في نهاية الاسبوع تهدأ النفوس وتميل للهدوء، وتسكن روحها واحة صحراوية... ها هو القلب متعب مثقل بالحقائب، مشتاق للسفر بعيدا عن ضوضاء السيارات، وغبار الجو، وحرارة شمس لا ترحم صديقا طالما تغزل به شتاء، دعونا من احاديث السياسيين و«مصاختهم»، لنجلس ونفكر فقط نفكر!
نسير عكس السير، ونشتاق دائما للماضي، ولا نشتاق يوما للعيش في المستقبل لاننا نعرف مستقبلنا جيدا، شعارنا للخلف در دائما، الانسان وبعد ان وطئ بقدمه القمر، يفكر كيف يطأ المريخ والزهرة، ونحن مازلنا نبحث في قضية وطء المرأة وشروطها واحكامها!
مشكلتنا اننا رغم تعاليم الانبياء، ونصائح الحكماء، والعرفاء، مازلنا نؤمن بنفس الطريقة الجاهلية، نؤمن بما آمن به آباؤنا واجدادنا، ونحن على نهجهم سائرون صما وعميانا... نحن يا سادة نؤمن ثم نفكر، ولا نفكر حتى نؤمن، يطالب الانبياء اقوامهم ان يتفكروا ليصلوا الى الحقيقة، ونحن نعتبر انفسنا نملك الحقيقة ونحن في بطون امهاتنا!
نولد مسلمين ثم نريد اثبات ان اسلامنا هو افضل دين بالعالم، نولد سنة او شيعة او خوارج او دروزا ثم يبحث كل انسان عن دليل لاثبات صحة مذهبه، وسوء مذهب الآخر، دون ان يفكر من البداية ان يبحث ثم يختار، اننا نشتري بضاعة ثم نبحث عن مميزاتها!
نؤمن بالكثير من المسلمات، والبدهيات، الكثير منها لا معنى، ولا صحة لها، ثم نبحث عن ادلة تثبت صحة ما نؤمن رغم خطئنا!
نؤمن بالجن، ثم نبحث عن ادلة على انها تتلبسنا، وتتمشى معنا، وتتزوجنا، وتقلق منامنا، وتخرج من اصبعنا الاصغر بدلا من عيوننا!
نؤمن باننا احسن الناس في العالم، و«انظف ناس واجدع ناس» ثم نبحث عن ادلة تثبت نظريتنا في الارتقاء والتطور، على بقية شعوب الارض، نبحث عن اي خبر نثبت فيه من خلاله اننا قوم شرفاء امناء، نعانق الطيور، ونغني للورد في مقابل شعوب همجية غريزية حيوانية تتبع شهواتها!
نؤمن بان الغرب ملحد ماسوني يقومون كل صباح ليتابعوا عملهم في النيل من ديننا، من خلال الاساءة الى رموزنا، في اعلاناتهم، وصناعاتهم... ونبحث تحت «النعل» عن الاساءة لديننا، وان لم نجد نؤلف، ونتخيل مهلوسين ان كل تحرك وصورة وخبر... هدفه النيل منا!
نؤمن بان نهاية العالم ستكون دمارا، ويعود الناس يمشون حفاة عراة، يركبون الابل، ويحاربون بالسيوف - لا اسخر، هذا ما قرأته لكاتب في صحيفة محلية قبل اسابيع - ثم نبحث عن ادلة لنظريتنا السخيفة، وبدلا من ان نسعى الى التطور كبقية العالم، ننتظر اليوم الذي يتخلف فيه كل العالم، ويعودون لاستعمال الابل والخرفان والسيوف، وعندها سنسود عليهم! دون ان ندرك ان استراليا هي البلد الاكثر انتاجا للابل، ونيوزيلندا عندها الحلال الاكبر من الخرفان، وان العرب لم يصنعوا يوما سيوفهم بل كانوا يستوردونها من الهند، فحتى لو تخلف العالم سنكون في اخر القاطرة!
«ايمانويل كانت» الفيلسوف الالماني، لخص مآسينا في كلمتين، قالها مختصرا «تجرأ وفكر» ونحن مع الاسف لانمتلك شجاعة التفكير!
جعفر رجب
jjaaffar@hotmail.com