التواصل بين الشعوب ونشر المعرفة في عالم زاخر بالمتغيرات العلمية والتقنية لا يتوقف على اسلوب واحد وإنما هناك مجموعة من الأساليب التي تُعين على تبادل المعرفة والانجازات العلمية بين الشعوب، ومن هذه الوسائل الترجمة من لغة إلى لغة اخرى. لا شك ان الترجمة وسيلة حضارية فاعلة لنشر المعرفة بين الشعوب لا تأخذ بها امة معينة فقط، انما الكل يجري وراء الترجمة، ويبذل الجهود الكبيرة من أجل نشر المعرفة، والاستفادة منها والتعرف على افكار ومنجزات الآخرين، خصوصاً في ميادين الأبحاث العلمية، والعسكرية، والأمنية والاقتصادية، والفلكية، والبيئية وغيرها.
الدول المتقدمة تتصدر الدول الاخرى في ميدان الترجمة فهي تنتج المعرفة وتسوقها بالإعلان والنشر مثلما تستخدم المصادر المترجمة، وتستفيد منها. فدول مثل اليابان وأميركا وكندا، والصين وروسيا، تترجم إلى لغاتها ما ينتجه غيرها من المعرفة مثلما تنتشر الترجمات من لغاتها إلى اللغات الأخرى. ويلاحظ ان الظاهرة العالمية للترجمة تعكس ان حجم الإنتاج المعرفي المترجم لدى هذه الدول مرتفع مقارنة بتدني مستوى الترجمة عند الدول النامية. والمفارقات في هذا المجال غريبة ولا تتوقف بدرجة كبيرة على امكانات الدولة في الترجمة، وانما يلعب الكسل وعدم الاهتمام بالعلم والمعرفة دوراً بارزاً في تخلف الترجمة.
هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها بشكل جلي في الواقع العربي للترجمة الذي يعاني من تخلف وتدهور كبير مقارنة بغيره. الدكتور جابر عصفور، رئيس «المركز القومي للترجمة» في مصر تحدث في احد لقاءاته عن الترجمة العربية انها متخلفة وضئيلة، وقال: «ان ما يترجمه العرب في عام يعادل ما تترجمه دول اخرى في يوم واحد». فبعد كل هذه الأعوام يقول عصفور، انه للمرة الأولى في تاريخ الثقافة العربية تتم الترجمة من (35) لغة أصلية إلى العربية. خطة طموحة يضعها «المركز القومي» المصري، لكن هل سيتواصل العمل وتستمر الترجمة وتنتشر في العالم العربي، وهل يصرف العالم العربي الأموال اللازمة على الترجمة العربية لكي تحقق العائد في وقت تهدر الأموال على جوانب لا تشكل اهمية بالغة مثل اهمية الإنتاج المعرفي ونشره باللغة العربية؟
لا شك ان التخلف العربي في مجال الاهتمام باللغة العربية ونشرها عبر الترجمة وغيرها دليل على ما اصابنا من تراجع علمي ولغوي وثقافي بعد ان كنا في مقدم الدول المنتجة للمعرفة والمصدرة لها. ومن المؤسف ان نعتمد على غيرنا في مصادر المعرفة ونلغي دورنا العلمي واللغوي والحضاري امام عالم يتنافس اليوم على الريادة في العلوم والاكتشافات، والمساهمات الكبيرة في نهضة العلوم وانتاج المعرفة.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
yaqub44@hotmail.com