تقرير «سبائك» الشهري / سيشهد انتعاشا طفيفا في النصف الثاني من العام الحالي

سوق تأجير المعدات الخليجي مقبلٌ على نمو في 2011

تصغير
تكبير
تناول التقرير الشهري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار سوق تأجير المعدات الخليجي والعربي والعالمي. فهذا السوق تأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية، لكن يبدو أنه أصيب بانكماش لا بركود كغيره. إذ بدأت إشارات انتعاشه في أوروبا منذ الربع الأخير من 2009 وفي الولايات المتحدة منذ شهرين تقريبا. أما في منطقة الشرق الأوسط فهو لا يزال ينتظر تطبيق وعود الحكومات بزيادة الإنفاق الاستثماري وأن تصبح مشاريع البنية التحتية والخدماتية واقعا ملموسا، ولا تبقى ميزانيات الدول على الورق فقط.

وقد انخفض حجم الأعمال الجديدة لتأجير المعدات حول العالم من معدل 600 مليار دولار في 2007 و2008 إلى 540 مليارا في 2009. وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الملعبان الرئيسيان لهذا المنتج. وللتذكير ينقسم منتج تأجير المعدات إلى تأجير تشغيلي وتأجير تمويلي، وهو يساعد المؤسسات أو الأفراد على استئجار سلع تلبي حاجاتهم الانتاجية بدل شرائها، وبذلك يتم الاحتفاظ بجزء كبير من رأس المال وربما استخدامه في أغراض مختلفة.



بداية الانتعاش في الأسواق العالمية

كغيره من الأسواق، تضرر قطاع تأجير المعدات بالأزمة المالية. فأداء الاقتصاد العالمي الضعيف وثقة المستهلك المنخفضة وعرض المعدات المرتفع وأدوات التمويل المختلفة، كلها عوامل ساهمت في تدهور السوق خلال العام الماضي. لكن استطلاعا للرأي، أجراه اتحاد تأجير المعدات وتمويلها ELFA مع الرؤساء التنفيذيين لأغلب شركات تأجير المعدات حول العالم، أظهر أن أداء القطاع كان أفضل من المتوقع. ويعتبر الرؤساء التنفيذيون المستطلعة آراؤهم أن السوق بلغ القاع في يناير من عام 2010 وقد بدأ يشهد بالفعل منذ شهرين تحسنا ملحوظا، إن على صعيد الصفقات الجديدة أو على صعيد توقف نزيف تعثر العملاء. فالقطاع لم يتأثر فقط بالركود الاقتصادي وصعوبة بيئة التشغيل بل أيضا بتعثر عدد ضخم من العملاء عن الوفاء بالتزاماتهم وبأقساط التأجير.

وفي الولايات المتحدة، ظهرت بوادر انتعاش خلال الربع الأخير من 2009. فقد ارتفع حجم الأعمال الجديدة إلى 15.4 مليار دولار من 13.2 مليار دولار في الربع الثالث. لكن هذا الحجم بقي منخفضا بنسبة 22.2 في المئة مقارنة مع الربع الأخير من 2008 فبالنسبة لكامل عام 2009، كانت شركات تأجير المعدات الأميركية سجلت حجم أعمال جديدة بلغ 54.6 مليار دولار، مقارنة مع 80.2 مليار في كامل عام 2008 و83.1 مليار في 2007 أما في الربع الأول من 2010، فقد بلغ حجم الأعمال الجديدة 10.9 مليار دولار، انخفاضا بنسبة 12.8 في المئة عن الربع الأول من 2010.

وفي أوروبا، أكبر سوق لتأجير المعدات في العالم، بلغ حجم الصناعة عام 2008 أكثر من 770.9 مليار يورو، في حين أن قيمة الأعمال الجديدة وصلت إلى 330.1 مليار يورو، حسب مؤسسة ليز يوروب. والرقم الأخير هو أدنى بنسبة 7.7 في المئة مما حققه السوق عام 2007 أما في عام 2009 فتلقى سوق تأجير المعدات الأوروبي ضربة قوية، إذ تراجع حجمه الإجمالي، أي قيمة الأصول المؤجرة، إلى 683 مليار يورو، في حين أن حجم الأعمال الجديدة انخفض بنسبة 28.4 في المئة إلى 216 مليار يورو. والجدير ذكره أن إحصاءات تأجير المعدات في أوروبا تضم معها حجم تأجير السيارات، حسب ليز يوروب وهو اتحاد يضم 95 في المئة من المؤجرين في القارة العجوز.



شعبية التأجير تتزايد

من جهة أخرى، يبدو أن شعبية تأجير المعدات تزداد مع الوقت. فإذا نظرنا على مر العقود الثلاثة الماضية، لم يحتل قطاع تأجير المعدات حيزا مهما في سوق التمويل العالمي لأن أغلب المؤسسات المالية كانت تمارس التأجير من خارج ميزانياتها. وبعد أن بدأت دول العالم تضع قوانين وتشريعات تنظم التأجير التمويلي والتشغيلي، بدا حجم السوق عملاقا. ولا تزال الدول حول العالم، حتى المتقدمة منها، تعدّل يوما بعد يوم المعايير المحاسبية المطبقة في هذا النوع من التمويل والصفقات.

والجدير ذكره أن بعد الأزمة المالية التي عصفت بالعالم أخيرا، بدأت أغلب الشركات تتجه نحو استئجار المعدات أكثر فأكثر، بدل اللجوء إلى الخيارات التمويلية التقليدية. فخلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، كان نمو سوق التأجير أقل تأثرا من بقية الصناعات. فالتأجير يعتبر مقاوم للركود لعوامل عديدة:

> أولا، يفضل المستخدمون منتج الإجارة لتبقى تكاليف استثماراتهم في المعدات قليلة خلال فترة ضعف الثقة التي تمر بها الأسواق وصعوبة البيئة التشغيلية.

> ثانيا، خلال الأزمة يسعى المؤجرون لتسويق منتجاتهم ومعداتهم بطرق مبتكرة، فيقتنصون فرصا عديدة.

ويعتبر منتج التأجير أساسيا في الاقتصاديات المتقدمة. لذا يعمل المشرعون الأميركيون في الوقت الحالي على تحديث المعايير المحاسبية للتأجير التمويلي وعلى تشديد متطلبات الشفافية والإفصاح في التأجير التشغيلي. ففي دراسة أعدتها ELFA، تبين أن النسبة الأكبر من عقود التأجير مهيكلة على أساس أنها تأجير تمويلي مباشر، في حين أن التمويل التشغيلي ما زال يحتل جزءا بسيطا من المعادلة. وقد تبيّن أن 28 في المئة من عقود التأجير هي عقود تأجير تمويلي مباشر، و52 في المئة مسجلة على أنها اتفاقات بيع مشترطة، في حين 9 في المئة فقط هي عقود تأجير تشغيلي و3 في المئة هي عقود تأجير بالإقراض (Leveraged leases) و2 في المئة لعقود التأجير المركب و7 في المئة لبقية أنواع عقود التأجير المختلفة.

لكن التأجير التشغيلي للمعدات يبدو أكثر شهرة وأوسع انتشارا في أوروبا، لأنه كما ذكرنا أن السوق الأوروبي مؤلف بشكل كبير من تأجير المركبات والمحركات والسيارات، وهي عادة تكون مؤجرة للتشغيل.



الصحة والتكنولوجيا أكثر القطاعات نموا

وفي سياق متصل، يبدو أن التحسن، الذي يشهده سوق تأجير المعدات العالمي منذ بداية 2010 لا يزال بطيئا، لكن المسؤولين الإداريين في هذا القطاع متفائلون بنسبة النمو المتوقعة، حسب استطلاع ELFA. ومن المتوقع أن ترفع الشركات العاملة في القطاع أحجام أعمالها في عامي 2010 و2011 بعد انتعاش الاقتصاديات حول العالم.

إلى ذلك، تشير التوقعات إلى أن سوق تأجير المعدات الصحية والطبية سيشهد أكبر نسبة نمو من حيث حجم الأعمال الجديدة في عام 2010 خصوصا أن النمو في هذا القطاع لم يتوقف آخر 5 أعوام، على الرغم من الأزمة المالية العالمية. أما ثاني أفضل قطاع متوقع له النمو هذا العام فهو تأجير الكومبيوتر والمعدات التقنية، يتبعه قطاع الطاقة والنفط والغاز ثم قطاع المعدات الآلية ثم البناء والإنشاء فالشاحنات والنقل. وفي حين أن النمو المتوقع لقطاعي سكك الحديد والقطع البحرية إيجابي، يبدو أن قطاعات معدات الطباعة والنقل والاتصالات لن تشهد نموا في عام 2010 وربما يتراجع حجم الأعمال فيها عما كان عليه في العام الماضي.



شح المعلومات في القطاع الخليجي

أما في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد تضرر سوق تأجير المعدات خلال العام 2009 جراء الأزمة المالية التي أضرت بالأخضر واليابس. وكان القطاع في دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر تضررا على صعيد المنطقة، على اعتبار أن الإمارات، خصوصا دبي، كانت أكبر سوق لتأجير المعدات. ويشار هنا إلى أن أكثر المعدات المؤجرة شهرة في الخليج تقتصر على معدات الإنشاء والبناء. في حين أن السعودية هي أكبر سوق على الإطلاق لتأجير المركبات ووسائل النقل.

إذا، لقد تضرر سوق تأجير المعدات في المنطقة لأسباب عدة، أبرزها انهيار أسعار الأصول المالية والعقارية وشح السيولة وتعثر مئات المستثمرين في سداد مستحقاتهم الائتمانية وهروب الأموال الأجنبية والساخنة وتوقف أو تأجيل عدد ضخم من المشاريع العقارية. وكان سوق تأجير المعدات الخليجي شهد طفرة خلال عامي 2006 و2007 بفعل النمو الاقتصادي الذي شهدته دول التعاون، لكنه لم يصل إلى حالة النضوج بعد.

وتعاني المنطقة من شح المعلومات والبيانات الاقتصادية والمالية، ولا يعتبر سوق تأجير المعدات استثناء. فلا أرقام رسمية عن حجم السوق. لكن المعروف أن عشرات الشركات تأسست لهذا الغرض بين عامي 2004 و2008؛ كما أن بعض البنوك، خصوصا الإسلامية منها، توفر منتج التأجير أو الإجارة للعملاء في المنطقة.



عوامل عدة مشجعة في دول التعاون

ومن المتوقع أن يعود سوق التأجير الخليجي إلى النمو بداية عام 2011 مع انتعاش طفيف في حجم الأعمال الجديدة في النصف الثاني من 2010 خصوصا أن عوامل عدة ستساهم في هذا النمو:

1 - الإنفاق الضخم الذي أقرته حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. فالسعودية أقرت مشاريع بقيمة 400 مليار دولار تقريبا تنفق في السنوات المقبلة، كما أقرت حكومة الكويت خطة تنمية قيمتها 110 مليارات دولار على مدى 4 سنوات. وبدورهما، دولتا الإمارات وقطر وافقتا على أكبر ميزانية في تاريخهما.

2 - احتمال خروج دبي من حالة الركود التي أصابت القطاعات فيها، بمساعدة إمارة أبو ظبي والحكومة الفيدرالية. فإعادة هيكلة مجموعة دبي العالمية تسير على قدم وساق، كما أن المشاريع العقارية بدأت تجد سبيلا إلى الانتهاء. وقد ساهم تأجيل عشرات المشاريع في عدم دفع السوق العقاري نحو الانهيار. وستسمح الفترة المقبلة للإمارة الفتية بإمكانية تسييل أصول خارجية بأسعار مقبولة، وذلك حتى توفي بالتزاماتها.

3 - تعافي أسواق المال الخليجية أعاد نوعا من الثقة إلى نفوس المستثمرين، الذين سيضخون رؤوس أموال في شركات قديمة وجديدة، مما يعزز وضع الاقتصاد الكلي بشكل عام.

4 - حجم مخصصات خسائر الائتمان والقروض المتعثرة الذي جنبته المصارف الخليجية يعتبر ضخما في العامين الماضيين، مما أبطأ عودة مياه التمويل إلى مجاريها. لذا سيشكل التأجير إحدى الوسائل البديلة للتمويل.

5 - أسعار النفط المرتفعة والمستقرة حول 80 دولارا للبرميل ستساعد حكومات الخليج على الوفاء بالتزامات مشاريعها والاستمرار بخطط التنمية وتطوير البنية التحتية.

6 - شركات المنطقة باتت تسعى لتخفيض نفقاتها وتكاليف تشغيل نشاطاتها، وكذلك للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السيولة النقدية المتوافرة في خزائنها. لذا من المتوقع أن يلجأ عدد كبير من المؤسسات لاستئجار المعدات، خصوصا التقنية والمكتبية منها، لمتابعة أعماله وتوسعاته في فترة الانتعاش المقبلة.

7- المشاريع الإنمائية التي أطلقتها الحكومات الخليجية ستشكل حقلا للعمل لعدد كبير من المقاولين. ومن المفترض أن تسعى شركات المقاولات لتثبيت وجودها عبر استئجار عدد ضخم من معدات الإنشاء والبناء مع فرق عملهم ربما.

ومما سبق من عوامل يتبيّن أن عودة سوق تأجير المعدات مرتبط بالاقتصاد الحقيقي. فعلاقة قطاع التأجير التمويلي والتشغيلي وثيقة مع بيئة الأعمال ونمو إجمالي الناتج المحلي والطفرة الاقتصادية وعجلة المشاريع.





4 أسباب لتضرر سوق تأجير المعدات في المنطقة



1 - انهيار أسعار الأصول المالية والعقارية

2 - شح السيولة وتعثر مئات المستثمرين

3 - هروب الأموال الأجنبية والساخنة

4 - توقف أو تأجيل عدد ضخم

من المشاريع العقارية






تحديات كثيرة مستمرة



وفي الختام، ترسم «سبائك» جملة تحديات تواجه صناعة تأجير المعدات في الخليج، أبرزها:

• عدد كبير من عملاء شركات التأجير متعثر. فصحيح أن التأجير مضمون بأصول مرهونة، لكن شطب عقود التأجير واسترداد المعدات يشكل بحد ذاته تباطؤا للأعمال والتدفقات النقدية والإيرادات التشغيلية.

• ينقص السوق دراسة لحاجة العملاء إلى المعدات وتقديم المشورة ودراسات الجدوى لهم، وقراءة بياناتهم المالية بشكل دقيق وفعال لمعرفة مدى ملاءتهم المالية وحجم تدفقاتهم النقدية، قبل أي شيء.

• التشريعات التي تنظم قطاع تأجير المعدات في دول مجلس التعاون الخليجي وفي دول الشرق الأوسط ما زالت إما غائبة أو ناقصة أو مبتورة. وهذا ما يجعل السوق بعيدا عن التنظيم ويؤخر طفرته وتطوره بالشكل الحاصل في أوروبا وأميركا وشرق آسيا.

• يعتبر منتج التأجير جديد نسبيا في المنطقة، لذا تعتبر مسؤولية الشركات العاملة في هذا القطاع كبيرة، إذ من واجبها توعية المستثمرين والمستهلكين بشتى الوسائل وتعريفهم على أهمية هذه الأداة البديلة عن التمويل، خصوصا أثناء هذه الظروف الصعبة للأسواق الائتمانية.

• على غرار البنوك والمؤسسات المالية، على شركات تأجير المعدات العمل على إنشاء إدارات مخاطر متخصصة وحصيفة لدراسة ملفات الشركات والقطاعات والمعدات وتفادي أي أخطاء ومخاطر قد تودي ببعض الشركات نحو الإفلاس.

• من تحديات سوق التأجير في المنطقة أيضا تحديد معايير المحاسبة وتقييم الأصول المؤجرة وتوحيدها ووضع معايير للعقود وقوانين متعلقة في هذا الشأن.

• كما بقية الشركات، تحتاج المؤسسات العاملة في تأجير المعدات إلى تحسين مستويات الحوكمة فيها وتعزيز الشفافية مع مساهميها وموظفيها ومع الرأي العام، مما يؤدي لبناء قاعدة ثقة مع العملاء وسمعة طيبة. وتعتبر السمعة حجر زاوية لأي شركة تتعاطى مع جمهور عريض من المستهلكين.

هذه التحديات وغيرها تلعب دورا في تأجيل سرعة نمو سوق تأجير المعدات في المنطقة، وما يمكن أن يلعبه من دور بارز في تنمية الاقتصاد الحقيقي، خصوصا أن العلاقة بين التأجير والاقتصاد وثيقة كما ذكرنا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي