ممدوح إسماعيل / محمود غرق ... والفساد يطفو

تصغير
تكبير
في منتصف شهر أبريل، وفي ساعة الفجر، خرجت الأم من بيتها مسرعة قلقة بطفلها الرضيع المريض إلى المستشفى ومعها طفلها محمود ذو العشرة أعوام، ليُعينها على الطريق، بينما الأب ذهب إلى عمله. وفي الطريق إلى المستشفى، وبينما تعبر كوبري الساحل في العاصمة المصرية لم تجد محمود في يدها... معقول، أين ذهب؟ المفاجأة المروعة... سقط محمود من فتحة موجودة في منتصف الكوبري! اشتدت الصدمة على الأم، وعلى الأب الذي ذهب يبحث عن جثة ابنه في النيل فوجده رافعاً يديه يشكو إلى الله ظلم كل مسؤول تسبب في الحادث. نعم من حق محمود وهو بين يدي الله أن يشكو إلى الله كل مسؤول. ألم يقل سيدنا أمير المومنين الخليفة العادل عمر بن الخطاب «لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن أسأل عنها»، والذي تعثر وغرق طفل، إنسان وليس بغلة، وسوف يحاسب الله كل مسؤول مهمل وفاسد ولن يفلت من عقاب الله.

الحادثة هزت مشاعر الشعب المصري كله فقد شعر كثير من المصريين أن الطفل الغريق محمود هو ابنه، فمنهم من دعا على الظالم المهمل، ومنهم من دعا لوالديه، ومنهم من قال... حسبنا الله ونعم الوكيل. نعم حسبنا الله ونعم الوكيل، لو حدث هذا وسيف العدل والحق يطبق على الجميع لارتدع المهملون والمفسدون.

هل يصدق أحد وجود فتحة قطرها 80 سم في وسط كوبري على نهر النيل! أنها الفوضى والإهمال وعدم الخوف والخشية من الله، وأيضاً عدم الخوف من حساب وعقاب رادع في الدنيا وهو ما سبب كثيراً من المصائب، كما حدث في حادثة العبارة «السلام 98» التي تكاثرت بها العيوب والمفاسد حتى غرقت في حادثة مروعة لم ولن ينساها المصريون أبداً، ونحن ندعو الله ألا تغرق مصر أبداً، ولا غيرها من بلادنا العربية والإسلامية.

ونموذج كوبري الساحل يشبه إلى حد ما حال نماذج الإهمال في مصر والكثير من بلادنا العربية، فالكوبري تشابكت فيه المسؤولية الإدارية والفنية والأمنية، والكل يتهرب من المسؤولية ويلقيها على الآخر.

وما حدث على الكوبري يحدث في مناطق كثيرة في عالمنا العربي، والصحف ووسائل الإعلام تنشر نماذج لا تحصى من حوادث ومصائب سببها الاهمال والفساد الإداري، ولأن هؤلاء المفسدين من أصحاب النفوذ، ومفاسدهم تقع تحت سمع وبصر المسؤولين وبمعاونة بعضهم فلا تكشفهم أنوار العدل والقانون، بل تضاء فقط على الغلابة والفقراء والضعفاء. ويحضرني هنا حديث الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». والمقصود بالشريف هنا أصحاب النفوذ في المجتمع، وما أكثر السارقين الذين سرقوا مال الشعب، وحرية الشعب، وحقوق الشعب، ولم يقم عليهم الحد، ولم يعرف القانون لهم الطريق، ولم تطأ أقدامهم السجون، وما أكثر الضعفاء الذين حبسوا بسبب كلمة حق أو مخالفة بسيطة.

البعض يتعجب من مسيرة الدول الغربية في التقدم، ويتعجب من عدم قدرتنا اللحاق بهما، ولا يلتفت إلى انتشار الفساد والرشوة والظلم في بلادنا، وأيضاً الفجور في المعصية، سواء المعنوي أو المادي، علناً من دون حياء ولا استخفاء، بل أصبح هو المعروف ووسيلة الحياة، ومن يعارض من المصلحين الظلم والفساد حباً في وطنه وحرصاً على بلده يتعرض للقهر، وما يحدث في مصر، وغيرها من بلاد العرب والمسلمين، يحتاج إلى وقفة حاسمة وحتمية لإصلاح الفساد.

نعم، فكثير من بلادنا العربية لا تشكو من قلة الموارد ولكنها تكاد تخرب وتغرق بسبب سطوة بعض الفجار المفسدين وسيطرتهم وهذه سنة الله في الحياة، وإلا صدق فينا قول عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة؟ قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها على أبرارها وساد القبيلة منافقوها.

وأخيراً لا أملك غير واجب التعزية لأم وأب الطفل محمود الذي غرق بسبب الإهمال والفساد، ولم يسأل عنهما أحد من المسؤولين. أسأل الله أن يلهمهما الصبر والسلوان، وأن يخلفهما خيراً... اللهم يا مالك يوم الدين انصر المستضعفين المظلومين.





ممدوح إسماعيل

محام وكاتب

Elsharia5@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي