسنوات قبل الموافقة على طلب الزواج... ولهذا يكتفي الاب بالسؤال عن اخلاقه وادبه!
الحكومات المحافظة الخلوقة المؤدبة، لا تختلف كثيرا عن الاب الذي سيزوج ابنته، فهي تهتم بأخلاق الناس قبل كل شيء، وتعمل على نشر الاخلاق، واعتقال اي مواطن قليل الادب.
لماذا بعض الحكومات والجهات والتوجهات السياسية تهتم بهذه القضايا؟ ولماذا تزايد على الناس في اخلاقهم، وتمصخها حبتين؟، مع ان الوطيفة الاساسية - الحكومة او المجلس او اي جهاز سياسي واداري - هي ادارة البلاد بما يتوافق ومصلحة المواطنين وليس متابعة اخلاقهم؟ الاجابة ببساطة:
اولا، وبكل بساطة، لانهم لا يعملون، لا مشاريع، ولا خطط تنمية، ولا حل لمشكلة الفقر، ولا رؤية لمستقبل البلد، ولا توفير الوظائف للشباب، ولا صحة ومستشفيات محترمة، ولا مدارس راقية...لهذا السبب فإن اول شيء يتحدثون عنه الاخلاق، الشعب يصرخ من هول الفقر، والتلوث، والمرض، والبطالة... فيردون عليه الاهم الاخلاق! فليس المهم ان يأكل الشعب، المهم الا يغازل ولا يرقص ولا يغني ولا يضحك من دون سبب، لانه قلة ادب!
ثانيا، لانه الاسهل، هل تعرفون كم يحتاج الى عمل وجهد التخطيط، والدراسة، واللجان من اجل ان نطور منهجا دراسيا يحترم عقول الطلبة؟!، وكم يحتاج البلد من شركات ومصانع وروافد انتاج، وتوفير ميزانيات، من اجل حل مشكلة البطالة؟! وكم يحتاج لحل مشاكل الطاقة، والصحة، وغيرها الكثير... كلها قضايا تحتاج الى خبراء وناس تفكر وتقرر بعد سنوات دراسة... وهذا صعب مستصعب على ربعنا، لذلك نطبق الاسهل، والاسهل ان نفكر في قانون منع الناس من الاكل في رمضان، واطالة اللحية للعسكري، وكيفية ملاحقة الجنوس، وحلق شعر المغازلجية!
ثالثا، ايضا وبكل بساطة وصراحة نقول لانهم منافقون، ينافقون الجمهور من الناس، ويزايدون على اخلاقياتهم، اصبحت الحكومات مثل الاب الذي يزايد على ابنائه في الدين، يدخل البيت واسرته مشغولة امام التلفزيون او الكمبيوتر، ثم يصرخ بهم «روحوا صلوا»، وينفذون اوامره رغم علمهم ان الاب لا يصلي، ولم يشاهدوه يوما متجها للقبلة... الظاهر يصلي بالدوام!
حكوماتنا- الشرق اوسطية- الخلوقة، التي تأمر بالاخلاق الحميدة، وتغلق المحلات للصلاة، وتجبر الناس على الصوم والصلاة في الشارع، وتحجب البنات وتنقبهن، وتمنع الاستماع الى الاغاني، وتحارب الدف والمزمار، وتقطع الافلام، وتراقب الانترنت... هي نفسها تساهم في دعم اخلاقيات الاختلاس والرشاوى والعمولات والصفقات المشبوهة، وغسيل الاموال، وهي نفسها بمسؤوليها ورعاتها ودعاتها يشاهدون في اماكن مشبوهة على الشواطئ، وفي الكازينوهات... وحتى «لا نحط في ذمتنا» لعل هدفهم هو هداية الناس!
لايوجد اكثر من هذه الحكومات، خدشا للحياء !
***
رحم الله محمود السعدني شيخ الساخرين، حزنت له كثيرا.
جعفر رجب
jjaaffar@hotmail.com