عشية المعركة «الضارية» على الفوز بالمجالس الاختيارية

«مختار المخاتير» من «شيخ صلح» إلى... «مزراب دهب» ومرشحو بيروت «رأس حربة» سياسية إلى «المقعد الحلم»

تصغير
تكبير
|بيروت - من محمد بركات|

ثمة مفارقة لافتة تطبع الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت، بعدما قررت بعض القوى من المعارضة السابقة كـ «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و«حزب الله» مقاطعة الانتخابات البلدية وخوض الانتخابات الاختيارية.

ويعتقد البعض ان «اللامركزية» البلدية حسمت حتى قبل الاحد عندما اعلن رئيس الحكومة سعد الحريري لائحة «وحدة بيروت» عبر تحالف ابتعد عنه عون و«حزب الله»، في الوقت الذي تتميز المعركة الاختيارية بحماوة سياسية قاسية ولافتة، مما يجعل «مختار الحي» ودوره تحت المعاينة.

إنه «مزراب دهب»، يقول مختار الأشرفية (شرق بيروت) منذ 12 عاماً الياس نقولا الحايك الذي تخطّى الستين قبل سنوات، في اشارة الى «مهنة» المختار التي يتسابق عليها عشرات آلاف اللبنانيين، من أعمار مختلفة، في طول المناطق اللبنانية وعرضها.

هذا الوصف يوافق عليه مختار الباشورة مبارك بيضون، الخمسينيّ، الذي ينهي «ولايته» الثانية مع 12 عاماً أيضاً، ويستعدّ للبدء بـ «ولاية» ثالثة في هذه الانتخابات. لكنّ بيضون والحايك يتداركان «هذا إذا أراد المختار أن يلهث وراء المال، ولكن إذا أراد خدمة الناس فسيدفع من جيبه الخاصة».

أينما أدرت وجهك في بيروت وغيرها من المدن، وصولاً إلى القرى الصغيرة على الأطراف، ستجد صور المرشحين للمقاعد الاختيارية تملأ الجدران واعمدة الكهرباء.

لكن الصورة في بيروت تتخذ منحى أكثر كثافة وشراسة. فالجدران تكاد تفقد ألوانها لكثرة ما ألصق عليها من صور مرشحين منفردين. الجميع في بيروت يريد أن يكون مختارا، شبانا وشابات وكبارا وعجائز، في سباق يستند الى مجموعة من الحوافز. فهناك من يريد أن يكون مختارا لأنّ والده كان مختارا أو جدّه، وهناك من يرى في «المخترة» ما يمكن أن يكون «وظيفة» ذات مردود كبير لمدة ستّ سنوات كحدّ أدنى، ومنهم من يعتبرها فرصة ليتحوّل من رجل عاديّ إلى وجيه من وجهاء المنطقة ومحور اجتماعي، ومنهم من يرى فيها مناسبة لإظهار تفوّق حزبه ورأيه السياسي في الوسط الذي يعيش فيه.

وإذا وصلنا الى الحافز المالي فهناك رغبة في تحويل المال موازنة للانتقال من المخترة إلى المجلس البلدي أو رئاستها في دورة انتخابية أخرى، وربما إلى النيابة. وفي اطار الوجاهة، هناك رغبة في إثبات حضور العائلة، وعلى الصعيد الحزبي هناك سعي إلى تغيير موازين القوى ولو كانت صغيرة. والحزبي يمكن أن يستعين بالعامل العائلي، كما يمكن مرشّح العائلة أن يعول على الجانب الحزبي في شخصيته، ويستطيع المقتدر أن ينفق على حملته للفوز بـ «الوجاهة»، ويمكن «الوجيه» أن يستعين برصيده الاجتماعي من أجل التمسّك بـ «مزراب الدهب» الذي قد يجعل دخله الشهري أكثر من خمسة آلاف دولار شهريا، وأحيانا 8 و10 آلاف، كما في بعض الأحياء البيروتية.

الحايك وخدمة الأهل

يستقبل المختار الحايك زوّاره في مكتبه القريب من ساحة ساسين في وسط الأشرفية التي تبعد مسافة قليلة من وسط بيروت. وقد تحول المكتب مركزا انتخابيا، من دون التوقف عن خدمة المواطنين، مقيمين وسكانا أصليين.

قصته مع المخترة بدأت العام 1998. ويصرّ خلال روايتها على إيصال فكرة اساسية مؤدّاها انه لا يحتاج إلى المال. فبعدما سافر الى الخليج في الثمانينات براتب يزيد على راتب رئيس الجمهورية في حينها، عاد إلى لبنان ليعمل في مهنته الأصلية، اي صناعة الفضيات والذهبيات، بعدما ورثها من والده وجدّه اللذين كانا يملكان محلا معروفا في وسط بيروت قبل الحرب. وحين ترشّح للمرة الأولى العام 1998 حصل على 7200 صوت من أصل أقلّ من10 آلاف مقترع، من بين 25 ألف ناخب على لوائح الشطب. ولاحقاً تمسك به أهل المنطقة، على ما يقول.

وتسانده امرأة خمسينية تعمل في المركز «من دون مقابل، لأنّه رعى والدي خلال مرضه وخصّص له راتباً شهرياً». ويقاطعها الحايك طالبا منها التوقف عن الكلام، لكنّها تصرّ، مؤكدة انّ «خيره طايف على كلّ الناس».

وهنا يتدخل شاب قائلاً إنّ «المختار لا يحتاج الي لأنّني لن أنتخب قبل ثلاث سنوات، لكنّه يحبني ويحب والدي وأعمامي، لذلك أتطوع في حملته من أجل إعادة انتخابه كونه يمثلنا».

ويضيف الشاب الذي يرفض ذكر اسمه انه لم يتحمّس خلال الانتخابات النيابية كما في هذه الانتخابات: «هذه المرة أشعر باننا كعائلة معنيون أكثر».

المختار «شيخ صلح»

بعيدا عن الانتخابات، يقول الحايك إنّ المختار اقتصر دوره في الماضي على أن يكون «شيخ صلح» ويستطرد: «كان أبو المراجل والشرف والشهامة وكلمته لا تصير اثنتين».

ويضيف انّ المختار كان، وينبغي أن يبقى، الرجل الذي يلجأ إليه أبناء المنطقة والعائلة لحلّ خلافاتهم الشخصية والعامة، فهو ليس معقّب معاملات فقط لتأمين جوازات السفر وإخراجات القيد وبطاقات الهوية وشهادات الولادة والوفاة. ويصل إلى الاعتراف المؤلم: «المختار اليوم ما عادت كلمته مسموعة لأن قسماً كبيراً من المخاتير صاروا يركضون وراء المال والمادة، ما أفقد الناس الثقة بهم».

هذا الكلام يوافق عليه المختار بيضون، مشدداً على أنّه من حقّ المختار أن يحصّل رسوماً متعارفاً عليها من أجل ملاحقة بعض المعاملات: «ولكن يجب الا يتقاضى المختار هذه الرسوم من ذوي الدخل المحدود أو الفقراء».

ويضيف أنّ المختار يعطي بعض الفقراء شهادة «فقر حال» ليقدّموها إلى بلدية بيروت أو إلى الجمعيات الخيرية من أجل الحصول على مساعدات مالية أو عينية.

ومن الامتيازات التي يحصل عليها الفقير ايضاً «تأمين مأتم مجاني له إذا تعذر على الأهل تحمل النفقات»، مؤكداً ان «المختار هو بمثابة رئيس جمهورية مصغّر في محلته، ولكن على تماس مباشر ودائم ويومي بالناخبين».

أموال ووجاهة وسياسة

إذا عمل المختار بنصف طاقته فإنّ مدخوله لن يقلّ عن الفي دولار شهرياً، وفق الحايك، وإذا كان طمّاعاً فقد يصل إلى ضعف هذا المبلغ وأكثر. لكنّ بيضون يرفض الخوض في الأرقام، هو الذي يقدّم خدمات أخرى في مكتب لا علاقة له بالمخترة.

ويؤكد بيضون أنّ دور المختار لا يقتصر على المشاركة في واجبات العزاء والأفراح والحفلات، فهو يسبق الشيخ في محاولة التوفيق بين زوجين وصلا إلى الطلاق. وهو «قانوناً يقوم مقام الضبطة العدلية، فالمخفر يبلغ المختار في حال كان هناك مطلوب من المنطقة. ويمكنه أن يفتح محضرا ويحقق في خلاف ويسجّل المحضر ويوقّعه، ولا يحقّ للاجهزة الأمنية دخول منزل أحد إلا بأمر من النيابة العامة وبمرافقة المختار».

رغم ذلك، يوافق بيضون على أنّ «كثيرين حوّلوا هذه الوجاهة تجارة، فيما المطلوب أن يكون المختار الشريان الحيوي الذي يمثل الأهل أمام الإدارة والسلطة، على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع». ويوضح أنّ لائحة المخاتير التي انضمّ إليها تضمّ ستة من الشيعة واربعة من السنّة عن محلة الباشورة، التي تضم 43 ألف ناخب سني و23 ألف ناخب شيعي و1200 ناخب أرمني و2200 ناخب مسيحي. لا مسيحيين اذا في هذه اللائحة، ولا مناصفة بين السنة والشيعة رغم أن الناخبين السنّة يزيدون عددا، لكنها تحظى بمباركة «تيار المستقبل» و«حزب الله»، في حين تسعى حركة «أمل» إلى تشكيل لائحة منافسة.

أما الحايك فيقول إنّه يمثل خطّ قوى الرابع عشر من مارس، وعلى لائحته مرشحون «قواتيون» وكتائبيون، لافتاً الى انه كان مع هذه القوى خلال الانتخابات النيابية الاخيرة «والحمد لله فزنا خمسة لصفر».

ولا ينسى المختاران المخضرمان التأكيد أنهما يمثلان «خيار العائلات»، إلى جانب الصبغة الحزبية الخفيفة في «المحلول» الانتخابي ورصيدهما في الخدمات.

اذا، عوامل مالية واجتماعية وحزبية تجعل من الاستحقاق الاختياري، بعيدا من الاستحقاق البلدي، «مطحنة» عصبيات وأحلام ورغبات عائلية وسياسية وخدماتية وأهلية وطائفية ومذهبية. فالفرد في هذه الانتخابات يتحول محوراً، وعليها تتحطّم الأحلام الفردية وتقوم الزعامات المحلية. تلك الزعامات التي يستخدمها النواب لاحقاً كـ «مفاتيح» انتخابية، توازي في قوّتها وربما تزيد على «المفاتيح الحزبية». والأكيد أنّ المختار في بيروت، وفي لبنان عموماً، لم يعد «شيخ الصلح» الذي غنت له السيدة فيروز «يا مختار المخاتير». لقد بات في أحيان كثيرة أقرب إلى سمسار، يتسابق على احتلال مقعده أبناء العائلات والحزبيون والعاطلون عن العمل ومحبّو الوجاهات، ناشرين صورهم في شكل عشوائي على جدران العاصمة.





جنبلاط: خادم الحرمين مرتاح لزيارتي لدمشق



غداة عودته من الرياض، نقل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عن خادم الحرمين الشريفين الملك

عبد الله بن عبد العزيز ارتياحه الى العلاقة الراهنة بين بلاده وسورية، والى الزيارة التي قام بها الزعيم الدرزي لدمشق وحصيلتها. وأوضح جنبلاط في تصريح صحافي «ان الملك عبد الله قام بخطوة تاريخية في قمة الكويت الاقتصادية من خلال الانفتاح على الرئيس بشار الاسد، استكملها بزيارة دمشق، ما أدى الى إعادة تفعيل العلاقة القديمة التي كانت تربطه بالرئيس السوري الراحل حافظ الاسد».

واذ أشار الى انه وضع خادم الحرمين الشريفين في اجواء زيارته الاخيرة لدمشق، ولفت الى انه شدد خلال اللقاء معه على أهمية دور السعودية في تعزيز الاستقرار الداخلي والوفاق الوطني. جنبلاط، الذي رافقه في زيارته نجله تيمور والوزير غازي العريضي، اوضح انه أراد من هذه الزيارة ان يُعرّف الملك عبد الله الى تيمور «امتداداً للعلاقة السياسية والصداقة العريقة التي تربط آل جنبلاط بالمملكة العربية السعودية»، مستذكرا كيف ان والده كمال جنبلاط (اغتيل العام 1977) اصطحبه معه العام 1972 الى الرياض «حيث التقينا الملك فيصل بترتيب من رئيس الحرس الوطني آنذاك الملك عبد الله، واليوم يعيد التاريخ نفسه بعد 38 عاما من خلال تيمور».







الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي