مقال / ... وماذا عن الاستثمار الخليجي في البنى التحتية الاجتماعية؟

تصغير
تكبير
| بقلم شاليش داش |

كانت قصة دول مجلس التعاون الخليجي مرتكزة حتى الآن على أسعار النفط والجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد. وفي الوقت الذي بدأ فيه ظهور خفيف لبعض مؤشرات الانتعاش الاقتصادي في المنطقة، يجدر النظر إلى الاتجاهات التي اتّبعتها الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي في الماضي القريب وفهم صلة ذلك بالاستثمارات المستقبلية.

وفقاً لتقديرات عالمية، تتمتّع دول مجلس التعاون الخليجي باحتياطي نفطي ثابت يكفي للسنوات الخمسين إلى المئة المقبلة. ونتيجة لذلك، وبعد أخذ المدى الطويل في عين الاعتبار، برزت في هذه الدول الحاجة إلى تنويع اقتصاداتها وبناء مصادر جديدة للعائدات وخلق طلب داخلي قد يسهم في دفع عجلة اقتصاداتها إلى الأمام بعيداً عن النفط والغاز.

لا شكّ في أنّ سعر النفط المرتفع الذي سُجّل في العقد الماضي قد ساعد دول مجلس التعاون الخليجي على الحصول على فائض خارجي كبير في الميزانية، ما أدى إلى زيادة الثروة السيادية في المنطقة. ومن الواضح أنّ ارتفاع أسعار النفط من أقلّ من 20 دولارا أميركيا للبرميل الواحد عام 1999 إلى أكثر من 100 دولار أميركي للبرميل بحلول العام 2008 قد انعكس في الأرقام الحالية المسجلة في حسابات دول مجلس التعاون الخليجي وماليتها. أكثرت هذه الدول من استثماراتها في البنية التحتية غير المتطوّرة بحيث أنّ عدد مشاريع البنى التحتية التي تمّ تنفيذها قد ارتفع بشكل كبير وقيمتها سجّلت ارتفاعاً كبيراً لا سابق له. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإنفاق الهائل قد حصد ثماره في تنويع الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي. والبرهان على ذلك ارتفاع نسبة نموّ الناتج المحلي الإجمالي للمنتجات غير الهيدروكربونية من 3.8 في المئة في العام 2002 إلى 6.2 في المئة في العام 2008.

هذا الارتفاع في الاحتياط النفطي وتنويع الاقتصاد قد أنتج ثماره خلال الأزمة المالية عندما انخفضت العائدات النفطية بشكل ملحوظ. في هذا السياق، لا بدّ من تحديد القطاعات التي استثمرت فيها دول الخليج أموالها على المستوى المحلّي. فوفقاً لبيانات ومعطيات صادرة عن شركة «إم إي إي دي» MEED، تمّ توزيع قيمة مشاريع البنى التحتية التي ارتفعت إلى 720 مليار دولار أميركي على القطاعات التالية: 27 في المئة في قطاع النفط والغاز، 21 في المئة في قطاع النقل والمواصلات، 18 في المئة في قطاع الطاقة، 12 في المئة في قطع الاتصالات، 11 في المئة في قطاع البتروكيماويات، 6 في المئة في قطاع المعادن و5 في المئة في مشاريع مائية. تظهر هذه البيانات أنّ حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ركّزت أكثر على تطوير بنيتها التحتية الجوهرية وأمضت وقتاً أقلّ وأنفقت مالاً أقلّ على تطوير قطاعات البنى التحتية الاجتماعية فيها مثل التعليم والبيع بالتجزئة والعناية الصحية وغيرها من القطاعات المهمة مثل السلع ومنها المعادن والتنقيب عنها.

وتبرز القيمة السوقية الحالية الملازمة للأسواق المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أنّ القطاعات المهمة مثل النقل والمواصلات والعناية الصحية والتعليم والسلع والبيع بالتجزئة هي قطاعات تمثيلها شبه معدوم في الأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي. فالمستثمرون في الأسواق المالية وبالتماشي مع الحكومة، لم يولوا هذه القطاعات الأهمية اللازمة قبل الأزمة نظراً إلى أنّ القطاعات الساخنة مثل الخدمات المالية والعقارات أمّنت المزيد من النموّ والعائدات.

لكنّ الأزمة المالية لقّنتنا دروساً مهمة كثيرة وزودتنا بملاحظات مهمة عديدة أيضاً. فالاستثمارات الهائلة في القطاعات الخاصة التي تتضمّن العقارات والخدمات المالية والاتصالات تسبّبت بارتفاع الأسعار وزيادة الطلب الزائف على صعيد السعر الحقيقي وسعر الأسواق المالية. نتيجة لذلك، عندما هزّت الأزمة الاقتصادية الأسواق المالية في دول الخليج في النصف الثاني من العام 2008، أدّى انخفاض الطلب على هذه القطاعات ومجموع التوريد في قطاع العقارات بشكل خاص إلى نتائج مزرية.

وسجلت نسبة زيادة القيمة السوقية الحالية على القيمة المسجلة في العام 2007 انحرافاً واضحاً في ما يفضّله المستثمرون وفي الاستراتيجية المتبعة لاختيار الأسهم. وفي هذا الإطار، فضّل المستثمرون اختيار القطاعات الدفاعية والوقائية مثل العناية الصحية والتعليم وقطاعات أخرى ذات طلب مستقرّ مثل السلع.

بالإضافة إلى ذلك، أجري تحليل مشابه حول العائدات الخاصة بكلّ قطاع (بمقارنة عائدات العام 2009 مع عائدات العام 2007). وجاءت النتائج متطابقة مع توقعاتنا، بحيث أنّ قطاعي البنية التحتية الاجتماعية والسلع تفوّقا على القطاعات الأخرى كلّها.

وبالتالي، يُلاحظ تفضيل المستثمرين الأسهم الخاصة بالقطاعات الدفاعية والبنية التحتية الاجتماعية المتزايدة النمو والسلع على الأسهم الخاصة بالقطاعات الأخرى. كما أنّ ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد في المنطقة ومعدّل نموّ السكان وكثرة المغتربين وفئة السكان الشابة ستدفع بهذه القطاعات قدماً أكثر بعد في المستقبل، ما سيؤثر من دون شك تأثيراً إيجابياً على أداء هذه القطاعات المختلفة في الأسواق المالية. ومع تزايد الإنفاق الذي تتكبّده حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز القطاعات الاجتماعية وتنميتها، وعودة ارتفاع سعر النفط الذي سيساعد حكومات هذه الدول على جمع المزيد من الثروة السيادية، يبقى قطاع البنية التحتية الاجتماعية وقطاع السلع قابلين للنموّ أكثر بعد.



* مستثمر وخبير مالي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي