د. سامي ناصر خليفة / امتحان للكويت في جنيف

تصغير
تكبير
يوم الأربعاء المقبل هو موعد تقديم الكويت لتقريرها عن سجلها المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان من الناحيتين التطبيقية والموضوعية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، هذا التقرير الذي من شأنه أن يحسّن صورة الكويت عند المجتمع الدولي، ويزيل اللبس الكبير في بعض الملفات شبه الدائمة والتي عُرفت بها الكويت منذ عقدين تقريباً، ومن خلال تلك المراجعة الدولية الشاملة الخاصة بالكويت يمكن اعتبار تلك المناسبة المهمة فرصة حقيقية للرد على الكثير من التساؤلات المقدمة من قبل بعض الجهات الحقوقية، الرسمية منها والمدنية، بصورة فيها فائدة كبيرة للأطراف المتضررة في الكويت.

فملف شائك كحقوق الإنسان المواطن من فئة «البدون» لا شك سيكون محط أنظار الجميع هناك، خصوصاً أن الدولة ومنذ عام 1986 قد غيرت نظرتها لتلك الشريحة وبدأت تنظر إلى حل المشكلة بالطرق الأمنية بعيداً عن البعدين الاجتماعي والحقوقي، وتلك هي المعضلة التي تفاقمت حين قررت الحكومة عبر تأسيس اللجنة المركزية للمقيمين بصورة غير قانونية أن تعالج الأمر من خلال حرمان عشرات الآلاف من الناس من أبسط الحقوق المدنية والقانونية بهدف كشف هويات قد تكون مخبأة، أو ممزقة، وغير ذلك من التبريرات التي تقر الحكومة نفسها أنها لا تنطبق على كل تلك الفئة. بمعنى آخر تعترف الحكومة نفسها أن هناك من تلك الشريحة من يستحق التجنيس ولكن كونها، ولأسباب إدارية، تلكأت في تجنيسهم إلى يومنا هذا، ما جعلهم مشمولين بسياسة القهر والحرمان التي تتبعها للحكومة لتلك الفئة.

وملف شائك آخر سيكون محط أنظار الجميع هنا في جنيف هو المتعلق بظاهرة الاتجار بالبشر والذي تظهر أبرز صوره بجلاء من خلال تجارة الإقامات، وطرق جلب العمالة المنزلية، وما يستتبعها من معاملة مهينة للعمالة الوافدة بالمجمل، وغيرها. ورغم التقدم الكبير الذي نجحت فيه الحكومة الكويتية من خلال تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية على تعديل قانون العمل، وغيره من القوانين غير الواضحة بما يخدم الوافد ويحميه من جشع وسيطرة أرباب العمل، هذا الملف الذي أحسب أنه يحتاج إلى توسيع دائرة الدفاع عنه ليشمل رؤية فلسفية قيمية ينطلق منه التقرير الكويتي في التفاعل مع جملة المعالجات الاجتماعية الموجودة في البلاد، كحق الإنسان في اللجوء إلى المراكز الخيرية والمؤسسات الاجتماعية والتمويلية المتنوعة كي لا يسقط في فخ العسرة المعيشية، وغيرها.

أما الموضوع الأهم الذي سيأخذ حيزا كبيراً من الاهتمام خصوصاً عند أعضاء مجلس حقوق الإنسان أنفسهم هو مدى ملاءمة التشريعات الكويتية المتعلقة بحقوق الإنسان مع التشريعات والقوانين الدولية التي صدقت عليها الأمم المتحدة من جانب، ومدى تطابق القوانين المحلية مع المبادئ الواردة في المعاهدات الدولية التي وقعتها الحكومة الكويتية، وتلك هي المعضلة الأهم لسببين أساسيين، الأول في الحساسية التي تبديها الحكومة الكويتية بشكل دائم من تدويل ملفاتها المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام، والتي قد تسبب ضغطاً خارجياً هي في غنى عنه في هذه المرحلة على الأقل. والثاني في أن بعض التشريعات والقوانين الدولية لا تتناسب وأعرافنا وتقاليدنا المحافظة، كحق الزواج المثلي، وغيره، وتناقض بعض تشريعاتنا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف معها كرفض عقوبة الإعدام أياً كانت الأسباب، وغيره، وتلك معضلة أخرى تتطلب مراجعة تقييمية حقيقية لدور الكويت في التفاعل مع مؤسسات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان.

باختصار إنه يوم مهم في تاريخ الكويت، وعلى الوفد الكويتي أن يحسن الأداء للخروج بأكثر فائدة ممكنة من التوصيات الدولية المفيدة والتي تستحق الاهتمام والأخذ بها، وفي الوقت نفسه أن يتحمل مسؤولية الحفاظ على سمعة الكويت طيبة وجلية وناصعة في مجال حقوق الإنسان، وهو أمر ليس بالصعوبة البلغة إن انطلق الوفد في دفاعه من خلال الاعتبارات الإنسانية التي كفلها لنا ديننا الإسلامي وكرستها لنا أعرافنا وتقاليدنا المحافظة.



د. سامي ناصر خليفة 

جنيف - أكاديمي كويتي

qalam_209@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي